أعرف أنّ هناك الكثير الكثير من الحكومات المتآمرة أو المتخاذلة أو العميلة التي تنتهز الفرصة لانتقاد المقاومين الفلسطينيين، لأنهم -على حد قولهم- كانوا المتسبّبين في إقدام العدو الاسرائيلي على ارتكاب مجازره التي تحوّلت الى حرب إبادة..
هذه الحكومات تقول بأنّ المقاومة الفلسطينية ورّطت الشعب الفلسطيني في الدخول الى معركة خاسرة.
أما أنا فأقول: إنّ ما حققته أبطال غزة فاق الوصف. وهو “فوق المتوقع”… لقد سطّروا مواقف بطولية خارقة وبخاصة ما حدث في مستشفى الشفاء… فمجازر الشفاء تحوّلت الى حرب إبادة جماعية… إذ لم يسلم أحد حتى الأطفال والشيوخ والعجز وأصحاب الأمراض المزمنة، قطعوا الكهرباء ومنعوا دفن الموتى ومنعوا الاكل والمياه… باختصار منعوا اي مبرّر للحياة والوجود، ورغم ذلك لا بد من أن أتوقف عند معركة “طوفان الأقصى” ونتائج الحرب بين الابطال وبين جيش العدو الاسرائيلي، أبدأ أولاً بمصطلح جديد ابتدعته المقاومة الفلسطينية، وهو مصطلح مسافة صفر، وهذا يرمز الى ان المقاتل الفلسطيني في حربه مع الدبابات ابتدع ما يسمّى وبالعلم العسكري بالمسافات حيث شاهدنا مقاتل “حماس” يهجم على الدبابات غير خائف منها.
وما دمنا نتحدّث عن معارك الدبابات في غزة فقد تبيّـن لنا أنّ عدد الدبابات التي فجّرها أبطال غزّة 250 دبابة، حيث فجّر المقاومون 20 دبابة خلال آخر 24 ساعة. والجدير ذكره أنّ إسرائيل تفتخر بدبابة “ميركاڤا” وتعتبرها أهم سلاح يحميها، كما نلاحظ ان الجنود الصهاينة يختبئون دائماً داخلها، ناهيك ان كلفة الدبابة الواحدة تفوق العشرة ملايين دولار. بينما القذائف التي تصنعها “حماس” كلفتها زهيدة جداً، ولا تؤخذ في الاعتبار. وهذا طبعاً ما جعل الصهاينة قلقين جداً حتى وصلت الحال بهم الى الجنون. أولاً للكلفة الكبيرة، وثانياً ان هؤلاء الذين عاشوا أكثر من عشرين سنة تحت الحصار والعذاب قاموا بتصنيع القذائف محلياً وبكلفة لا تُذكر.
بدأت المقاومة الفلسطينية تحارب العدو مواجهة من المسافة صفر، والمسافة صفر تعني ان المواجهة لم تعد بالمسافات ولا بالأمتار ولا بالفلوس، هذا يعني ان المقاومة الفلسطينية استدعت بطولات حروب المواجهة. إسرائيل تعتمد على الصواريخ والتي يرميها الطيران على المدنيين والأطفال. حوّلت المقاومة الفلسطينية الحرب في هذه الأيام الى مواجهة التحام.. لا أحد يرى إلاّ شجاعتك وإيمانك… يخرج المقاومون كالأشباح، كل العالم يتساءل عن سر شجاعة هؤلاء الأبطال الذين يخرجون نصف عراة يحملون المدفع بيد ويهجمون على الأعداء يطلبون الموت.
يدافعون عن الأرض التي كانت مزروعة بالزيتون فحولتها جرافات العدو ودباباته الى أرض محروقة. هدف الفلسطيني الدفاع عن أرضه وحقه فيبذل حياته لأنه مؤمن بقضيته، ولن يترك أرضه للعدو. العالم كله بدا متسائلاً عن أسرار شجاعة هؤلاء الأبطال، انهم يعيدون أمجاد الانتصارات العربية في القادسية وعين جالوت… ملاحم البطولة هذه صارت قصصاً مذهلة، فاجأت الصهاينة كما فاجأت العالم كله. الأم تحتفل بعيد ميلاد ابنها أو ابنتها وقد تفقده في أقرب وقت.
إنّه إيمان كبير، جعل الكثيرين من شعوب العالم يطلبون قراءة القرآن لاكتشاف سرّ هذا الإيمان العميق.
لقد غيّر المقاومون الأبطال، المعرفة تماماً، فقد كانت متجهة الى منصة “إكس” و”الفيس بوك”، فصارت بوصلتها موجهة نحو أسباب هذه البطولات القوية.
