تشييع شهيد الجيش علي حمادة الخراط في صيدا أول من أمس، بعد استشهاده مع زميله الجندي محمد ضاهر في تفجير في عرسال يوم الجمعة الماضي (الأخبار)
لم توحِ «سلطة التفاهة» اللبنانية لمحتلي عرسال وجرودها سوى بالضعف. ضعف يتراكم مع عدم الرد على الجرائم المتتالية التي يرتكبها إرهابيو المعارضة السورية في الأراضي اللبنانية المحتلة. وإزاء ذلك، شعر المحتلون بتعاظم قوتهم، ما يتيح لهم تحدي الدولة: يحتجزون المخطوفين في منزل أقرب إلى عرسال من جرودها، ويهددون بتفيذ عمليات جديدة ضد الجيش، وصولاً إلى التهديد بمعاودة الاحتلال العلني للبلدة
لم يعد ينقص مشهد احتلال عرسال وجرودها من قبل إرهابيي «جبهة النصرة» و«داعش»، إلا خروج الحكومة ببيان يسلّم لأمراء المحتلين بسلطتهم المطلقة على الأراضي التي يحتلونها. صحيح ان المسلحين يعبرون عن انزعاجهم من انتشار الجيش اللبناني وقطعه المسالك الرئيسية التي تربط البلدة البقاعية بجرودها، إلا انهم لا يزالون يتمتعون بحرية الحركة التي تتيح لهم القيام بما يريدونه.
والاخطر أن صمت السلطة عن جرائمهم، وآخرها قتلهم الجندي محمد حمية (بعد خطفهم وصلبهم المواطن اللبناني كايد غدادة والسوري محمد عبده عجاج)، بعث برسالة ضعف واضحة إلى الإرهابيين، وجعلهم أكثر جرأة على التهديد بما هو أخطر: احتلال عرسال. فما تُجمع عليه القوى الساسية ان الجيش لن ينفذ عملية عسكرية تهدف إلى تحرير المخطوفين. ولما اطمأن الخاطفون إلى ذلك، عادوا يتحركون بوقاحة. فعلى سبيل المثال، استمروا بنقل جرحاهم إلى مشفى الرحمة في عرسال، بوتيرة شبه يومية. وأكثر من ذلك، تكشف المعلومات أن «جبهة النصرة» لا تحتجز العسكريين المخطوفين في مغاور في الجرود، بل في منزل من طبقتين يقع على أطراف بلدة عرسال بالقرب من المخيم المعروف بـ«مخيم النَوَر». وذكرت المعلومات أن المنزل نفسه استُخدم سابقاً لاحتجاز صحافيين غربيين خطفوا في سوريا وأُطلقوا مقابل مبالغ مالية. وحينذاك لعب نائب رئيس بلدية عرسال أحمد الفليطي والشيخ مصطفى الحجيري دوراً بارزاً في إيصال الفدية إلى الخاطفين وتسلما المخطوفين ونقلاهم إلى عهدة فرع المعلومات.
وتكشف مصادر في المعارضة السورية لـ «الأخبار» أن «النصرة» عاودت التهديد باقتحام عرسال مرة جديدة في حال لم يُستجب لمطالبها. وتلفت المصادر إلى أنها لن تكتفي بالضغط عبر قتل جنود الجيش فحسب، لكون قيادة «النصرة» باتت ترى أن الوضع الميداني يجري لمصلحتها.
تشير المعلومات إلى أن «النصرة» تحتجز المخطوفين في منزل احتُجِز فيه صحافيون غربيون سابقاً
واقفت وزارة الخارجية الأميركية على بيع 18 مروحية «غير فتاكة» للجيش اللبناني بـ180 مليون دولار
وتشير المصادر نفسها إلى أن أمير «النصرة» في القلمون «أبو مالك التلّي» رفض وساطة مشايخ لبنانيين طلبوا إليه التراجع عن قتل العسكري محمد حمية، كما رفض الطروحات التي عرضوها للتدخّل في المفاوضات لاعتباره أن «أفق أي تفاوض مُقفل مع الحكومة اللبنانية بسبب ضغط حزب الله». ورغم أن مسلحي جرود عرسال فقدوا حرية الحركة بين الجرود والبلدة، إلا أنهم يصعّدون من نبرة التهديد. فطوال اليومين الماضيين، كانوا يقولون للذين يتواصلون معهم إنهم يعدون العدة لتنفيذ عمليات ضد الجيش اللبناني، سواء في محيط عرسال أو في مناطق لبنانية بعيدة عن خطوط التماس البقاعية.
