أعلَنت المملكة العربية السعودية على لسان وزيرها ثامر السبهان أن هدفها «تطيير حزب الله من الحكومة». وقد جاء تصريحه بأن «تغريداتي ليست موقفاً شخصياً» ليبدّد كل الشكوك، ويؤكّد أنها «تعبّر عن الموقف الرسمي للمملكة». الأيام المقبلة يبدو أنها ستكون صعبة، إذ توعّد السبهان بالكثير، ما يُفسّر استدعاء رئيس الحكومة سعد الحريري إلى الرياض أمس
ميسم رزق
بعدما حارت القوى السياسية في تفسير تغريدات وزير الدولة السعودي ثامر السبهان بشأن لبنان، مشكّكة في أن تكون هذه التغريدات هي الموقف الرسمي للمملكة العربية السعودية، تبيّن أنها ليسَت تفصيلاً. حسَمها السبهان أمس، في تصريح له حمل تهديداً واضحاً، إذ أكد أن «تغريداتي ليست موقفاً شخصياً، وسترون في الأيام المقبلة ما سيحصل. الآتي سيكون مذهلاً بكل تأكيد».
هذا الكلام كان له في حسابات الفرقاء من حلفاء الرياض، كما خصومها، وقعٌ وضع الجميع في حالة ترقّب، خصوصاً أنه عبّر بوقاحة عن هدف المملكة «وهو تطيير حزب الله من الحكومة». مواقف السبهان كانت قد تدرّجت من الهجوم على الحزب إلى تهديد حلفائه، ثمّ وصلت إلى الحكومة ككل وحتى الشعب. وبدا منها أن السعوديين وضعوا الجميع في مرمى النار، وأزالوا خط الفصل بين حزب الله والدولة اللبنانية. وبدا جلياً أن تغريدة الوزير السعودي أول من أمس، التي استغرب فيها ما سمّاه «صمت الحكومة والشعب» حيال حزب الله، كانت رسالة موجّهة بالدرجة الاولى إلى رئيس الحكومة سعد الحريري لمطالبته باتخاذ موقف واضح يماشي فيه السياسة السعودية ضد المقاومة. وقد تُرجم ذلك بسفر الحريري، على عجل، إلى الرياض أمس، بعد إلغاء كل مواعيده، بما فيها اجتماع لجنة متابعة تطبيق قانون الانتخابات النيابية ولجنة دراسة مشروع موازنة 2018.
تقول مصادر مستقبلية بارزة إن «ساعة الاستحقاق دقّت»، وقد مهّد لها السبهان في أكثر من تغريدة «هدفت إلى التصعيد الآني، من دون معرفة ما يُمكن أن تؤول إليه في ما بعد». لكن «تجاهل الحريري الرسائل غير المباشرة، التي كانت تحثّه على المواجهة، لا يمكن أن يستمر ولم يعُد هناك من مهرب». الحريري بحسب المصادر «ذهب إلى السعودية بعد استدعائه مباشرة. وهو بالتأكيد سيتعرّض لضغط سعودي يطالبه بمواجهة مِن داخل الحكومة. وليس معروفاً ما إذا كان سيستطيع التفلّت منه، إو إقناع من بأيديهم الأمر بضرورة الحفاظ على التسوية». فقد بات بين «فكّي كماشة»: الواقع الداخلي المحكوم بالتسوية، ومطالب سعودية يصعب القفز عنها.
وتقدّر مصادر مقربّة من الحريري أن «زيارته للمملكة ليست عادية، بل تأتي في سياق تتبّع الزيارات التي قامت بها شخصيات لبنانية أخيراً، وظهرت كأنها استدعاء لإعادة تشكيل جبهة ضد حزب الله». وانطلاقاً ممّا دار في كواليس تلك الزيارات، التي اطلعت المصادر على بعض ما جاء فيها، أدرجت تغريدات السبهان في إطار «تنبيهات متتالية إلى الحريري من أجل الابتعاد ليس عن حزب الله وحسب، بل عن رئيس الجمهورية ميشال عون والتيار الوطني الحرّ أيضاً. فالافتراق عن الحزب هو تحصيل حاصل».
المطلوب سعودياً من رئيس الحكومة «رسم خطّ فاصل في علاقته مع العونيين، حتى لا يؤُثر ذلك على التوازن داخل السلطة التنفيذية، حيث ليس هناك موقف واضح أو صارم للحريري من سياسة التيار ومواقفه من الحزب والسياسة الخارجية». وترى المصادر أن التغريدة التي انتقد فيها السبهان «صمت الحكومة والشعب على مشاركة حزب الميليشيا الإرهابي (حزب الله) في حربه على المملكة بتوجيهات من أرباب الإرهاب العالمي»، كما قال، إنما «هي إشارة إلى امتعاض من ميوعة الحكومة بشخص رئيسها، وأكبر تكتّل فيها العونيين، تجاه تمادي الحزب». وتكشف المصادر أن «رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب سامي الجميّل سمعا من السعوديين خلال زيارتهما انتقادات لاذعة لعون». وقد قال السعوديون بصراحة: «لم نكُن نريد لرئيس الجمهورية أن يكون في فريق الرابع عشر من آذار، نحن كنّا نتمنّى أن يقف في الوسط، ولهذا السبب لم نعارض انتخابه». لكن عون، كما قال السعوديون، «فاجأنا. هو يتصرّف وكأنه مرتبط أيديولوجياً بحزب الله، ويدّعي شكلياً أنه على مسافة واحدة من الجميع لتسيير عهده، لكنه بالقلب والجوهر مرتبط ارتباطاً تاماً بالحزب».
تتهيّب المصادر هذه الزيارة وتأثيرها على المشهد الداخلي، لكنها «تستبعِد أن يطالَب الحريري بخطوات عملانية، كالاستقالة من الحكومة»، مستندة إلى قول السبهان أمس لقناة «أم تي في» إن بلاده لا تريد «تطيير الحكومة، بل تطيير الحزب، والآتي سيكون مذهلاً بالتأكيد». وأشارت إلى أن «التصعيد السعودي لم يكُن مفاجئاً»، كاشفة أن «بعض الشخصيات اللبنانية ذهبت سراً إلى المملكة، والتقت بمسؤولين سعوديين بعيداً من الإعلام، وعادت ونشرت في الكواليس الداخلية بعضاً ممّا سمعناه على لسان السبهان». ولفتت المصادر إلى أن «الحريري كان قد تمنّى على المملكة عدم الإعلان عن هذه الزيارات تفادياً لأيّ استنفار من الحزب».
وفيما تزامن الموقف السعودي مع تصاعُد المواجهة الأميركية ــ الإيرانية والمخاوف من تحمّل الدولة اللبنانية أثماناً باهظة، استوقف المصادرَ كلامٌ سعوديّ قيل أمام زوار المملكة، نقل فيه مسؤولون سعوديون «تبايناً بينها وبين موقف الإدارة الأميركية التي تريد تحييد الساحة اللبنانية، وتفضّل مواجهة الحزب في سوريا عسكرياً، وفي لبنان من خلال العقوبات فقط، مع عزل لبنان كدولة عن هذا الصراع حفاظاً على الاستقرار». وجاء الكلام السعودي في إطار «السخط ممّا وصفوه بعدم الحماسة اللبنانية لمواكبة التصعيد السعودي، وكأن هناك نوعاً من التطبيع مع الأمر الواقع والتسليم به»!