الترشيحات الرسمية للأحزاب تتوالى، وآخرها القوات اللبنانية أمس. والمهلة تضيق أمام الجميع لحسم تحالفاته. لم يبق سوى 12 يوماً لتسجيل اللوائح في وزارة الداخلية، وعندها يقفل الملف الأكثر تعقيداً في الانتخابات، ليحل محله اللعب على المكشوف. صارت التحالفات في معظم الدوائر واضحة. يبقى التيار الوطني الحر الوحيد من القوى الكبرى الذي لم يعلن أسماء مرشحيه، فيما يتقاسم مع تيار المستقبل التأخير في إعلان التحالفات، بانتظار مفاوضات اللحظات الأخيرة قبل حسم الوجهة في دوائر محددة. في السياق نفسه، لا يزال التوتر في العلاقة بين العونيين والرئيس نبيه بري يساهم في عرقلة انضمام «التيار» إلى لوائح حركة أمل وحزب الله، في بعض الدوائر، ولا سيما في دوائر البقاع. لم يرفع بري الفيتو في وجه التحالف مع العونيين، لكن استمرار الهجوم الإعلامي من مسؤولي التيار على وزير المالية تحديداً، يؤكد أن العونيين مصرون على عدم التهدئة، أضف إلى أن عين التينة لم تستسغ فتح الرئيس ميشال عون لدورة استثنائية للمجلس قبل يومين من بداية الدورة العادية (اليوم)، ولهذا لم يتردد بري في اعتبار هذه الخطوة «لزوم ما لا يلزم»
فراس الشوفي
قبل أقلّ من أسبوعين على انتهاء مهلة إقفال اللوائح الانتخابية، يعود التوتّر بين حركة أمل والتيار الوطني الحرّ إلى الواجهة، على الرغم من «صلحة» بعبدا، ما ينعكس على التحالف الانتخابي بين الطرفين في أكثر من دائرة. ويمكن القول إنه بات من الصعب أن يقدّم الرئيس نبيه برّي تنازلات انتخابية للتيار الوطني الحرّ، خصوصاً في الدوائر التي يوجد فيها مرشّحون لحركة أمل، في ظلّ الحملات الإعلامية التي عادت لتطاول الحركة ورئيسها.
وهذا التوتّر يضع جهداً إضافيّاً على عاتق حزب الله، وسعيه إلى استيعاب رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل انتخابيّاً في ما لا يقلّ عن أربع دوائر، ويمثّل تحديّاً لقدرته على المواءمة بين طلبات باسيل، ومصلحة حلفاء حزب الله الانتخابية في 8 آذار وتمثيلهم، خصوصاً مع ارتفاع وتيرة الحملة الكلامية بين حركة أمل والوزير علي خليل من جهة، ووزراء التيار الوطني الحرّ من جهة أخرى.
حرص حزب الله، يربطه مرجع مطّلع على أجواء العلاقة بين باسيل ورئيس الحكومة سعد الحريري بعد عودة الأخير من السعودية، والصعوبات الانتخابية التي يواجهها باسيل مع الحريري في تشكيل اللوائح، بعد تعذّر التوافق الانتخابي الكامل للتيار الوطني الحر مع تيار المستقبل كما كان مرسوماً قبل زيارة السعودية. إذ إن المعلومات المتداولة عند قوى 8 آذار، تتمحور حول حاجة باسيل للتحالف مع قوى 8 آذار في الكثير من الدوائر. إلّا أنه بإصراره على احتكار المقاعد المسيحية في دوائر لا يملك فيها حاصلاً انتخابيّاً واحداً، يقطع الطريق على بعض مرشّحي قوى 8 آذار. ويُفسّر الأمر تناغماً مع الحريري في إقفال لوائح خصومه بمرشّحين من التيار الوطني الحرّ بدل قوى 8 آذار، في تعويض عن عدم رغبة الحريري في التحالف مع التيار الوطني الحر علناً في عدّة دوائر، وحده دون القوات، لعدم إزعاج السعوديين. وفي الوقت نفسه، يحاول باسيل تعويض ما لم يقبل به الحريري باحتكار مقاعد المسيحيين على لوائحه لمصلحة التيار الوطني، والعمل بدل ذلك للحصول عليه، على لوائح حزب الله.
غير أن الاشتباك الأكبر، يعود إلى التراشق الإعلامي اليومي بين وزراء التيار الوطني الحر وحركة أمل، ولا سيّما عودة التهجّم على خليل من زاوية الكهرباء. وعزّز الأمر توقيع رئيس الجمهورية ميشال عون مرسوم فتح عقد استثنائي لمجلس النواب بدأ الثلاثاء الماضي وينتهي صباح الاثنين المقبل، على الرغم من أن العقد العادي يمكن أن تنعقد أولى جلساته صباح الاثنين المقبل، في خطوة وصفها الرئيس نبيه بري بأنها «لزوم ما يلزم»، غامزاً من قناة ترويج التيار أن استكمال مشروع الموازنة هو إنجاز خاص به.
