حتى الآن، لم يجترح أي طرف حلّاً لأزمة مرسوم الأقدمية لدورة 1994 الذي فجّر الخلاف بين الرئيسين ميشال عون ونبيه برّي. الأزمة إلى تفاقم، وكلّ متمسّك بموقفه، فيما تقول مصادر وزارية معنيّة إن الحلّ الآن ينحصر إمّا بإعادة النظر بالمرسوم لعدم دستوريته أو إعادة النظر باتفاق الطائف
بعد أسبوعين على أزمة مرسوم الأقدمية التي منحها الرئيسان ميشال عون وسعد الحريري لضبّاط دورة 1994 من دون توقيع وزير المال علي حسن خليل، لا تزال الأزمة ترخي بظلالها على النقاش السياسي في البلاد مع ازدياد مؤشّرات تعقيدها.
وفي استمرار لسياسة التصعيد والردود المباشرة على برّي، أكّد رئيس الجمهورية أمام وفد قيادة الجيش أمس «سنواصل إنصاف المستحقين، وقرارنا بمنح ترقيات كان للتعويض ولو جزئياً عن خلل حصل»، مضيفاً أنه «لن تكون هناك مخالفات ولن تهدر حقوق أحد، والمقصود من النقاش الدائر حالياً لا يتعلق بحقوق العسكريين، وإنما بصراع سياسي على مواضيع أخرى». غير أن كلام عون اتخذ منحىً آخر، حين نقل عنه في الصالونات السياسيّة إشارته خلال لقاء قيادة الجيش إلى أن موقف برّي لا يتعلّق بالدستور، وإنّما بـ«أمور أخرى للمقايضة… وقريباً نعرف ما يريدونه».
إيحاء عون بأن اعتراض برّي هدفه المقايضة، لم يساهم في تخفيف التوتّر على خطّ بعبدا ـــ عين التينة، وإنّما رفعه، مع إصرار برّي والنائب وليد جنبلاط على موقفهما لناحية رفض تجاوز توقيع وزير المال، أوّلاً من ناحية الشكل، قبل البحث في الخلفية السياسية لأصل المرسوم والاستهداف منه في هذه الفترة.
برّي الذي رفض أمام زوّاره أمس التعقيب على كلام عون أو الردّ، مكتفياً بالتأكيد على ما قاله خلال الأيام الماضية، كرّر الموقف الذي أطلقه بأن «هناك دستوراً فليطبق، وما من أزمة إلا ولها حل» وأن «المهم أن يربح البلد ونحفظه ونحفظ وحدته».
وازدادت الأزمة تعقيداً بعد توقيع وزير المال علي حسن خليل الترقيات للأجهزة الأمنية، واستثناء توقيع مرسوم ترقية العقداء إلى رتبة عميد والمقدمين إلى رتبة عقيد. وحول ما يحكى عن أن قرار خليل يظلم ضبّاطاً آخرين ويؤخّر ترقياتهم في ظلّ الاعتراض على أقدمية دورة 1994 وورود أسماء من الضبّاط المستفيدين منها على جدول الترقيات الجديد، أكّدت مصادر واسعة الاطلاع في عين التينة لـ«الأخبار» أن «إجراء خليل ليس موجّهاً ضدّ الجيش، بل يحمي موقف المؤسسة ووحدتها ويمنع التمييز فيها». وأصرّت المصادر على التأكيد أن «موقف الرئيس برّي يحفظ الجيش ويحصّنه ولا يمكن لأحد أن يزرع شرخاً بيننا وبين هذه المؤسسة التي لطالما وقفنا إلى جانبها وحميناها لأنها صمام الأمان للبلاد، ونحن على اتصال دائم بقيادة الجيش».
وردّاً على سؤال «الأخبار» عمّا إذا كانت تجزئة مرسوم الترقيات وإجابة وزارة الدفاع عن التوضيحات التي طلبها وزير المال ستدفع خليل إلى التوقيع على جزء من ترقيات المقدمين والعقداء، أكّدت المصادر أن «وزير المال ينتظر ردّ وزارة الدفاع». وفي الوقت نفسه، استغربت المصادر وضع أسماء ضباط من المستفيدين من مرسوم الأقدمية على جدول الترقية، طالما أن المرسوم لم ينشر ولم يصبح نافذاً.
وحتى الآن، لم تفلح الوساطات بالوصول إلى حلول للأزمة، في ظلّ تمسّك كل طرف بموقفه، وما يعني هذا الأمر من انعكاس التوتّر على الحكومة وعلى التحالفات الانتخابية المقبلة. وفيما لم تنتج وساطة اللواء عبّاس إبراهيم حتى الآن أي تقدّم، يجري الحديث عن مبادرة جديدة من حزب الله بعيدة عن الإعلام، من دون أن يؤكّد أي طرف لـ«الأخبار» تدخل حزب الله لإيجاد مخارج للأزمة الحالية.
وحول الحلول المحتملة، أكّدت مصادر وزارية معنيّة أن «الأزمة مرشّحة للتصاعد، وأن لا حلول ترضي الطرفين في الأفق». وقالت إنه بالنسبة إلى بري، فإن «الحلّ يكون بإعادة النظر بالمرسوم كونه غير دستوري ولا يحمل توقيع وزيري المال والداخلية وهما صاحبا اختصاص، وإلّا لنعد النظر بالطائف بأكمله، لأن من يصرّ على هكذا مرسوم غير دستوري، فإنه يصرّ على الطعن بالطائف».
من جهته، وبعد صمت طوال الأسبوعين الماضيين، قال الرئيس سعد الحريري أمس إن «الخلاف بشأن مرسوم الأقدمية لضباط دورة 1994 يجب أن يوضع في مكانه الصحيح، فهو شأن صغير في بلد يعاني مشاكل عدة»، لافتاً إلى أن «هناك وجهات نظر قانونية ودستورية بشأن هذا المرسوم، وهناك حلول في المقابل شرط أن يتم وضع المشكلة في إطارها الصحيح، وعدم تضخيمها أكثر مما هي عليه». وأضاف «لا نريد تصغير المشكلة ونعتبرها غير موجودة، فالإشكال موجود، والمسؤولية تقتضي أن نعمل جميعاً على حله بِما يتوافق مع الأصول».
(الأخبار)