سلكت قضية محاسبة المسؤولين عن جريمة قتل العسكريين المخطوفين الشهداء طريقها القانوني، بعد كتاب من وزير العدل موجّه إلى النيابة العامة التمييزية لفتح تحقيق. إلّا أن السؤال الأبرز هو عمّا إذا كان هذا التحقيق سيطال المنفّذين الإرهابيين عن القتل، أم أنه سيحاسب الرؤوس الكبيرة التي تدخّلت ومنعت الجيش من الدفاع عن نفسه وعملت سنوات على احتضان الإرهابيين وتوفير البيئة السياسية والأمنية الحاضنة لهم؟
مع استمرار المزايدات في قضيّة العسكريين الشهداء، والحملات الإعلامية التي يخوضها فريق «14 آذار» ضد المقاومة بذريعة تسوية خروج إرهابيي «داعش» من جرود القلمون الغربي، تزامناً مع حملة عربية ــ غربية منظّمة للهجوم على المقاومة وسوريا، سلكت أمس مسألة محاسبة المسؤولين عن كارثة اختطاف العسكريين في 2 آب 2014 أولى خطواتها القانونية، إذ ترجم وزير العدل سليم جريصاتي أمس ما كان قد أكّده رئيس الجمهورية ميشال عون حول الإصرار على محاسبة المسؤولين عن هذا الملفّ، بتوجيه كتاب إلى مدّعي عام التمييز القاضي سمير حمّود، طالباً من النيابة العامة «إجراء التعقبات بشأن جرائم قتل عسكريين في عرسال من قبل تنظيمي داعش وجبهة النصرة الارهابيين، على أن تشمل هذه التعقبات جميع الجرائم المتفرعة وجميع الاشخاص الذين شاركوا أو تدخلوا أو حرّضوا على ارتكابها».
ولم يتّضح بعد المسار القضائي الذي قد يسلكه التحقيق، ومن الممكن إذا اعتُبرت القضية مساساً بالأمن القومي للبلاد، أن تُحوّل إلى المجلس العدلي، علماً بأن القضايا التي تخصّ العسكريين عادةً ما تعالج أمام القضاء العسكري.
غير أن كتاب جريصاتي، الذي يحدّد التعقبات في جرائم قتل العسكريين بالمنفّذين والمحرّضين، أي القتلة الإرهابيين من «داعش» و«النصرة»، يهمل الجانب المتعلّق بالمسؤولين عن اختطاف العسكريين يوم غزوة عرسال الشهيرة والمقصّرين في حماية أبناء المؤسسة العسكرية، والفريق الذي مارس ضغطاً سياسياً على الجيش وحال دون قيامه بمهماته في محاولة استردادهم، فضلاً عن الذين بقوا لسنوات يحرّضون ضد الجيش على المنابر، من سياسيين ورجال دين وإعلاميين.
برّي ينعى «الفرعية»: الطعن بقانون الضرائب لا يعطله
وهؤلاء شكّلواً مزاجاً معادياً للجيش على مدى سنوات عند فئة من اللبنانيين، وبين جزء من النازحين السوريين، بدل الالتفاف حول المؤسسة العسكرية ودعمها في مكافحة الإرهاب والتطرّف. والغريب، أن الحاضنة السياسية لهؤلاء المحرّضين، هي ذاتها التي تستنفر اليوم ضد المقاومة، وتحاول الإيحاء بأن حزب الله حمى الإرهابيين بإخراجهم من الجرود، على عكس ما عبّر عنه رئيس الجمهورية وقائد الجيش العماد جوزف عون، وكذلك ما اعترف به الرئيس سعد الحريري من باريس، حين أكّد أنه والرئيس عون اتخذا قرار السماح للإرهابيين بالعبور إلى داخل الأراضي السورية خلال المعركة، علماً بأن بيان كتلة المستقبل علّق على مسألة التسوية، متجاهلاً اعتراف الحريري، وصابّاً اتهاماته على المقاومة.
وفي السياق ذاته، كرّر الوزير بيار رفّول موقف رئاسة الجمهورية، مؤكّداً أن «عناصر داعش استسلموا في معركة الجرود، وهذا يعدّ انتصار لنا، وعندما ضرب الجيش اللبناني آخر يوم، هرب عناصر التنظيم إلى الاراضي السورية، ولهذا السبب جرى التفاوض مع حزب الله من أجل معرفة مصير العسكريين المخطوفين». ومنسجماً مع موقف المقاومة وكلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، قال رفّول إن «هناك قوانين دولية لا تسمح بقتل المستسلم، وعناصر داعش استسلموا، لذلك لا يجوز ضربهم وقتلهم».
