Site icon IMLebanon

“طوفان الأقصى”: خلفيّات… وأمثولات!

 

 

 

لا يزال الهجوم العسكري المباغت الذي شنّته حماس على اسرائيل تحت شعار «طوفان الأقصى» عرضة للتحليل على مختلف الصعد العسكرية والاستراتيجية والسياسية، وذلك بهدف التعرّف إلى الخلفيات التي كانت وراء هذا الحدث العسكري الضخم. وبالتالي إلى استخلاص الأمثولات التي ينبغي التوصل إليها سواء بالنسبة للقوى المهاجمة أي «حماس» وأنصارها أو بالنسبة إلى القوى المستهدفة: اسرائيل وأنصارها الأقربون والأبعدون. وإذا كان من الصعب التوصل إلى حقائق نهائية إن بالنسبة للخلفيات أم بالنسبة للأمثولات نظراً لقصر المدة الزمنية، فإنّ عملاً بمثل هذه السرعة والجرأة والشمولية والفعالية سيقتضي وقتاً أطول للدراسة والتحليل والتعمّق حول مسألة تاريخية صعبة ومعقّدة كالمسألة الفلسطينية بما فيها قيام دولة اسرائيل على أرض فلسطين. هذه المقاربة لا تدّعي الإحاطة بالحدث في مختلف أبعاده، بل تسعى لكشف بعض الخلفيات ومن ثم بعض الأمثولات مما حدث.

 

1 – عنوان العملية «طوفان الأقصى» والمشاركون فيها يعملون في خط ديني ايديولوجي يقوم على التطرّف الديني. ومن هنا ضرورة التذكير بأنّ تسمية «حماس» هي مختصرة لحركة المقاومة الاسلامية. والمسجد الأقصى هو رمز ديني اسلامي يتشابك جغرافياً مع حائط المبكى لليهود في اورشليم في مقابل حائط البراق بمضونه الاسلامي. ولذا جمعت «حماس» كل معاني حركتها الانقلابية في تعبير «طوفان الأقصى» باعتبار أنّ الطوفان يعني المطر الغالب يغشى كل شيء ويشوّه في ظلام الليل مؤدياً إلى الموت الفظيع والشنيع الذي يتجاوز الحدود، فهو سيل جارف وسيل مغرق في آن وذلك بحسب محيط المحيط.

 

2 – تُمثّل عملية الطوفان مستوى عالٍ من المهنيّة والسريّة والتنفيذ. فهي بحاجة إلى فترة غير قصيرة للتخطيط والتدريب والتنفيذ، وهي فترة كانت كل من حركة «فتح» والسلطة الاسرائيلية غافلة عنها ولم تستطع أن تكشفها قبل شروعها في العملية العسكرية. وفي هذا الباب يشار، من باب التكهّن وليس من باب المعلومات بأنّ قيام عناصر «حماس» بتصفية العرموشي مسؤول «فتح» ربّما، (نقول ربّما) كانت له علاقة بالأمر بحيث حصل على معلومات عن الموضوع فجرت تصفيته بسرعة كي لا تنكشف العملية تجاه «فتح» من جهة وتجاه اسرائيل من جهة ثانية. ولعل القلق القائم حول تسليم قتلة العرموشي يميل إلى هذا الاعتقاد.

 

3 – لقد حسمت عملية الطوفان الموقف داخل منظمة التحرير الفلسطينية فأصبحت «فتح» مجرّد لوحة للرئاسة والزعامة في المنظمة في حين تحوّلت «حماس» إلى العنصر الأبرز والأكثر سلطة، تأثيراً ونفوذاً داخل منظمة التحرير ولعل سلطة «فتح» تنبع من دعم الجامعة العربية لها أكثر من حقيقة تمثيلها للقوى الفلسطينية. وحيث أنّه لا توجد أقلية شيعية داخل المجتمع الفلسطيني، قامت ايران باختيار «حماس» ودعمها معنوياً ومادياً بكافة الوسائل. والراجح لدى كافة المراقبين أنّ تحضير وترتيب الهجوم على المراكز الاسرائيلية يوم سبت الغفران، هو اختيار له معناه في الزمان والمكان، كان بترتيب واشراف ايراني حتى أنّ صحفاً غربية أكدت أنّ الضوء الأخضر الايراني للعملية أعطي في اجتماع في بيروت. في حين يتوقع المحللون أن تُفتح الجبهة الشمالية في اسرائيل لأنّ «حزب الله» هو فصيل من جيش الولي الفقيه ولا يمكنه مهما فعل أن يبقى خارج اللعبة!

