الجرّاح أمام لجنة الاتصالات: كريدية «ضعيف الشخصية»
ناقشت لجنة الاتصالات النيابية أمس الخلاف الحاصل بين الوزير جمال الجراح ومدير عام «أوجيرو» عماد كريدية. أجوبة الجرّاح لم تكن مقنعة للنواب، وساد الجلسة إجماعٌ على ضرورة حماية الهيئة وحفظ حصة الدولة من قطاع الاتصالات، على أن يستكمل النقاش في جلسة الأسبوع المقبل
لم تنجح محاولات وزير الاتصالات جمال الجرّاح في إقناع النواب الأعضاء في لجنة الاتصالات النيابية، خلال جلسة اللجنة أمس، بأن اتهامه لمدير عام «أوجيرو» عماد كريدية بهدر المال العام واستخدام صلاحياته لمآرب شخصية (في كتاب رسمي وجّهه الجراح إلى كريدية يوم 25 تشرين الاول 2017) كان هدفه حثّ كريدية على تحسين أدائه الإداري في تنظيم المؤسسة.
مساعي الجرّاح لـ«لفلفة» الفضيحة لم تثنِ النواب عن فتح ملفّ «أوجيرو» والعودة إلى المقالات التي نشرتها «الأخبار» خلال الأيام الماضية، لا سيّما تلك التي كشفت فيها نية الجرّاح ومن خلفه ضرب «أوجيرو» كواحدة من مؤسسات الدولة اللبنانية، لمصلحة شركتين خاصتين، هما «غلوبال داتا سرفيسز» و«وايفز»، اللتين قال النائب سامر سعادة أمام زملائه، أمس، إن الأولى تعمل لمصلحة مستشار الرئيس سعد الحريري، نادر الحريري، والثانية لمصلحة الوزير جبران باسيل!
أكثر من نائب شارك في الجلسة أكّد لـ«الأخبار» أن الجرّاح، الذي حضر ومعه مستشاره نبيل يمّوت، «بدا عليه التوتّر أثناء طرح النواب الأسئلة عليه، ولم تكن أجوبته مقنعة». وبعضهم هنّأ الجرّاح على «الصلحة» مع يمّوت الذي أقاله وزير الاتصالات من منصبه قبل ظهر يوم الخميس الماضي، ثم أعاده مستشاراً أول له بعد ظهر اليوم نفسه، مقابل ليرة لبنانية واحدة سنوياً، نزولاً عند قرار الرئيس سعد الحريري. وكرر الجراح أمام اللجنة «خبرية الليرة الواحدة»، ما أدى إلى طرح المزيد من التساؤلات عن عمل يمّوت الذي يصفه البعض بوزير الظلّ الممسك بمفاتيح الوزارة ومفاصلها. وإذا كان المستشار مترفّعاً عن راتبه من الوزارة، يبقى السؤال عن الجهة التي تدفع له راتباً، ما دام يعمل بدوامٍ كامل.
وكان لافتاً طلب الجرّاح وقف التسجيل قبل الإجابة عن سبب قراره ورسالته بحقّ كريدية، إذ قال إن الأخير، وبعد أن طلب منه الوزير تفعيل عمل الموظّفين، ردّ عليه بأن العديد منهم من المحسوبين على جهات سياسيّة، لا يريدون الانتظام، فما كان من الجرّاح (والرواية ينقلها النواب عن لسان الوزير) إلّا أن اتصل بالرئيس نبيه برّي والرئيس سعد الحريري وآخرين من القوى السياسية، الذين بدورهم أكّدوا رفع الغطاء عن أيّ متخلّف عن عمله، وأن للوزير الحقّ في التصرّف بما يراه مناسباً. وعندها، بحسب الجرّاح، طلب من كريدية تنظيم العمل الإداري وضبط الموظفين، لكنّ كريدية لم يقم بواجبه، ووصفه الجرّاح بأنه «ضعيف الشخصية». وحين سئل عن اتهاماته بحقّه (كهدر المال العام ومخالفة القانون وتجيير المرفق العام لمصلحته الشخصية)، سحب اتهاماته، وقال إنه بالغ بها بهدف حثّ كريدية على تحسين أدائه!