من جهة ثانية، انتهت فحوصات الحمض النووي بالتعرّف على كامل جثامين الجنود اللبنانيين العشرة التي عثر عليها في منطقة «وادي الدبّ» في جرود عرسال. وفيما لم يصدر أيّ بيان رسمي عن الجيش بعد، علمت «الأخبار» أن قائد الجيش سيستقبل عائلات الشهداء اليوم في قيادة الجيش، بحضور مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر والطبيب المختصّ الذي أشرف على فحوصات الحمض النووي، لوضعهم في صورة التطورات وإبلاغهم بالنتائج بشكل رسمي.
ويُعِدّ الجيش احتفالاً رسمياً عسكريّاً تكريماً للشهداء في الأيام المقبلة في وزارة الدفاع، من المتوقّع أن يشارك فيه الرؤساء الثلاثة، ثم تنقل الجثامين بعدها إلى القرى لإجراء مراسم التشييع، كذلك ستصدر الحكومة اليوم مذكّرة تعلن فيها الحداد يوماً واحداً عن أرواح العسكريين الشهداء. ويُعِدّ الجيش أيضاً لاحتفال في القاعدة الجويّة في رياق في نهاية الأسبوع، تكريماً للوحدات العسكرية القتالية التي شاركت في معركة «فجر الجرود».
برّي: الانتخابات الفرعية «الله يرحمها»!
وفيما لا يزال الجدل قائماً حول قانون الضرائب، أكّد رئيس المجلس النيابي نبيه برّي أمام زوّاره أنه «مخطئ من يعتقد أن مجرد الطعن أو إحالة الطعن إلى المجلس الدستوري بقانون الضرائب، يعني أن القانون قد تعطّل»، مضيفاً: «ننتظر قرار المجلس الدستوري الذي يدرس القانون، ويستطيع المجلس أن يبطل القانون أو يطلب تعديل مواد معينة، وبالتالي المجلس النيابي، وبناءً على ما يقرره المجلس الدستوري، سيقارب المسألة بما تتطلبها». وجزم برّي بأنه لن يتدخّل، بل سينتظر مآلات الأمور، مذكّراً بالضغوط التي تمارسها المصارف والمدارس الكاثوليكية. وحول مسألة بواخر الكهرباء، قال رئيس المجلس إنه لن يعلّق «حتى نتسلم التقرير الرسمي ثم نقول كلمتنا»، مؤكّداً أنه لا خوف على وضع الحكومة، و«شو بدنا أحسن من هيك». وحول الانتخابات الفرعية علّق قائلاً: «رحمة الله عليها»، وعن وجود تخوّف من تطيير الانتخابات النيابية، أكد أنه «لا خوف عليها، لكن سبق أن قلت إن كانوا يريدون انقلاباً في البلد، فليطيّروها».
وفي السياق، تقدم النائب سامي الجميّل بسؤال إلى الحكومة حول «عدم التزام الحكومة بالمواعيد الدستورية وعدم دعوة وزارة الداخلية والبلديات، حتى الساعة، الهيئات الناخبة وتحديد موعد الانتخابات الفرعية في كسروان وطرابلس». وطلب من رئيس الحكومة ووزير الداخلية نهاد المشنوق إجابة خطيّة ضمن مهلة خمسة عشر يوماً، و«إلا بات لزاماً تحويل السؤال إلى استجواب عملاً بأحكام النظام الداخلي لمجلس النواب».
من جهته، ردّ تكتّل التغيير والاصلاح، على لسان النائب إبراهيم كنعان، على تصريحات الحريري من باريس، بعد أن ربط الأخير عودة النازحين السوريين إلى بلادهم برحيل الرئيس السوري بشّار الأسد، مؤكّداً أن «عودة النازحين مسألة ترتبط بالسيادة اللبنانية، ويجب ألا تكون مشروطة بأيّ قرار، لا داخلي ولا خارجي، ولا إقليمي ولا دولي، وانطلاقاً من أن العودة مسألة وطنية عليا، فالتكتل يرفض أي شرط وأي ربط في مسألة عودة النازحين الى بلادهم».
وعلّق كنعان على مسألة الضرائب قائلاً إن «درس وإقرار مشروع موازنة عام 2017 ووضع تقريرها النهائي تم مع إنجاز يتمثل بالوفر الذي توصلنا اليه، والذي نأمل بمصادقة الهيئة العامة عليه، وهو يتخطّى مبلغ الألف مليار»، مضيفاً أنه «إذا كان هناك أحد ضد الضرائب التي نريد جميعاً تجنّبها في ضوء الأوضاع الاقتصادية التي نعيش، فمن واجب المسؤول طرح البديل لتأمين الإيرادات».