Site icon IMLebanon

النفايات «تطيح» التوافق الوزاري

بسام القنطار

ذهبت جلسة مجلس الوزراء الى ما هو متوقع. فشلت حكومة الرئيس تمام سلام في إقرار مسودة تعديلات على قرار خطة النفايات المنزلية الصلبة التي احتدم النقاش حولها خلال الاسبوعين الماضيين، وهي من أبرز القضايا التي تعهدت الحكومة بحلها في بيانها الوزاري وشكلت لها لجنة وزارية برئاسة سلام ناقشت، على امتداد الاشهر السبعة الماضية، مروحة من الخيارات أعدتها وزارة البيئة.

وفي حين بدأت تلوح في الاجواء ملامح أزمة عميقة تهدد مبدأ التوافق الحكومي، لمح الوزير محمد المشنوق الى إمكان انعقاد جلسة لمجلس الوزراء خلال الـ48 ساعة المقبلة والتصويت على الخطة بمن حضر، ومن دون حق النقض لأي جهة، «لأن هذا الموضوع تقني وليس ميثاقياً». وفي حال حصل هذا السيناريو، يكون ملف النفايات المنزلية الصلبة قد أطاح، للمرة الاولى، مبدأ التوافق الوزاري الذي تم العمل به في كل الجلسات التي عقدت بعد شغور موقع رئاسة الجمهورية في أيار من العام الماضي. وقال مصدر قيادي كتائبي لـ»الأخبار» إنه في حال أقدم الرئيس سلام على هذه الخطوة، فإن الحزب سيعلن مقاطعته الكاملة لجلسات مجلس الوزراء وستدخل البلاد في أزمة سياسية.

وفي إشارة واضحة الى أن فشل مجلس الوزراء يعني غرق بيروت وجبل لبنان بالنفايات، أكد وزير الصحة وائل أبو فاعور بعد انتهاء الجلسة أن وزراء الحزب التقدمي الاشتراكي أصرّوا على إقفال مطمر الناعمة في موعده وعدم التمديد، وقال: «لا أفق للحل… ذاهبون الى أزمة كبرى». ومن جهته، قال وزير الصناعة حسين الحاج حسن: «طافت النفايات اعتباراً من الغد». أما وزير التربية الياس بو صعب فأكد أن أي تأخير في إقرار الخطة هو إطالة لعمر «سوكلين». وبدوره انتقد وزير الزراعة أكرم شهيب بشدة، لدى مغادرته الجلسة، ما سمّاه «حق الفيتو» في مجلس الوزراء، مؤكداً أن البلاد متجهة الى أزمة مفتوحة في هذا الموضوع.

رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط أكد لـ»الأخبار» أن «المزايدات السياسية والحسابات الطائفية والمناطقية لا بد أن تتوقف داخل مجلس الوزراء، وأنا أعطيت توجيهاتي لوزراء الحزب بأن الخط العريض لخطة النفايات يجب أن ينطلق من لامركزية الحل والباقي تفاصيل». وأضاف: «ستقفل الطريق أمام مطمر الناعمة (عين درافيل) في 17 كانون الثاني، والهدف هو انتزاع قرار بالاستناد الى الخطة المطروحة.

جنبلاط لـ«الأخبار»: ستقفل طريق المطمر في 17 كانون الثاني لكن ليس الى ما لا نهاية

لكن في النهاية لن نستطيع إغلاق الطريق الى ما لا نهاية، لأننا بذلك نكون عم نطم حالنا بالزبالة». وبذلك، يكون جنبلاط قد أعطى إشارة واضحة الى أنه على استعداد للقبول بتمديد تقني للمطمر ولكن شرط إقرار الخطة، وان حساسية الملف وخطورته تستدعيان تقديم تنازلات. لكن العقبة الاساسية ستكون في إقناع أهالي القرى المحيطة بالمطمر بهذا الخيار. ومساءً، وزعت وكالة داخلية الغرب في «الاشتراكي» بياناً جددت فيه موقفها من إغلاق مطمر عين درافيل إغلاقاً نهائياً لا رجوع عنه في 17/1/2015 .