هكذا إذاً، يحقّ للوزير اتهام موظّف بالسرقة والهدر والفساد لحثّه على العمل، من دون مسوّغ ومن دون حجّة قانونية، وبعدها يريد لفلفة الفضيحة، علماً بأن كريدية سيمثل اليوم أمام المدّعي العام المالي القاضي علي إبراهيم لاستكمال الاستماع إليه على خلفية اتهامات الجرّاح، فهل يملك كريدية رواية أخرى عن مضمون الاتهامات التي وجّهها له وزيره في كتاب رسمي؟ أم أنه هو الآخر قبِل بـ«الصلحة» التي رعاها الحريري؟
الخلاف بين كريدية والجرّاح دفع النواب إلى إعادة فتح ملفّ تلزيم وزارة الاتصالات لشركتي «جي دي أس» و«وايفز» تمديد شبكة الـ«فايبر أوبتكس» وتشغيلها، ما يمكّن مالكيهما من تحصيل أرباح خيالية كان ينبغي أن تذهب إلى خزينة الدولة، إذ ساد إجماع بين النواب على أن منح الشركتين هذا الامتياز يأخذ من حصّة الدولة أرباحاً مهمّة ويهدّد «أوجيرو»، ويحرم الدولة من مورد مالي مهم في قطاع أساسي من القطاعات التي تستمد منها الدولة إيراداتها. وأكّد غالبية النواب رفض الخصخصة المقنّعة التي تحصل لملفّ الاتصالات. وبرز نقاش قانوني حول آلية منح الشركتين هذا الامتياز، وحول الاختلاف في النسب التي تحصل من الأرباح (80 في المئة لـ«جي دي اس» في مقابل 40 في المئة لـ«وايفز»). ففي حين قال بعض النواب إن هذا الأمر يحتاج إلى مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء، أصرّ النائب عبّاس هاشم على ضرورة وجود قانون صادر عن مجلس النواب، متسلّحاً بالمادة 89 من الدستور التي تنصّ على أنه «لا يجوز منح أي التزام أو امتياز لاستغلال مورد من موارد ثروة البلاد الطبيعية، أو مصلحة ذات منفعة عامّة أو أي احتكار إلّا بموجب قانون وإلى زمن محدود». وأكّد هاشم طلبه عقد جلسة خاصّة في اللجنة لنقاش هذه القضيّة، فيما ستنعقد اللجنة الأسبوع المقبل لاستكمال البحث في ملفّ الخلاف بين الجراح وكريدية. من جهته، ركّز النائب سامر سعادة على وجود محاصصة بين التيار الوطني الحرّ وتيار المستقبل خلف هذا الملفّ، مشيراً إلى وجود محاصصة أيضاً في التوظيف واقتسام الوظائف بين التيارين لأسباب انتخابية، «بعد توظيف 12 موظّفاً من منطقتي (البترون)».
من جهة ثانية، وفي ظلّ رفع وتيرة التصعيد السعودي ــ الأميركي ــ الإسرائيلي ضد محور المقاومة، زار الرئيس سعد الحريري أمس السعودية بعد تلقّيه دعوة فورية إلى المملكة، تلت موقفاً تصعيديّاً لوزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان، الذي قال إن المطلوب إخراج حزب الله من الحكومة. والتقى الحريري، أمس، وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان ووزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان كلّاً على حدة. وفيما لم تعرف بعد نتائج زيارة الحريري وفحوى لقاءاته، أكدت مصادر مستقبلية لـ«الأخبار» أن «هناك قراراً سعودياً واضحاً بالمواجهة مع حزب الله»، وأن «الحريري سيعود من السعودية باتفاق مع السعوديين على وجهة المرحلة المقبلة». وقالت المصادر إن «رئيس الحكومة سيضع المسؤولين السعوديين في أجواء التسوية اللبنانية، وسيشرح صعوبة مواجهة حزب الله عمليّاً»، وأن «بالإمكان العرقلة ورفع لهجة الخطاب، وإفشال توجهات حزب الله والتيار الوطني الحر الداعية إلى فرض فتح علاقة مع سوريا، لكن ينبغي عدم شلّ المؤسسات، مع الإشارة إلى فشل تجربة شنّ حرب مفتوحة على حزب الله قبل عشر سنوات». وقالت المصادر إن «التسوية تبدو شبه مستحيلة بين ما يريده الحريري وما يريده السعوديون في هذه المرحلة في لبنان».
وكان الرئيس نبيه برّي قد ذكر أمس أمام زوّاره أنه تلقّى اتصالاً من الحريري أكّد له فيه أن «زيارة السعودية جيّدة وهناك اتفاق على الاستقرار، وأن مَن يعبِّر عن موقف المملكة هو وليّ العهد محمد بن سلمان».
وكتب رئيس الحكومة على «تويتر»، بعد نشره صورة له مع ابن سلمان: «في كلّ مرة نلتقي بسموّ وليّ العهد محمد بن سلمان تزيد قناعتي بأننا والقيادة السعودية على وفاق كامل حول استقرار لبنان وعروبته». كذلك نشر الحريري صورة له مع السبهان. إلّا أن الأخير كتب على حسابه «اجتماع مطوّل ومثمر مع أخي دولة الرئيس سعد الحريري، واتفاق على كثير من الامور التي تهمّ الشعب اللبناني الصالح، وبإذن الله القادم أفضل».
على صعيد آخر، دافعت كتلة المستقبل النيابية عن خطوة «رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري في التوقيع على مرسوم اعتماد السفير اللبناني الجديد في سوريا سعد زخيا بدلاً من السفير اللبناني السابق»، مقابل الاعتراضات التي صدرت عن بقايا فريق 14 آذار، على الرغم من أن بعض هذه القوى، لا سيّما القوات اللبنانية، شارك وزراؤها في جلسة الحكومة التي أقرّ فيها تعيين زخيا، وفي الأيام الماضية خرجت لتتنصّل من قرار الحكومة بحجج مختلفة. ورأت كتلة المستقبل أن «تعيين سفير جديد للبنان في سوريا مسألة طبيعية وضرورية يجب التمسك بها والحفاظ عليها على وجه الخصوص أن الكتلة ناضلت بقوة من أجل الوصول الى تبادل التمثيل الدبلوماسي بين البلدين والدولتين».
بدوره، ردّ برّي على كلام رئيس الجمهورية قبل يومين، من دون أن يسمّيه، والذي أشار فيه إلى لا شرعية مؤسسات الدولة قبل انتخابه رئيساً، بالقول إن «هذا المجلس النيابي رغم تمديد ولايته أنقذ لبنان في مرحلة الفراغ الرئاسي». وأكد بري خلال استقباله وفداً من البرلمان الأوروبي أن «لبنان ذاهب الى الانتخابات النيابية في موعدها على أساس النظام النسبي لأول مرة»، مؤكداً أهمية هذه الانتخابات «ودورها في حماية الاستقرار في لبنان وصونه».