Site icon IMLebanon

الحكومة بعد الانعاش: أولوية الاستقرار الاقتصادي والانتخابات

بيان ترميم التسوية ينهي الأزمة والحريري لم يعد «متريّثاً»
ربح الرئيس سعد الحريري، ولم يخسر أي من خصومه. نجح الجميع في ترميم التسوية السياسية من خلال بيان أعاد تأكيد الالتزام بمبدأ النأي بالنفس، من دون أن يضيف شيئاً إلى البيان الوزاري لحكومة الحريري. عاد الأخير رئيساً للحكومة عشية اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان الذي تستضيفه باريس، والذي يشكّل رسالة قوية تؤكد على وجود مظلّة دولية تحمي استقرار البلد السياسي والاقتصادي
لم يعُد سعد الحريري رئيساً مُستقيلاً، ولا رئيساً مُتريثاً عن تقديم استقالته. عاد أمس رسمياً رئيساً للحكومة في جلسة استثنائية عقدها مجلس الوزراء في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون. بعد شهر من إجباره من قبل المملكة العربية السعودية على هزّ استقرار البلد، نجح الحريري، بدعم من الرئيسين عون ونبيه برّي، في حياكة حلّ لبناني رمّم التسوية، وأعاد إحياء حكومة الوحدة الوطنية من خلال إعادة مبدأ النأي بالنفس إلى الضوء بشكل يمنع الضرر بعلاقات لبنان بدول المنطقة.
في الشكل، شكّل بيان الجلسة مخرجاً لائقاً يحفظ حق الجميع ويرضي الكل. لكنه، عملياً، لم يختلف عن مضمون البيان الوزاري، ولا عن خطاب قسّم رئيس الجمهورية.
ورغم أن عودة الحريري عن استقالته كانت محتومة تحت عنوان النأي بالنفس وفق صيغة ترضي حزب الله، فإن السؤال عن صيغة البيان الذي أعلنته الحكومة لم ينفك يطرح خلال الأيام الماضية، ليظهر أمس أنه لم يقدم جديداً، لكنه كان حاجة لإعادة تصويب هذه التسوية التي خرج منها الجميع رابحاً. فقد شكّل البيان ورقة قوية للحريري يمكن إشهارها أمام الدول العربية للاستمرار في موقعه، من دون أن يترك لها فرصة تسجيل مأخذ عليه. وكان هذا المخرج أفضل الممكن لجميع الأطراف، بشكل يتيح إعادة إطلاق العمل الحكومي في المرحلة الراهنة، والتحضير للانتخابات النيابية في وقت لاحق، وفقاً لما أفرزته محنة الحريري وتأثيرها على علاقته بالحلفاء وبعض الشخصيات في التيار. البيان، في سياقه السياسي، لم يخرج عن الإطار المعمول به منذ ما قبل 4 تشرين الثاني، حيث لا غالب ولا مغلوب، لكنه أعطى لرئيس الحكومة قراراً صادراً عن مجلس الوزراء يؤكّد الالتزام بالنأي بالنفس، وهو الأمر الذي أيده حزب الله.
وكان الحريري قد دعا إلى الجلسة في وقت متأخر مساء أول من أمس، ولم يكُن الوزراء قد اطلعوا بعد على البيان. مع ذلك، لم يتخلل الجلسة نقاش جدي، وخصوصاً أنه كان قد أشبع نقاشاً بين القوى السياسية، متفقاً عليه نتيجة المشاورات التي لم تتوقف بين بعبدا وعين التينة وحارة حريك وبيت الوسط وكليمنصو. وحدها معراب كانت آخر المطلعين على البيان الذي وصلها عشية الجلسة، وكانت تنوي دراسته في اليوم التالي، قبل أن تفاجأ بتحديد موعد للجلسة. مع ذلك، لم يبد وزراؤها أي اعتراض. وبرّرت مصادرها الأمر بأن «البيان كافٍ بالنسبة إليها لأنه عالج أسباب استقالة الحريري، وأعاد التأكيد على مبدأ النأي بالنفس».