يسود الاستياء في عين التينة وعند قياديي حركة أمل، من «الاستهداف اليومي لخليل»، وهو ما يوضع في خانة خطابات شدّ العصب الانتخابية، وفي الوقت نفسه، المطالب التي يضعها التيار الوطني الحر لإنجاز التحالفات، وتفوق قدرة التيار الانتخابية في أكثر من دائرة.
منذ اللحظة الأولى التي طرحت فيها مسألة التحالف بين حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر في دائرة بعبدا، لم يبدِ برّي تحفّظاً، بل تلقّف الفكرة لما لدائرة بعبدا من حيثية ديموغرافية، في رغبة لتعزيز الصلحة التي حصلت في قصر بعبدا مع عون بحضور الحريري، والتخريجة التي طوت أزمة مرسوم الأقدمية. ومع أن بري كان يرغب في حصول حركة أمل على المقعد الشيعي في جبيل ــ كسروان، إلّا أنه أيضاً لم يعارض أن يكون المقعد من حصّة حزب الله، لتسهيل التحالف بين الحزب والتيار الوطني في تلك الدائرة وعدم إحراج التيار بمرشّح للحركة، بعد أن أمضى التيار أشهراً في تحريض جمهوره على أمل. إلّا أن الطريقة التي تعامل بها باسيل برفض مرشّح حزب الله على لوائحه، لذرائع لا تقاس بعمق التحالف السياسي بين الطرفين، عزّزت شكوك أمل، وأحرجت حزب الله أمام حلفائه، وهو الذي يجاهد لإقناعهم بتقديم التنازلات بغية تسهيل احتضان باسيل الانتخابي.
بري: «ما عندهم اثنين ليش بدنا نعطيهم؟ ما بتمشي معي هيدي»
في البقاع الغربي مثلاً، لا يزال التيار الوطني الحرّ يصرّ على الحصول على مقعدين (أرثوذوكسي وماروني) على لائحة الوزير السابق عبد الرحيم مراد والقيادي في أمل محمد نصر الله، في وقت لا تقتنع فيه ماكينة أمل الانتخابية بأن التيار يملك القدرة على تأمين أكثر من حاصل واحد على أفضل تقدير، وأن تضمين اللائحة مرشّحين للتيار الوطني الحر لا يضيف إلى اللائحة أصواتاً جديدة، لأن أصوات الوطني الحر هي هي. ويقول متابعون للمفاوضات في دائرة البقاع الغربي، إن باسيل يعتبر الوزير السابق إيلي الفرزلي من حصّة رئيس الجمهورية، فيما المرشّح الماروني شربل مارون من حصّته، وبالتالي يطالب بضمّ مارون إلى اللائحة، وأنه سيوعز إلى قواعد التيار الاقتراع بالصوت التفضيلي لمصلحة مارون بدل الفرزلي. وهذا الأمر يقطع الطريق على مرشّح ترى أمل أنه قد يرفد اللائحة بأصوات إضافية هو ناجي غانم ابن بلدة صغبين. وعلمت «الأخبار» أن بري كان حتى مساء أمس يصرّ على رفض ضم مرشَّحين إلى التيار، وقال أمام زوّاره: «ما عندهم اثنين ليش بدنا نعطيهم، ما بتمشي معي هيدي، يعملوها مع غيري». وهذا الأمر، يحرج مراد أيضاً، الذي يحرص على نيل رضى رئيس المجلس النيابي، لكنّه يريد أصوات التيار الوطني المسيحية، ويخشى في حال عدم إرضاء باسيل أن تصبّ الأصوات لمصلحة مرشّح التيار خارج لائحته ومشاركة الفرزلي له الأصوات التفضيلية من المسلمين، التي من المفترض أن ينالها.
أمّا في دائرة بيروت الثانية، فلا يزال برّي عند موقفه بالتمسّك بمرشّح الحزب السوري القومي الاجتماعي فارس سعد بدل مرشّح التيار الوطني الحرّ القسّ إدغار الطرابلسي، الذي طلب التيار الوطني الحرّ انضمامه إلى لائحة الأحزاب، بعد أن كان عقد اتفاقاً مع الحزب القومي بأن يمنح الأخير أصواته الـ 400 في الدائرة لمصلحة سعد، في مقابل منح القوميين رقماً مماثلاً للائحة التيار الوطني في بيروت الأولى. ويزيد الموقف تعقيداً اعتراض أعضاء المجلس الأعلى في الحزب على سحب سعد لمصلحة الطرابلسي، بعد أن كان قد صوّت سابقاً على ترشيحه في جلسة رسميّة، علماً بأن عون كان قد طلب الأمر من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ثم نقل نصر الله التمنّي إلى رئيس المجلس الأعلى في الحزب النائب أسعد حردان.