إنّه ليس سرّاً بالتأكيد… إنه الإيمان بالحق الذي لا يمكن أن ينتصر عليه الباطل.
الى ذلك، عرضت قناة الـBBC البريطانية التي طالما عُرفت بمناصرتها لإسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني، تقريراً يدين الصهاينة وجريمتهم الكبرى في مستشفى الشفاء.. علماً ان الـBBC مقرّبة جداً من إسرائيل. وقد جاء في التقرير ما يلي:
“إسرائيل وصفت مستشفى الشفاء بأنه المقرّ الرئيسي لنشاط “حماس”، ونشر الجيش الاسرائيلي رسوماً متحركة، ثمّ نشرها في أواخر أكتوبر (تشرين الأول)، زعم فيها انها تمثّل نظام أنفاق “حماس” تحت المستشفى. لكن -يقول التقرير- بما أننا كنا داخل مستشفى الشفاء منذ وقت مبكر من يوم الأربعاء، لم تقدّم إسرائيل أي أدلّة على وجود أنفاق، وقد سُمِح للـBBC بالتصوير في المواقع التي تختارها إسرائيل فقط.
وتابع التقرير: كما نشرت إسرائيل مقطع ڤيديو مدّته سبع دقائق، وقام محققو الـBBC بتحليله… وقد ظهر لنا ان الساعة الظاهرة في الڤيديو تشير الى انه تم تصوير هذا الڤيديو قبل ساعات من وصول الـBBC. لذا قام الاسرائيليون بنشر هذا الڤيديو ثم حذفه وإعادة نشره من جديد. وقد عرضت الـBBC الغرفة نفسها، ولم يكن الڤيديو المنشور في المرة الثانية مطابقاً للڤيديو المنشور قبلاً… كما ان الڤيديو المعدّل (أي النسخة الثانية) لم يتضمن صورة المجندة الاسرائيلية التي كانت صورتها في النسخة الأولى”.
أضاف تقرير الـBBC: “إسرائيل عدّلت بالڤيديوهات التي نشرتها. فجيش الاحتلال يقول بأنّ ما قيل عن تلاعب في الڤيديوهات غير صحيح. لكنّ الثابت والأكيد ان ما ظهر في الڤيديو الثاني المعدّل لا ينطبق على ما وصفته إسرائيل من ان مستشفى الشفاء كان مركزاً لقيادة “حماس”… ونستطيع أن نؤكد انه لم يتم العثور -حتى الآن- على أدلة تدعم هذه المزاعم.
وأكد تقرير الـBBC أيضاً، ان جيش الاحتلال الاسرائيلي هو الذي وضع الاسلحة ليثبت انها (أي الاسلحة) وجدت في مستشفى الشفاء. كما أكد التقرير أيضاً ان إسرائيل لم تقدم أي دليل على ان المستشفى كانت مقراً لحركة حماس”.
وعلى الرغم من تأكيد الجيش الاسرائيلي انه ضد التلاعب في الإعلام إلاّ ان المؤكد أنه تمّ التلاعب بالڤيديو، وأُبدلت أشياء وحذفت أخرى، لإثبات شيء يريده الجيش الاسرائيلي ولا وجود له أصلاً.
كل هذا واضح ان تقرير الـBBC فضح أكاذيب الاحتلال عن مستشفى الشفاء، وكشف الدعاية التي بثتها إسرائيل عن أسباب اقتحامها للمشافي خصوصاً مستشفى الشفاء.
وحتى الرئيس الأميركي جو بايدن صرّح بعد احتلال مستشفى الشفاء ان إسرائيل فعلت كل ما تستطيع لاحتلال أرض صغيرة.. وبدأوا بالأكاذيب حتى صرنا نكذب من أجلهم. ان هذا هراء ولا يمكن بعد هذه المجازر التي ارتكبتها إسرائيل أن نحدثكم عن حقوق الانسان، لقد سقطنا، لقد صارت الشعوب تسمينا قتلة الأطفال، نعم لقد حدث هذا وتجاوزنا كل الحدود، وتخطينا كل الأخلاقيات والمبادئ. بالتأكيد يستطيع الاسرائيليون العيش الى جانب الفلسطينيين بسلام وأمان. ويجب القبول بدولة فلسطينية. علينا ألاّ نملي عليهم قيمنا. لقد أصبحت أنا ملاحقاً بتهمة التحريض على الإبادة، وقد أحال على محكمة الجنايات الدولية.