ورفض جنبلاط المنطق الذي يقول إن نفايات بيروت لا يمكن طمرها إلا في جبل لبنان، كاشفاً أن الحكومة تلقّت اقتراحاً بإنشاء مطمر لعوادم النفايات في العقار المجاور لمطار بيروت الدولي يخصص لنفايات جزء من بيروت والضاحية الجنوبية، كما تلقّت عرضاً لإعادة تأهيل مكب برج حمود وإنشاء مطمر للنفايات في الكرنتينا يستوعب نفايات جزء من بيروت والضاحية الشمالية. لكن للأسف رفضت هذه الاقتراحات بنفس منطق المزايدة المناطقية والطائفية، وفي تكرار لنفس سيناريو المزايدات الطائفية في ما يتعلق بمسلخ بيروت». وأضاف: «لا أفهم لماذا ليست هناك حماسة لمعالجة مكب برج حمود عبر ردم البحر والاستفادة من العقار، رغم أن أسعار العقارات في منطقة المتن الشمالي هي الاعلى، وهناك تجربة ناجحة حصلت في مكب النورماندي، واليوم تتكرر التجربة الناجحة في التخلص من النفايات في مكب صيدا».

وعن المعلومات التي تشير الى إنشائه شركة مع رجل الاعمال رياض الاسعد، قال جنبلاط: «سأكون صريحاً. تلقيت عرضين، الاول من ميسرة سكرة (صاحب مجموعة افيردا) ومن رياض الاسعد (صاحب شركة الجنوب للإعمار)، والاقتراحان يقضيان بتركيب منشأة لمعالجة النفايات وإنتاج الوقود البديل لمصلحة شركة الاسمنت في سبلين. درسنا الامر وتبين أن هذا الموضوع مكلف وملوّث، لذلك كان ردّي لهما: مش واردة، ويكفيني التلوّث من خط إنتاج الاسمنت الثاني في سبلين». وقال: «حسناً فعلت الحكومة أنها صرفت النظر في هذه المرحلة عن موضوع إنشاء محارق، لأن هذا الخيار مكلف وهناك معضلة تتمثل في طمر رماد المحارق ومنها الرماد المتطاير السام». وختم: «في النهاية سنحتاج الى موقع في قضاء الشوف لإنشاء مطمر للنفايات، وهذا الموقع سنتشاور في شأنه مع البلديات، ولكن عندما تقرّ الخطة ويتم التأكد من أن المنطقة لن تتحمل من جديد نفايات كل لبنان».

مصدر وزاري أكد لـ»الأخبار» أن الطريقة التي ناقش بها وزراء حزب الكتائب التعديلات المقترحة أثارت استياء كل المكونات السياسية في الحكومة، أقلّه من حيث الشكل، إذ إن كل نقطة كانت تستدعي خروج الوزيرين آلان حكيم وسجعان قزي لإجراء اتصالات هاتفية تمتد لأكثر من ربع ساعة، وكان قزي يعود بأجواء إيجابية في حين يعود حكيم بأجواء مغايرة. وأضاف: «رغم التباين الواضح في أكثر من نقطة، كنا قد توصلنا الى شبه اتفاق على التعديلات المقترحة، لكن الرئيس سلام قرر رفع الجلسة، وكان واضحاً جداً أنه ممتعض من أداء وزراء الكتائب الذين أضاعوا علينا يوماً كاملاً من النقاش العقيم».

بدوره، أكد وزير البيئة لـ»الأخبار» أنه اختار التفاوض مع حزب الكتائب طيلة يوم الاربعاء الماضي بناءً على اقتناعه بضرورة التوصل الى اتفاق حول الملف. وأضاف: «بعد جلسة طويلة في مقر الحزب في الصيفي ولاحقاً في مكتبي في الوزارة، أعلنت استعدادي لنقل وجهة نظرهم من التعديلات المقترحة الى مجلس الوزراء، لكنها تبقى في النهاية وجهة نظر طرف سياسي، وهناك أطراف أخرى لديها وجهات نظر مختلفة. وتقرر في جلسة اليوم (أمس) أن تتم صياغة مروحة تعديلات على قرار مجلس الوزراء رقم 46 الذي اتخذ في 30 تشرين الاول بناءً على ورقتين أساسيتين، الاولى تضم التعديلات التي اقترحتها وزارة البيئة إضافة الى اقتراحات من أكثر من وزير تم ضمّها الى تعديلات وزارة البيئة، والثانية تضم التعديلات التي طرحها الكتائب. وتابع المشنوق: «كنا قد توصلنا الى إقرار عدد من النقاط، بينها تعديل المناطق الخدماتية لتصبح ستاً بعد أن تم سلخ بيروت عن المتن وكسروان لتصبح منطقة خدماتية مستقلة، وأضيفت اليها ضاحيتا بيروت الشمالية والجنوبية، وأضيف قضاء جبيل الى المتن وكسروان ضمن منطقة خدماتية واحدة، لأنه لا يجوز أن يترك قضاء جبيل خارج الخطة الوطنية».