وزاد الطين بلّة أمس، الأنباء التي تتحدّث عن نيّة التيار الوطني الحر، الذي تعذّر حتى الآن دخوله على لائحة القوات ــ تيار المستقبل في بعلبك ــ الهرمل بعد تمسّك القوات بمرشّحين لها على اللائحة، تشكيل لائحة مع الرئيس حسين الحسيني في الدائرة، لمواجهة لائحة حزب الله ــ حركة أمل ــ الحزب القومي. علماً بأن باسيل كان قد أصرّ على حصوله على مرشّحين على اللائحة (كاثوليكي وماروني)، أي مكان الوزير السابق ألبير منصور، الأمر الذي رفضته لائحة الأحزاب، وبدل ذلك عرضت منح باسيل مرشّحاً مارونيّاً.
ومن البقاع الشمالي، إلى دائرة الجنوب الثالثة، حيث يعمل باسيل أيضاً على تشكيل لائحة إلى جانب تيار المستقبل، عبر مرشّح الأخير عماد الخطيب، واستمالة النائب طلال أرسلان الذي رشّح وسام شرّوف عن المقعد الدرزي، بغية تهديد مقعدي حردان والنائب قاسم هاشم.
وفي عكار، يتصرّف باسيل على ذات القاعدة، في محاولة فرض مرشّحَين على لائحة النائب السابق وجيه البعريني والحزب القومي وتيار المردة، أرثوذوكسي وماروني، أي مطالباً بأحد مقعدي مرشّح القومي إميل عبّود أو مرشّح تيار المردة كريم الراسي، بعد رفض الحريري منحه مقعدين على لائحته. وترى مصادر في 8 آذار أن باسيل يريد حل أزمة داخل التيار على حاب اللائحة، لكونه يسعى إلى ترشيح كل من أسعد ضرغام (أرثوذوكسي) وجيمي جبّور (ماروني). وفي حال استقرار الأمر على مرشح واحد، فإن غضب جزء من الجهوري سيُبعده عن التيار، ولو مؤقتاً.
وتقول مصادر معنيّة بالمفاوضات، إن «الأزمة الآن هي انتظار باسيل الذي لا يريد إعطاء أجوبة حاسمة قبل 24 من الشهر الحالي، وما إذا كان سيبقى على إصراره الذي يصعّب التحالف، أو سيتصرّف بناءً على المعطيات الانتخابية. الوقت يمرّ، وهناك عدد من المرشّحين غير الحزبيين الذين من المفترض أن ينطلقوا للبدء بحملاتهم الانتخابية بدل الانتظار حتى آخر آذار لبدء العمل».
باسيل: سنحرّر الدولة من الميليشيات
رأى الوزير جبران باسيل أن المعركة اليوم هي معركة تحرير مؤسسات الدولة من الميليشيات المدنية، مشيراً إلى أنه «لن نتوقّف حتى نحرّر المواطن من الإذلال والتبعيّة ونحرّر المؤسسات من الفساد والميليشيات». ودعا، في احتفال للتيار الوطني الحر في ذكرى 14 آذار، إلى عدم الانخداع بمن ركبوا موجة التحرير ويريدون ركوب موجة التغيير.
وقال باسيل إن جوهر التفاهم مع حزب الله كان حماية لبنان وقوته، مشيراً إلى أنه بعد سقوط مفهوم «قوة لبنان في ضعفه» في عام 89 حلّت فكرة «لبنان القوي» التي أسّست لمشروع الدولة القوية وركيزتها الجيش اللبناني، والتي تشكّل جوهر تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي في عام 2000، ومن الوصاية السورية في عام 2005، وكسر إسرائيل في حرب تموز 2006 وطرد الإرهاب في آب 2017.
وأكد باسيل أن «التيار» لن يأخذ من الدولة يوماً مشاريع أو تنفيعات، بل سيعطيها من نضالاته وطاقاته لتكون إدارتها أكفأ وأقدر وماليّتها أمتن وأنظف. ورأى أن كل مال سياسي، وخاصة المستورد، هو إضعاف للدولة أمام سياسييها، فيما الدولة القويّة بحاجة إلى رجالات دولة يؤمّنون لها المداخيل العالية من ثرواتهم.