منذ يوم السبت الفائت، انقلب المشهد الإقليمي رأساً على عقب مع انطلاق عملية «الطوفان الأقصى». ولبنان طبعاً، مكوّن أساسي، ولو غير مباشر هذه المرة، من تلك المشهدية، بفعل الحدود الجنوبية مع إسرائيل، ومشاركة «حزب الله» المحدودة، والتي لا تزال تحت سقف المناوشات الحدودية. فعلاً، لا أحد يملك مفتاح حسم الإجابة عن سؤال «المليون طلقة»: هل ينخرط «الحزب» في الحرب؟ أم لا؟ والأرجح هو نفسه يتعامل مع التطورات على طريقة «كل يوم بيومه»، ربطاً بالأحداث الدموية التي تشهدها غزّة.
ويبدو أنّ الاهتمامات منصبّة على الحكومة الإسرائيلية الائتلافية لتأمين الغطاء السياسي لتوغل ميداني في قلب القطاع. وعندها قد تنتقل الحرب إلى مستوى جديد من التحديات التي قد تدفع «الحزب» إلى الانخراط بشكل مباشر، رغم كل النصائح والتحذيرات التي تصله من الخارج والداخل، وآخرها من الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي وجّه رسالة إلى الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، قائلاً: «أعلم أن حساباته ليست فقط لبنانية، بل اقليمية، اذ إنه لاعب أساسي في الإقليم، وقد يكون هو الذي يقرر أو لا، ولكن أكرر التمني بألا يُستدرج».
منذ السبت، تنهال الاتصالات الدبلوماسية من جانب الدول الكبرى وتحديداً الفرنسيين والأميركيين، من باب الضغط للحؤول دون فتح الجبهة الجنوبية. رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يقود جانباً من تلك الاتصالات ويتواصل بشكل مباشر مع «الحزب» وإيداع الرسائل الدولية. لكن إلى الآن لا ضمانات جدية أو رسمية قد تفضي إلى تحييد الحدود اللبنانية، وأقصى ما يتمّ الإفصاح عنه من جانب مسؤولي «الحزب» هو عبارة «حتى الآن لا انخراط».
ومع ذلك، يتصرّف اللبنانيون، حكّاماً ومحكومين وكأنهم جمهور. قرار الحرب في الضاحية الجنوبية. وأقصى ما يمكن لحكومة ميقاتي أن تفعله هو أن تضع خطة نزوح جديدة، ولكن هذه المرّة للبنانيين. بهذا المعنى يصير اجتماع مجلس الوزراء اليوم، بمثابة إجراء شكلي لا يقدّم ولا يؤخر. لا بل قد يفتح باب خلاف بين ما تبقى من مكونات حكومية، اذا ما كان البيان الذي سيخرج عن الجلسة، غير متناسب مع سياسة «حزب الله» ما قد يدفع وزراءه إلى الاعتراض، أو حتى المقاطعة.
حتى وزراء «التيار الوطني الحر» لم يجدوا سبباً كافياً يدفعهم إلى كسر قرار المقاطعة. أو بالأحرى لم تترك لهم قيادة «التيار» منفذاً يسمح لهم بالمشاركة في جلسة استثنائية في ظروفها، بدليل أنّ بعضاً منهم سبق له أن أبلغ إلى رئاسة الحكومة عشية الجلسة الأخيرة التي خصصت من أجل ملف النزوح السوري، أنّه سيشارك في الجلسة، لكنه عاد وانقلب على رأيه، وفي ما يبدو أنّ الاستمرار في المقاطعة هو الذي سيحكم سلوك هؤلاء الوزراء ما يتيح السؤال الآتي: إمّا أنّ الظروف الاستثنئاية تستدعي الترفّع عن الحسابات السياسية الضيقة… وإمّا أنّ جلسات الحكومة فولكلورية ولا داعي بالتالي لكسر قرار المقاطعة وبالتالي إنّ التصويب على فكرة السطو على صلاحيات رئيس الجمهورية تعبوية وفي غير محلّها أبداً!
في مطلق الأحوال، لا يُحسد نجيب ميقاتي على موقفه في رئاسة حكومة «ما باليد حيلة… أو قرش». فالانقسام السياسي الحاصل إزاء إشراك لبنان في حرب تخوضها «حماس»، لن يوفّر الحكومة من تداعياتها، وهي بالكاد قادرة على الوقوف على رجليها وعقد جلسات بمن توفّر من وزراء. رئيس الحكومة بالأساس، ليس من قماشة محبّذي القفز إلى حلبات الملاكمة والاشتباكات السياسية. يفضّل سياسة تدوير الزوايا، والتعابير. والأهم، النأي بالنفس. فكيف ينأى بنفسه عن مواجهة حرب اذا حلّت ستوقع الهيكل المتصدّع فيما حكومته تكاد تعلن عجزها عن تسديد رواتب موظفي القطاع العام، والأجهزة الأمنية والعسكرية تتكل على المساعدات الخارجية لكي لا تنضم إلى المؤسسات المشلولة والمعطلة؟
في الواقع، يفترض بجلسة اليوم أن تواجه تحديين: الموقف السياسي الجامع إزاء ما يحصل في غزة أولاً، والتضامن الكلامي معها لا جدل فيه، وما يحصل على الحدود الجنوبية وهنا الخاصرة الرخوة. اذ لا تستطيع الحكومة أن تخرج بموقف يعترض على سلوك «حزب الله»، وتوازناتها الداخلية هلامية سرعان ما تتمزّق، كما لا تستطيع أن تدفن رأسها في الرمال وتتصرف وكأنّها عمياء طرشاء.
أما الأمر الثاني فهو الاستعداد للحرب اذا ما وقعت، فيما التئام المجلس الأعلى للدفاع محكوم بالحُرم المسيحي لكونه محصوراً برئاسة الجمهورية، فيما الانهيار المالي والاقتصادي يجعل من كل خطّة قد تضعها الحكومة لمواجهة حالة الحرب، حبراً على ورق. والأرجح أنّ هذا الواقع المأسوي هو الذي دفع الدول الغربية وتحديداً الولايات المتحدة إلى تذكير السلطات اللبنانية بأنّ الانخراط في المعارك العسكرية يعني حكماً بالإعدام… لأنّ اللبنانيين لن يجدوا من يعيلهم بفلس.