وكشفت معلومات وزارية لـ»الأخبار» أن الوزير نهاد المشنوق كان يتولى النقاش في الجلسة بالنيابة عن وزراء المستقبل، وهو عارض في البداية ضم الضاحية الجنوبية لبيروت، لكنه لاحقاً وافق على الاقتراح.

ورأى وزير البيئة أن النقطة التي فجّرت النقاش تتعلق باختيار مواقع المعالجة والطمر. فمن جهة تصرّ وزارة البيئة على أن هذا الامر يجب أن يترك للمتعهدين، لكن بناءً على مخطط توجيهي يحدد مروحة واسعة من الخيارات ضمن المعايير البيئية والجيولوجية، خصوصاً المواقع التي يوجد فيها مقالع وكسارات مهجورة، ولاحقاً تم التوصل الى نص تسوية بأن يعطى المتعهد فترة شهر لإيجاد موقع، وفي حال فشل تتدخل الحكومة. وأضاف: «وافق الوزير قزي على هذا الاقتراح، لكن الوزير حكيم عاد الى الجلسة بعد اتصال طويل ليقول إن حزب الكتائب يصرّ على أن تحدد المواقع من قبل مجلس الوزراء، وإنه لن يصوّت على القرار إذا لم يتضمن نصاً واضحاً حول هذه النقطة»، وهنا امتعض قزي وغادر الجلسة قائلاً: «أدّيت قسطي للنفايات» قبل أن يعود لاحقاً. ورأى المشنوق أن هذه الطريقة في التعاطي «خلقت أجواءً من الاحتجاج عند مختلف الفرقاء، وعبّرت أنا والوزيران أبو فاعور و(محمد) فنيش عن ذلك. وفي الخلاصة، ملف النفايات ليس ملفاً ميثاقياً بل ملف تقني، وهناك من يريد أن يفرض رأيه على مجلس الوزراء مجتمعاً، وهذا ما أدى الى رفع الجلسة بمبادرة من الرئيس سلام الذي أعلن بشكل واضح أن مجلس الوزراء لن ينعقد إلا في حال كان هناك بند واحد على جدول الاعمال، هو بند النفايات، ولن ينتقل الى مناقشة أي بند آخر قبل إقراره».

وعن موعد انعقاد جلسة لبتّ الموضوع، أكد المشنوق أن سلام لم يتخذ قراراً حتى اللحظة، لكنّ هناك سيناريوين مطروحين: إما أن يعلن حزب الكتائب موافقته على الخطة، أو الدعوة الى جلسة بمن حضر والتصويت على التعديلات المقترحة لأنها لا تمس بقضايا ميثاقية، ولا يمكن أن يتم تكريس حق الفيتو في موضوع تقني. والاتفاق في الاساس كان على ضرورة أن يكون هناك توافق في مجلس الوزراء على القضايا ذات الطابع الوطني والميثاقي».

ابرز نقاط خطة النفايات

1 ـ المناطق الخدماتية

النسخة الاخيرة من تقسيم المناطق الخدماتية التي تم التوافق بشأنها هي: بيروت الإدارية (مع الضاحيتين الشمالية والجنوبية). أقضية المتن (بدون الضاحية الشمالية) وكسروان وجبيل. أقضية عاليه والشوف وبعبدا (بدون الضاحية الجنوبية). محافظتا لبنان الشمالي وعكّار. محافظتا لبنان الجنوبي والنبطيّة. محافظتا البقاع وبعلبك – الهرمل.

2 ـ دفاتر الشروط

الموافقة على دفاتر شروط الكنس والجمع والنقل، والمعالجة والطمر التي سبق أن أعدّها مجلس الإنماء والإعمار معدّلة وفق التقسيم المناطقي الجديد أعلاه وما يترتّب عليه، على أن يكون ذلك دفعة واحدة، وأن يحق للعارض التقدم الى المناقصة في منطقة خدماتية واحدة.

3 ـ مواقع المعالجة والطمر

يحدد مجلس الانماء والاعمار بالتنسيق مع وزارة البيئة خصائص المواقع المقبولة بيئياً والمبادئ العامة لعمليتي المعالجة والطمر بالاستناد الى مخطط توجيهي يستند الى المواقع المقبولة من الناحيتين البيئية والجيولوجية، على أن تكون الأولوية لمواقع الكسارات والمقالع المهجورة لإعادة تأهيلها. ويحدد المتعهدون المشاركون في المناقصة المواقع والتقنيات المقترحة للمعالجة والطمر الصحي، على أن يلتزم المتعهدون بتأمين هذه المواقع خلال فترة شهر من الفوز بالمناقصة، وفي حال الفشل في تحديد هذه المواقع يعود القرار إلى مجلس الوزراء في تحديد هذه المواقع والشروع في تجهيزها.