نجح الضغط اللبناني في وصول المبادرة الفرنسية، بشأن الإفراج عن الرئيس سعد الحريري المحتجز في السعودية، إلى نتائج إيجابية، وتنتظر بيروت وصول الحريري إلى باريس ولقاءه مع الرئيس الفرنسي قبل البحث في أيّ أمرٍ آخر
بعد تلويح لبنان برفع قضيّة احتجاز رئيس الحكومة سعد الحريري في السعودية إلى الأمم المتحّدة ومجلس الأمن الدولي، والإعلان عن مبادرة فرنسية للإفراج عن الحريري، انعكست أجواء الاطمئان في بيروت مع قرب الإفراج عن الحريري وانتقاله إلى فرنسا ولقائه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون غداً.
وعبّر رئيس الجمهورية ميشال عون عن هذا الاطمئنان، آملاً أن تكون هذه الزيارة لباريس مدخلاً لحلّ الأزمة، بينما عبّر الرئيس نبيه برّي عن ارتياحه لهذه الخطوة، مؤكّداً أن أزمة احتجاز الحريري شارفت على نهايتها. ومع استمرار الحركة الفرنسية، وزيارة وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان للرياض ولقائه الأمير محمد بن سلمان والحريري، تابع وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل جولته الأوروبية، والتقى أمس وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل في برلين، قبل أن ينتقل إلى تركيا ويلتقي الرئيس رجب أردوغان ووزير خارجيته مولود جاويش أوغلو.
برّي الذي يتناغم موقفه مع موقف رئيس الجمهورية، لا يزال يرفض البحث في ما بعد عودة الحريري إلى بيروت قبل أن تتمّ هذه العودة والاستماع من الحريري إلى ظروف استقالته. إلّا أنه أكّد لزواره، مساء أمس، أن عودة الحريري باتت شبه أكيدة، وأن «أزمته الشخصيّة انتهت تقريباً»، إلّا أنه رأى أن «الأزمة السياسية بدأت الآن».
أمّا عون، فسرد أمام وفدٍ من مجلسي نقابة الصحافة والمحرّرين تفاصيل ما جرى من إعلان الحريري استقالته، مؤكّداً أنه سينتظر مجيء الحريري الى بيروت للبحث معه في «مسألة الاستقالة التي لم تقبل حتى الآن، وعندما يأتي يقرر ما إذا كان يريد الاستقالة أو الاستمرار في رئاسة الحكومة، لأن الاستقالة يجب أن تقدم في لبنان، وعليه البقاء فيه حتى تأليف الحكومة الجديدة، لأن تصريف الأعمال يفترض وجود رئيس الحكومة في البلاد». وكشف عون، أثناء حديثه عن لقائه القائم بالأعمال السعودي في بيروت وليد بخاري، أنه طلب إيضاحات رسمية عن وضع الحريري في المملكة في ضوء المعلومات التي كانت ترد، ومضت ستة أيام من دون أن يأتينا الجواب، فكان الموقف الذي أعلناه»، مضيفاً: «نحن لا نتجنّى على أحد، لكن من البديهي أن يسأل رئيس الجمهورية عن وضع رئيس حكومته، الذي تتناوله كل وسائل الاعلام المحلية والعالمية، وتقول إنه محتجز، لأن للبنان كرامته وسيادته». وقال عون، ردّاً على سؤال عمّا إذا كانت حكومة تصريف الأعمال يمكن أن تجتمع وتتخذ قرارات إذا ما طرأت ظروف استثنائية: «لا تخافوا، لن يكون هناك أي حل مقفل أمامنا، وكل شيء سيكون قانونياً». كذلك قال، ردّاً على سؤال إن كان البطريرك بشارة الراعي قد وضعه في أجواء زيارته للسعودية، إنه اطّلع على التصريح الذي أدلى به البطريرك في السعودية، و«إذا أراد أن يعلمني بأيّ نتيجة إضافية فإن أبواب قصر بعبدا مفتوحة دائماً لاستقبال البطريرك».
