فجر أمس، أعلنت جبهة النصرة استسلامها في لبنان. انتهى وجودها العسكري، ومعه كافة رهانات الضغط على المقاومة، والسعي إلى التوسع داخل الأراضي اللبنانية، وتشكيل تهديد للداخل السوري. بدأت المفاوضات لخروج مسلحيها إلى إدلب، وإطلاق سراح 5 أسرى من المقاومة أسروا في حلب قبل سنتين، وجثامين عدد من الشهداء
رغم عدم رغبة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، أول من أمس، في الحديث عن مهلة محددة لإنهاء الوجود العسكري لجبهة النصرة في لبنان، إلا أن المعركة فعلياً انتهت في الرابعة من فجر أمس، مع إعلان التنظيم الارهابي الاستسلام والانصياع لشروط حزب الله. أعقب ذلك إعلان وقف إطلاق النار على جميع جبهات جرود عرسال منذ السادسة صباحاً، بعد أن لمست «النصرة» ليلاً جدية المقاومة في الهجوم على آخر مساحة لا تزال تحت سيطرة المسلحين، في وادي حميد ومنطقة مدينة الملاهي.
وعلى الاثر وافقت قيادتها على التسوية التي لن تشمل المسلحين فقط، بل أيضاً عائلاتهم وكل من يرغب من المدنيين في الذهاب الى إدلب. وتجاوز العدد الإجمالي لمن يرغبون في الانتقال عتبة الألف شخص، مدنيين ومسلحين. وسيتم ذلك «بشكل منظّم وبإشراف الدولة اللبنانية، وسيتولى الصليب الاحمر اللبناني الأمور اللوجستية»، على ما أعلن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، عقب زيارته رئيس مجلس النواب نبيه بري. وأضاف إبراهيم أن الاتفاق سيكون منجزاً خلال أيام، مؤكداً في سياق ردّه على سؤال حول تصوير الاتفاق وكأنه لتحرير أسرى حزب الله لدى «جبهة النصرة»: «الاتفاق هو لتطهير أراض لبنانية وتحريرها، ومن يستفد من هذا التحرير فلا مانع» من استفادته.
وعلمت «الأخبار» أن التفاوض يتم عبر وسيط لبناني هو الشيخ مصطفى الحجيري (الملقّب بـ«أبو طاقية»)، لا عبر قطر. وهذا الوسيط سبق أن أنجز أكثر من مهمة تفاوضية بين الأمن العام والإرهابيين. وأكّدت مصادر معنية بالتفاوض أن أيّ جهة أجنبية لم تتدخل في المفاوضات التي تُدار بمجملها عبر تطبيق «واتساب». وإضافة إلى خروج من يشاء من المسلحين وعائلاتهم إلى إدلب، في مقابل الإفراج عن 5 أسرى لحزب الله لدى النصرة وتسليم جثامين عدد من شهداء المقاومة، يتضمّن الاتفاق تفكيك المخيمات الأربعة الموجودة في منطقة الملاهي ووادي حميّد، ونقل النازحين الذين يقطنونها إلى داخل بلدة عرسال. وينص الاتفاق أيضاً على أن ينتقل المسلحون والراحلون معهم بباصات إلى إدلب، عبر طريق لم يُحدد بعد، لكن المرجّح أنه طريق عرسال ـــ جوسيه ــ القصير ــ حمص ـــ قلعة المضيق. وفي آخر نقطة للجيش السوري، سيتم تفتيش المسلحين والتدقيق في لوائح الأسماء. ومع كل مجموعة من المسلحين تدخل مناطق سيطرة النصرة والجماعات الأخرى نحو إدلب، يتم الإفراج عن أحد المقاومين الأسرى لدى النصرة وجثامين الشهداء. ورجّحت المصادر أن يتم الانتهاء من عملية التبادل مطلع الأسبوع المقبل على أبعد تقدير، نافية أن تكون بنود الاتفاق قد تطرّقت من قريب أو بعيد إلى مسألة نقل مطلوبين من مخيّم عين الحلوة إلى إدلب.
وتسلّم الوسيط أمس لائحة بأسماء المسلحين وعائلاتهم والمدنيين الراغبين في العودة، ويجري التدقيق فيها تمهيداً لتأمين عملية نقلهم وإخراجهم من لبنان. واشترطت النصرة مواكبة حزب الله للقافلة أمنياً.
وبعد إنهاء ملف النصرة، سيتم تنفيذ اتفاق آخر لا صلة به بعملية التبادل هذه، ينص على نقل مسلحي سرايا أهل الشام إلى سوريا، وإنهاء وجودهم داخل الأراضي اللبنانية، بالتنسيق مع الدولة السورية.
