Site icon IMLebanon

رب ضارة نافعة

تباينت مواقف اللبنانيين حول عاصفة الحزم لكن الانطباع العام صنف لبنان في خانة التحالف العربي الداعم للعاصفة، وحتى على المستوى الرسمي، بالرغم من تحفظات حزب الله، الملزم بالتضامن مع الحليف الحوثي.

ومع ذلك، مرت عاصفة الحزم في أجواء لبنان بسلام، رغم بعض الخطابات والردود عليها، والتي خرجت في بعض الأحيان، عن المألوف اللبناني، في علاقاته الودودة بمحيطه العربي، والخليجي خصوصاً.

بانطلاق عملية اعادة الأمل الى اليمن من الرياض، نشطت المساعي المحلية في بيروت لضبط ايقاع ردود الفعل، حتى لا نذهب الى الحج والناس راجعة.

لكن يبدو أن الهدنة المطلوبة لا تسري على محور تيار المستقبل – حزب الله، حيث تتواصل الحملات الاعلامية بمرافقة الجلسات الحوارية، بيد أن الحزب الذي لم يلزم أمينه العام وحتى الحلفاء بموقفه من حرب اليمن، بدا أكثر حساسية حيال مواقف وتصريحات رئيس اللقاء النيابي الديمقراطي النائب وليد جنبلاط.

ومن هنا كانت اتصالات الأصدقاء المشتركين مع زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي، كي يقفل حنفيته في هذه المرحلة، وأن يكتفي بما كان قاله عن طموحات ايران الفارسية خلال عاصفة الحزم، من دون المزيد من التحليلات والتقييمات الجارحة لمن راهنوا على الأوهام، ولم يتعظوا من تجارب الجنوب وغزة والعراق، وسوريا على الطريق…

ويظهر أن الحزب بدأ يخشى من ذهاب جنبلاط بعيداً، عن تفاهمات ما بعد أحداث أيار ٢٠٠٨، والتي لحظت احتفاظ كل من الطرفين بمواقفه السياسية، مع مراعاة عدم انضمام جنبلاط الى تحالفات داخلية ضد الحزب، اضافة الى اطلاق الحرية لكليهما في التعامل مع الملف السوري، بدليل مناغشة جنبلاط لجبهة النصرة، فيما هي تخوض حرباً ضروساً ضد الحزب على الأراضي السورية.

لكن بعض العبارات الواردة في تصريحات جنبلاط استوقفت قيادة الحزب، كحديثه عن الخطابات الرعناء أو قوله للسيد نصرالله شو صاير عليك، قاصداً قول ما قاله ضد العربية السعودية، وهو ما اعتبره جنبلاط، اعتراضاً من حقه أن يبديه…

واللافت أن المهادنة المطلوبة لبنانياً، تسري على القيادات من دون المعاونين، وما لا يقوله رئيس الحزب أو الكتلة، يقوله عضو في كتلته أو حزبه، بما يشبه عملية ربط نزاع…

سعاة الخير يأملون أن تتصرف القيادات اللبنانية، بعد عاصفة الحزم، ليس كما خلالها، وأن تأخذ باعتبارها واقع حالها، كقوى محلية، لا دور لها على المسرح الدولي أو الاقليمي، الا بما يرسمه لها الآخرون، والتواضع في آدراك الأحجام فضيلة، والمطلوب قليل من اللبنانية بمقابل هذا الكثير من الاقليمية، المطلوب وضع سقف محدد للحراك اللبناني خارج حدود الوطن، حراك لا يتجاوز التعاطف السياسي والاعلامي في أبعد الحدود، وبما يضمن حفظ رأس لبنان، في موسم تغيير الدول.

الأوساط المتابعة تأمل أن يطال لبنان بعض الأمل الموعود لليمن، في سوق التسويات الدولية على المستوى الاقليمي، وهذا الأمل مرهون بمدى اقتناع طهران بحدود منطقية لطموحاتها، والتي ظهرت معالمها الميدانية أخيراً، على الساحة اليمنية، ومع تواضع الطموحات، تسهل التسويات، في شتى المجالات، النووية والعقوباتية، شرط ابقاء الجهود، بمنأى عن المزايدات الداخلية، التي بدأت تتمظهر على مستوى السلطة في ايران بالذات.

أما على الجانب العربي، فإذا تجاوزنا الانجازات العسكرية والسياسية والمعنوية لعاصفة الحزم، ثمة انجاز أكبر تحقق، ويتمثل بظهور القوة العربية الخليجية الضاربة، لأول مرة منذ ١٩٧٣…

بعد عاصفة الحزم، لم تعد الجيوش العربية نموراً من ورق، انما بات لها ظلف وناب، ولم تعد مجرد جيوش أنظمة، بل أصبحت دروعاً لأوطان.

ورب ضارة نافعة…