منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) عام 2023 ما زال العالم يعيش بدهشة كبيرة بسبب العملية التاريخية التي قام بها أبطال «طوفان الأقصى» بقتل 1200 إسرائيلي وخطف 350 آخرين من 17 جنسية خلال ساعتين.
وبتوقيت تمّ في السادسة صباحاً، وفي يوم يُعتبر من الأيام المجيدة التي يتذكرها المواطن العربي في تاريخه. تذكّرنا بما حدث في 6 أكتوبر عام 1973، يوم عبر الجيش المصري «خطّ بارليف» ودخل الى سيناء.. يومذاك اعتبر عبور «خط بارليف» أكبر إنجاز تاريخي، حيث كانت إسرائيل مرتاحة الى ان الحاجز المذكور يحميها، وهي ليست بحاجة الى حماية.
كما اجتاز الجيش العربي السوري، جيش الرئيس التاريخي لسوريا المغفور له الرئيس حافظ الأسد، الجولان ووصل هذا الجيش الى نهر الأردن، ولولا الجسر الجوّي بين أميركا وإسرائيل، ولولا تهديد أميركا للرئيس أنور السادات بـ «النووي»، لكانت إسرائيل قد انتهت منذ 50 سنة، ولكن للأسف، أميركا كعادتها لم تسمح بذلك، فهي أفضل حارس للكيان الصهيوني.
بالعودة الى البطولات التي يسطرها أبطال «طوفان الأقصى» يومياً، لا بد من أن نتوقف عند بعض الانجازات التاريخية، ولأول مرّة في تاريخ الصراع العربي – الاسرائيلي:
أولاً: سقط تهديد بنيامين نتانياهو بأنه سوف يقضي على «حماس»، والعكس هو الذي حصل.
ثانياً: صحيح ان غزّة من «فوق» أصبحت على الارض.. إذ ان %70 من الابنية أصبحت مدمرة، ولكن غزّة من «تحت» لا تزال صامدة ومنتصرة وعاصية على الجيش الذي لا يُقهر، بل العكس هو الصحيح، فإنّ الخسائر التي يدفعها ذاك الجيش يومياً أصبحت متوجة بأرقام مخيفة، إذ بلغ عدد الدبابات المحترقة بنظرية «زيرو مسافة» 800 دبابة و200 ناقلة جنود، وآليات مختلفة.
ثالثاً: وهو الأهم بالنسبة لإسرائيل، ألا وهو تحرير الأسرى. فقد مرت 105 أيام ولم تستطع إسرائيل تحرير أسير واحد.. وهذه واحدة من الانجازات التاريخية التي يكاد العقل لا يصدقها.
على كل حال، لا بد من أن نطّلع على ما تقوله الصحافة الاسرائيلية حول عملية «طوفان الأقصى»، وما يحصل داخل إسرائيل. فقد بدت وسائل الاعلام الاسرائيلية والصحف العبرية متشائمة جداً، إذ عنونت صفحاتها الأولى بفكرة واضحة: إسرائيل بدأت تلفظ أنفاسها الأخيرة.
فقد نشرت صحيفة «هآرتس» العبرية مقالاً للكاتب الصهيوني الشهير «آري شبيت» يقول فيه: «يبدو أننا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ، ولا حلّ معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال».
بدأ شبيت مقاله بالقول: «يبدو اننا اجتزنا نقطة اللاعودة، ويمكن أنه لم يعد بإمكان إسرائيل إنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان وتحقيق السلام، ويبدو انه لم يعد بالإمكان إعادة إصلاح الصهيونية وإنقاذ الديموقراطية».
أضاف: «إذا كان الوضع كذلك، فإنه لا طعم للعيش في هذه البلاد، وليس هناك طعم للكتابة في «هآرتس»، ولا طعم لقراءة «هآرتس». يجب فعل ما اقترحه «روغل ألفر» قبل عامين: وهو مغادرة البلاد.
فإذا كانت «الاسرائيلية» و»اليهودية» ليستا عاملاً حيوياً في الهوية، وإذا كان هناك جواز سفر أجنبي لدى كل مواطن إسرائيلي، ليس فقط بالمعنى التقني بل بالمعنى النفسي أيضاً، فقد انتهى الأمر. يجب توديع الأصدقاء والانتقال الى سان فرانسيسكو أو برلين أو باريس، ومن هناك يستطيع اليهود النظر الى دولتهم «إسرائيل» وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة.
يجب أن نخطو ثلاث خطوات الى الوراء لنشاهد الدولة اليهودية الديموقراطية وهي تغرق، ولكن ما زال بالإمكان (الآن) إنهاء الاحتلال، ووقف الاستيطان، وإعادة إصلاح الصهيونية، وإنقاذ الديموقراطية وتقسيم البلاد».
تابع: «أضع إصبعي في عين نتانياهو وليبرمان والنازيين الجدد لأوقظهم من هذيانهم الصهيوني. إنّ دونالد ترامب وكوشنير وجو بايدن وباراك أوباما وهيلاري كلينتون ليسوا هم الذين سينهون الاحتلال.
إنّ اليهود منذ أن جاؤوا الى فلسطين يدركون أنهم حصيلة كذبة ابتدعتها الحركة الصهيونية، ومن خلال استغلال ما يسمّى «المحرقة» (الهولوكوست) على يدي هتلر وتضخيمها، استطاعت هذه الحركة أن تقنع العالم بأنّ فلسطين هي أرض الميعاد، وأنّ الهيكل المزعوم موجود تحت المسجد الأقصى. وهكذا تحوّل الذئب الى حَمَل».
واستشهد الكاتب بعلماء الآثار الغربيين واليهود، ومن أشهرهم «اسرائيل فلنشتاين» من جامعة تل أبيب، الذين أكدوا ان الهيكل أيضاً كذبة وقصّة خرافية ليس لها وجود. وكان آخرهم عام 1968 عالمة الآثار البريطانية الدكتورة «كاتلين كابينوس» حين كانت مديرة للحفائر في المدرسة البريطانية لآثار القدس.
وشدّد شبيت على القول: «إنّ لغة الكذب هي التي تلاحق الاسرائيليين، ويوماً بعد يوم تصفعهم على وجوههم بشكل سكين بيد مقدسي وخليلي ونابلسي، أو بحجر أو سائق حافلة من يافا وحيفا وعكا.
يبدو ان طينة الفلسطينيين تختلف عن باقي البشر. فقد احتللنا أرضهم، وأطلقنا على شبابهم الغانيات وبنات الهوى والمخدرات، أدخلناهم السجون… وبعد سنوات وبعد أن ظننا أنهم استوعبوا الدرس، إذ بهم يعودون إلينا بثورة مسلحة، فقلنا نهدم بيوتهم ونحاصرهم، وإذا بهم يستخرجون من المستحيل صواريخ يضربوننا بها رغم الحصار والدمار، فوضعنا حولنا الأسلاك الشائكة والجدران العالية، وإذا بهم يأتوننا من تحت الأرض ومن الأنفاق. حتى أثخنوا فينا قتلاً وأصابونا بخسائر فادحة.
خلاصة القول: يبدو اننا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ، ولا حلّ معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال».
هذا ما جناه أبطال المقاومة الفلسطينية، وأبطال «طوفان الأقصى» فخر العرب والمسلمين.