وكانت المقاومة قد دخلت أمس المنشأة الأساسية والأكبر للنصرة في جرود عرسال، وتقدّر مساحتها بنحو 400 متر مربع داخل أحد الجبال في وادي الخيل. وفي أحد أقسام هذه المنشأة احتُجز الجنود اللبنانيون الذين تمّ اختطافهم أثناء معركة عرسال ضد الجيش اللبناني عام 2014 وأطلق سراحهم في عملية تبادل لاحقاً. كذلك عثر رجال المقاومة على مقبرة استحدثها المسلحون لدفن عشرات القتلى منهم، الذين سقطوا في المعارك.
على مقلب آخر، تجري التحضيرات للمعركة المقبلة مع داعش على قدم وساق من جانب الجيش اللبناني. ولفتت مصادر عسكرية «الأخبار» الى أنه يجري إعداد الخطط للهجوم، على أن تبقى الساعة الصفر سرية.
المعركة مع داعش
وفي السياق نفسه، تقدمت احتمالات انسحاب داعش من عرسال من دون خوض معركة فعلية، لكن من دون أن تطغى على احتمال خوض معركة، الذي لا يزال مرجّحاً. ولفتت مصادر عسكرية إلى أن قيادة «داعش» تعي أن مجريات المعركة مع النصرة أظهرت صعوبة الصمود في وجه المهاجمين. كذلك فإن أفق أيّ معركة سيكون مسدوداً أمام التنظيم الإرهابي، بعد سيطرة الجيش السوري وحلفائه على مساحات واسعة في سوريا، ما أسهم في إبعاد «داعش» عن الحدود اللبنانية وانتفاء إمكانية الحصول على إمدادات من سوريا. لذلك، تبرز إمكانية عدم خوض داعش المعركة وانخراطه في تسوية تتيح له الانسحاب الى محافظة دير الزور السورية. رغم ذلك كله، لا تزال احتمالات المعركة أكبر من احتمالات التفاوض والانسحاب. وبدأ الجيش عملية ضغط على إرهابيي «داعش»، عبر بعض الرمايات المدفعية، فضلاً عن ردّه بقسوة على إطلاقهم النار باتجاه أحد مواقعه في جرود راس بعلبك أمس. لكن مسار المعركة ضد داعش لن ينطلق فعلاً إلا بعد الانتهاء من ملف النصرة.
سياسياً، بحث وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، خلال زيارته رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا أمس، تطورات الأحداث في عرسال. وأصرّ المشنوق على أن «الأرض في المناطق الحدودية بجزئها الأكبر، في جغرافيتها، مختَلَف عليها بين لبنان وسوريا، كذلك المعركة الأخيرة، لأن المنطقة تاريخياً لم تشهد ترسيم حدود واضحاً وصريحاً لتحديد الواقع الجغرافي والمسؤوليات». وبحسب المشنوق، «من حق اللبنانيين أن يكون حلمهم وأملهم وعاطفتهم أن يكون الجيش اللبناني من يتولى الدفاع عنهم في كل مكان من لبنان. هذا حق وواجب، والذي يطالب بالجيش اللبناني لا يشتم الآخرين أو ينال من كرامتهم أو جهدهم».
وعن اقتراب معركة الجيش على «داعش»، أشار الى أن «الجيش يتحضر على هذا الأساس من منطلق دفاعي وليس من منطلق هجومي».
من جهة أخرى، ما زالت زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري لواشنطن تتفاعل، عقب صمته أمام «الإهانات» الموجّهة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وفي هذا السياق سئل الحريري أمس، بعد انتهاء اجتماعه مع رئيس مجلس النواب الاميركي بول راين في مبنى الكابيتول، عن الموقف الاميركي في ما يتعلق بحزب الله، فأجاب: «هو موقف الرئيس الأميركي الخاص، ونحن علينا حماية لبنان من أيّ تداعيات يمكن أن تطاله. المهم بالنسبة إليّ هو حماية المؤسسات اللبنانية والشعب اللبناني واستكمال المساعدات للجيش، والتي أدت فعلياً الى مردود كبير جداً في محاربة الارهاب. وفي ما يخص حزب الله، الموقف الاميركي ليس بجديد، وهو معروف». أيضاً، عن إمكانية تعديل القرارات أو مشاريع القوانين المقترحة حتى الآن ضد حزب الله، أوضح أن «مهمتنا أن نحمي لبنان، فحزب الله موجود أصلاً على لائحة الارهاب في أميركا، ونحن علينا أن نحمي المصارف اللبنانية واللبنانيين، وأن لا يكون هناك أيّ قرار شامل يصيب الناس التي لها حسابات داخل المصارف، لأن ذلك سيؤثر على الاقتصاد الوطني اللبناني». ورداً على أن النص يقول ان تشمل العقوبات كل من يتعاون مع «حزب الله» وينسّق معه، أشار الحريري الى «أننا نحاول أن يكون الموضوع أكثر دقة لكي لا يلحق الضرر باللبنانيين».