 

4 – إنّ عملية الطوفان بالشكل الذي تمّت به والنتائج المباشرة التي أسفرت عنها، تؤكد أنّ اسرائيل واجهت أصعب محنة في تاريخها المعاصر، منذ العام 1973 لقد واجهت قوى سيطرت على مراكز داخل نطاق السلطة الاسرائيلية في القطاع والضفة وحولهما بعد هجوم يوم السبت اليهودي وفي الذكرى الخمسين لحرب تشرين 1973، بدأ الهجوم باطلاق وابل من الصواريخ من القطاع باتجاه البلدات الاسرائيلية المجاورة ومن ثمة عبر نحو ألف مقاتل فلسطيني من حماس براً وبحراً وجواً على متن مركبات وقوارب وطائرات شراعية، فتجاوزوا السياج الحدودي حول القطاع المحاصر وهاجموا المواقع العسكرية والمدنية الاسرائيلية موقعين مئات القتلى والجرحى والأسرى بين الاسرائيليين، بما يؤكد الفشل التام للاستخبارات الاسرائيلية ويلقي اللوم على الصراع الدائر بين أجنحة المتطرفين داخل المجتمع الاسرائيلي.

 

أخطاء إسرائيل

 

5 – لقد بات واضحاً لدى كافة المحللين والمعلّقين العسكريين أنّ اسرائيل، وعلى غير عادتها، كانت ترتكب أخطاء في موضوع تعاملها مع ظاهرة «حماس». ففي حين كانت تعتقد أنّ منح «حماس» مجالاً أوسع في القطاع للعمل ظناً منها بأنّ المحفّزات الاقتصادية والتهديد بالقوة سيجعلان «حماس» تغيّر من استراتيجيتها. وغاب عن الاسرائيليين أنّ المسألة هي أبعد من ذلك. بمعنى أنّ الجهة التي تقف وراء «حماس» عسكرياً وسياسياً ومادياً هي ايران، تود أنّ تضع يدها ليس على «حماس» فقط كفصيل فلسطيني، بل أن تضع يدها على القضية الفلسطينية كي تكون عاملاً مقوياً لها في الصراع على قيادة العالم الاسلامي انطلاقاً من القضية الفلسطينية التي هي قضية العرب والمسلمين الأولى.

 

6- أخيراً وليس آخراً، كان الملفت في سياق هذه المبارزة الاستراتيجية الشاملة، تصريح رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو قال فيه: «سنغيّر الشرق الأوسط»، مثل هذا التصريح يدفع إلى التفكير عميقاً في الوسيلة والقدرة التي يمكن لاسرائيل ولسواها أنّ تغيّر الشرق الأوسط. مثل هذا التغيير لن يحدثه بواسطة حاملة الطائرات الأميركية التي ارسلت إلى شرقيّ المتوسط لكي «تحافظ على أمن اسرائيل»، هذا الكلام يعيد إلى الذاكرة مسار النشاط النووي الايراني واتفاقية 2015، وخروج الرئيس الأميركي ترامب منها. وسعي السلطات الاسرائيلية لاقناع حكّام البيت الأبيض بالوقوف معهم لكي تقوم اسرائيل باستخدام سلاح الدمار الشامل لضرب ايران ومنعها من القدرة على انتاج سلاح نووي. وكان الأميركيون يرفضون الموافقة، الآن اختلفت الأمور. واذا ثبت أنّ لايران دوراً أساسياً في ما حصل يوم السبت، فإنّ الإدارة الأميركية لن تقف أمام قيام اسرائيل بضربة نووية تدمّر فيها مشروع ايران النووي وتسقط نظام حكم الملالي في طهران.

 

… عندها قد يعيد الاسرائيليون إلى الأذهان المثل اللبناني القائل «رب ضارة نافعة».

 

وسيكون هذا هو العامل الحاسم لتغيير الشرق الأوسط!!

 

(*) باحث ومفكر جيوسياسي