وتأتي العبوة الناسفة التي استهدف معسكراً تابعاً لحزب الله في بلدة الخريبة البقاعية في سياق الحرب التي تُعلنها «النصرة» ضد لبنان. وقد تبنّت النصرة العملية التي أدّت إلى سقوط عدد من الجرحى نتيجة انفجار العبوة الناسفة التي زُرعت إلى جانب الطريق، وأعلنت أنها سُتصدر تسجيلاً مصوّراً للحظات الأولى للتفجير.
على خط مواز، ذكرت مصادر مقربة من «داعش» في القلمون أنّ «التنظيم سيخرج في الساعات المقبلة ببيان يهدد بذبح عسكري جديد، إن لم يكن عناصره قد ذبحوا أحداً بعد، لمراكمة الضغوط على الحكومة والشارع اللبناني على حدّ سواء». أما ما تردد عن قتل «النصرة» العسكري المخطوف علي البزال الذي ظهر في التسجيل المصوّر مع الشهيد محمد حمية، فقد نفت مصادر «النصرة» ذلك، مشيرة إلى أن «الأمر في يد أبو مالك الذي يبدو أنه استمهل في ذلك مانحاً فرصة جديدة للحكومة اللبنانية»!
وفي السياق ذاته، برز خلال اليومين الماضيين هجوم «تيار المستقبل» على حزب الله، واتهامه بتحريض أهالي العسكريين المخطوفين. وفيما كان الحزب يسعى ميدانياً، ومن خلال اتصالات، إلى تطويق ردود فعل عائلة الشهيد محمد حمية على جريمة قتله، خرج إعلام تيار المستقبل وبعض مسؤوليه ليتهم الحزب بالتحريض على الثأر. كذلك لفت تصريح أهالي العسكريين المخطوفين المعتصمين في ساحة الشهداء وهجومهم على الحزب واتهامهم له بعرقلة المفاوضات. وقال أحد المتحدثين باسمهم إن «القرار بالحسم العسكري الذي نجح حزب الله في جرّ الحكومة اليه يشكل أكبر تهديد على أرواح عسكريينا المحتجزين»!
من جهة أخرى، نفت مصادر معنية بالمفاوضات أن يكون رجل الاعمال السوري جورج حسواني معنياً بملف المفاوضات أو أنه يتواصل مع الدولة القطرية ومع الخاطفين.
18 مروحية «غير فتاكة» للجيش
في سياق آخر، أعلنت وكالة تعاون الأمن الدفاعي في وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) عن مصادقة وزارة الخارجية الأميركية على صفقة بيع 18 طائرة مروحية من طراز huey ll الى لبنان بقيمة 180 مليون دولار. وفيما بيّنت الوكالة أن الصفقة لا تضر الولايات المتحدة، إذ إنها لا تغيّر الميزان العسكري في المنطقة، في إشارة الى إسرائيل، بل تخدم المصالح الاميركية الوطنية والامنية والاقتصادية، أكدت أن المروحيات تسمح للبنان بمواجهة التحديات والمحافظة على الأمن الداخلي والتهديدات على الحدود، إضافة الى فرض تطبيق قراري مجلس الامن الدولي، 1559 و1701، ومواجهة خطر الارهاب.
وأشار بيان الوكالة الى أن الصفقة تأتي استجابة لطلب من الحكومة اللبنانية، وتشتمل على قطع غيار وتدريب وخدمات لوجستية، وهي تمكّن لبنان من مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية، وتنفيذ عمليات إخلاء وإنفاذ وعمليات إحباط تجارة المخدرات، كما تساعد في استبدال الأسطول القديم من مروحيات UH-1H، لافتاً الى أن الجيش اللبناني قادر على استيعاب هذه المروحيات من دون أدنى صعوبة تذكر. وأضاف البيان أنه تم إطلاع الكونغرس على الصفقة، في 17 أيلول الحالي. ولا يتوقع أن يعارض الكونغرس الصفقة، إذ إن هذه المروحيات تستخدم للدعم اللوجستي ولا تعتبر من الوسائل القتالية «الفتاكة»، إذ لا تحمل أسلحة بالمعنى الحرفي للكلمة.