وشدد البيان الذي تلاه الحريري على «ضرورة ابتعاد ​لبنان​ عن الصراعات الخارجية»، والتمسك باحترام ميثاق ​الجامعة العربية​ مع اعتماد ​سياسة​ خارجية مستقلة تقوم على مصلحة لبنان العليا. وأكد أن «الحكومة ستواصل تعزيز العلاقات والتأكيد على الشراكة مع ​الاتحاد الأوروبي والدول العربية​ وتؤكد احترامها المواثيق والقرارات الدولية والتزامها قرار ​مجلس الأمن الدولي​ 1701 واستمرار دعم قوات اليونيفيل»، معلناً «التزام ​الحكومة اللبنانية​ النأي بنفسها عن أي نزاعات أو صراعات أو حروب وعن الشؤون الداخلية للدول العربية حفاظاً على علاقات لبنان السياسية مع أشقائها العرب».
وبحسب مصادر وزارية، أعاد الرئيس عون التأكيد على أن «الأولوية كانت عودة الرئيس الحريري إلى البلاد، وأن موقف لبنان من الأزمة كان بالدرجة الأولى رفضاً لأي مس بسيادة هذا البلد وكرامته». وعرض في مداخلة وزع نصها مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية «المراحل التي تلت إعلان الحريري الاستقالة من الخارج والتحرك الذي قام به لمعالجة هذا الموقف من خلال الاتصالات التي أجراها داخل لبنان مع القيادات السياسية والروحية والمالية، وعدد من قادة دول العالم»، لافتاً إلى «أن التركيز كان على عودة رئيس الحكومة إلى لبنان والبحث معه في الظروف التي رافقت إعلان الاستقالة». واستعاد «ردود الفعل الدولية المؤيدة لمواقف لبنان، ولا سيما من الدول التي أظهرت تعاطفاً مع المستجدات وتأييداً لضرورة عودة رئيس الحكومة إلى بلده». فيما شدد الحريري على «ضرورة أن يتحمّل الجميع المسؤولية، لعدم الانزلاق إلى مشاريع تهدف إلى جرّ البلد إلى الفوضى». وقال: «من جهتي، لن أضحي باستقرار البلد مهما كانت الظروف. سلامة لبنان وحمايته من الحرائق الأمنية والمذهبية فوق كل اعتبار».
وأضافت المصادر أن الحكومة تعوّل كثيراً على اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان الذي تستضيفه باريس يومي الجمعة والسبت وسيحضره الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الحريري، لأنه «سيشكل مناسبة إضافية للتأكيد على استقرار البلد الاقتصادي والسياسي والأمني»، وخصوصاً «أننا بعد الانتهاء من الأزمة، وفي ظل تأكد الرئيس الفرنسي من وجود خطوط حمر تمنع المملكة العربية السعودية من هز الاستقرار السياسي والأمني، سيسعى ماكرون إلى خلق مظلة اقتصادية للبلد، بتفويض غربي وأميركي تحديداً، بعد تصريح وزير خارجية المملكة عادل الجبير ضد المصارف اللبنانية». وهدف هذه المظلة «تحصين الوضع الاقتصادي بشكل يعزّز موقع الحريري في مواجهة خصومه وخصوم الغرب في البلد، ولا سيما حزب الله». وفيما تعوّل بعض الجهات على أن هذا الاجتماع «سيكون مقدمة لحصول لبنان على مساعدات طائلة وقروض كبيرة، وصل بعض المتفائلين إلى تقديرها بما يقارب الـ 15 مليار دولار»، إلا أن هذا الأمر «يبدو مستحيلاً ربطاً بالظروف الاقتصادية للدول المانحة. غير أن أهمية الاجتماع في أنه رسالة واضحة تؤكّد وجود مظلّة دولية تحمي لبنان».