من جهته، كرّر وزير الخارجية الألماني مواقف بلاده القاسية بحقّ السعودية، على خلفية أزمة احتجاز الحريري، مؤكّداً بعد لقائه باسيل في برلين اهتمام ألمانيا «اهتماماً كبيراً بوحدة لبنان واستقراره، ونقف الى جانب لبنان والذين يريدون المحافظة على وحدة البلد وسيادته»، موجّهاً رسالة للسعوديين من دون تسميتهم بالقول: «نطالب سياسيّي المنطقة بالتصرف بحكمة في ما يتعلق بهذا النزاع».
وشدّد غابرييل على أن «وجود مليون ونصف مليون لاجئ يشكلون عبئاً جسيماً على لبنان يضاف الى أعباء الحروب الاقليمية، وهذا البلد يستحق الدعم والمساعدة السياسية والاقتصادية، ونحن مستعدون لذلك». بدوره، قال باسيل إن «سياسة لبنان واضحة، لأنه يعتمد النأي بلبنان عن مشاكل الخارج وعدم الاعتداء على أي دولة لكونها لا تعتدي علينا، ونطالب بأن تساعدنا الدول الصديقة على وقف السياسات الخاطئة والمتهورة التي تؤدي إلى تعزيز التطرف والارهاب، لأن التطرف يطال كل دول العالم، بما فيها أوروبا، ويغيّر معالمها السياسية». وتابع أن محاربة لبنان بأي شكل أتت، «إن كان على شكل تعطيل لحياتنا السياسية أو فرض إجراءات أو عقوبات على اقتصادنا، ستكون النتيجة مباشرة على النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وعلى اللبنانيين الذين ستضعهم في وضع هشّ ينقلهم إلى حالات أخرى، ومنها اللجوء إلى أوروبا وخلق أوضاع غير مستقرة، كما حصل في الأزمة السورية وما عانت منه ألمانيا وأوروبا».
ومن تركيا، أكّد باسيل أنه «اعتمدنا سياسة ضبط النفس في قضية الحريري، ولم نتخذ خطوات تصعيدية، آملاً أن لا نضطر إلى تصعيد موقفنا لتأمين عودة رئيس حكومتنا الى بلده»، مشيراً إلى أن «اللبنانيين متفقون على سياسة خارجية تقوم على إبعاد لبنان عن الأزمات»، فيما أكّد أوغلو أن «تركيا تساند الوحدة والتماسك والاستقرار في لبنان ونعارض كل الامور التي تخاطر به»، مشيراً إلى أنه «يهمنا عودة الحريري الى لبنان، ونؤمن بأنه سيتشاور مع رئيس الجمهورية ميشال عون وسيتخذ القرار السليم ونقدّر موقفه».
الجبير يهاجم المقاومة
وفيما أكّد الحريري، بعد لقائه وزير الخارجية الفرنسي، أنه سيذهب إلى فرنسا في وقتٍ قريبٍ جدّاً، كان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لا يزال ينفي احتجاز الحريري في الرياض، مؤكّداً أنه «موجود في السعودية بإرادته، وعودته إلى لبنان تعود له ولتقييم الأوضاع الأمنية»، مع إشارته إلى أن الحريري «مواطن سعودي كما هو مواطن لبناني». إلّا أن الجبير شنّ هجوماً على المقاومة، متذرّعاً بأن «الأزمة في لبنان أساسها حزب الله الذي اختطف النظام اللبناني، وهو أداة في يد الحرس الثوري الإيراني». وزعم أن «هناك شبه إجماع في العالم على أن حزب الله منظمة إرهابية ويجب عليه احترام الطائف ونزع سلاحه»، مضيفاً أنه «يجب إيجاد وسائل للتعامل مع حزب الله، وهناك خطوات فعلية في هذا الصدد».