يرتقب الوسط السياسي، ما يمكن ان تكون عليه الآثار والنتائج الناجمة عن المعركة التي فتحها حزب الله مع قوات الاحتلال الاسرائيلي، على طول الحدود اللبنانية الجنوبية، بعد عملية طوفان الأقصى، تحت شعار دعم الشعب الفلسطيني في غزة، في حال طال امد هذه الحرب، وتعثر التوصل إلى اتفاق سياسي مع إسرائيل، على الواقع السياسي الداخلي، والمنحى الذي يمكن أن تسلكه الامور، وتأثيرها على الاوضاع العامة في البلاد، وكيفية تعاطي الطبقة السياسية، مع هذا الواقع المأساوي الذي بات ينذر بتداعيات غير مسبوقة على كل المستويات، إذا لم يتم تغيير اسلوب تعاطي الاطراف السياسيين، مع بعضهم البعض، لتجاوز الانقسامات السائدة فيما بينهم، والاتفاق على ما يمكن ان يُخرج لبنان من ازماته السياسية والاقتصادية والمعيشية.
كانت أولى تداعيات، اندلاع المواجهات العسكرية بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي جنوبا، على الداخل اللبناني، تجميد الحلول والخطوات المطروحة، لانجاز انتخابات رئاسة الجمهورية، وربط هذا الاستحقاق بانتهاء الحرب الإسرائيلية العدوانية على قطاع غزة،بحجة انشغال الحزب بالاشتباكات العسكرية على الحدود، وتركيزه على كل ما يترتب عليها من مخاطر وتداعيات، ولا تسمح له ظروفه بالاهتمام المطلوب لانجاز الانتخابات الرئاسية.
لم ينصت الحزب لكل الدعوات والمواقف الداخلية والخارجية، لتسهيل اجراء الانتخابات الرئاسية، بمعزل عن المواجهة المحتدمة جنوبا، وبقي قابضاً على ملف تعطيل اجراء الانتخابات، تحت الذرائع والحجج نفسها، واستمرت الحرب الإسرائيلية الاجرامية على غزّة، دون توقف حتى اليوم ، ولم يوثر فتح جبهة الجنوب اللبناني على ابطاء او تعثر هذه الحرب، التي دمرت القطاع برمته وهجَّرت سكانه وقتلت وجرحت عشرات الآلاف منهم، وفي المقابل تحولت المواجهات العسكرية بين الحزب وقوات الاحتلال الإسرائيلي على الحدود الجنوبية اللبنانية، الى حرب استنزاف متواصلة، تسببت بتهجير عشرات الآلاف من المواطنين اللبنانيين من منازلهم وقراهم، وخسائر باهظة بالممتلكات والأراضي الزراعية، وتكبد الاقتصاد الوطني اللبناني خسائر فادحة في مختلف القطاعات، وماتزال الخسائر بارتفاع متواصل حتى الساعة.
اليوم ، ومع مرور ما يقارب الستة اشهر على عملية طوفان الاقصى، وبعد تعثر المساعي والجهود الاقليمية والدولية، لانهاء الحرب الإسرائيلية على غزّة، ومع استمرار المواجهات العسكرية بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي جنوباً، هل يستمر تصرف الحزب مع الوضع السياسي الداخلي بالاسلوب نفسه، ومن دون تغيير او تعديل ملحوظ، يؤدي بالحد الادنى إلى اراحة الوضع السياسي الداخلي، بداية بتسهيل وتسريع انجاز انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة جديدة تتولى مهمات إخراج لبنان من ازماته المتعددة، بالتزامن مع تبريد تدريجي لجبهة الحدود اللبنانية الجنوبية، واعطاء الديبلوماسية الفرصة الملائمة للتوصل الى اتفاق يساهم في إنهاء التوتر والاشتباكات وحل الاشكالات الحدودية بين لبنان وإسرائيل؟
قد يؤدي اعتماد هذا الطرح بالتبريد التدريجي لجبهة الجنوب، بمعزل عن انتهاء حرب غزّة المتوقع ان تطول اكثر مما هو متوقع، استنادا للنصائح والمبادرات الخارجية واخرها، ما طرحه المستشار الرئاسي الاميركي اموس هوكشتاين امام المسؤولين اللبنانيين بوضوح، فرصة ملائمة للحزب للخروج من مأزق المواجهة العسكرية جنوبا مع إسرائيل، ودخول لبنان كله في مرحلة جديدة، اما إذا بقيت الامور على حالها من التصعيد العسكري، وربط مصيرها بحرب غزّة، فهذا يعني استمرار حرب الاستنزاف، العسكري، مع احتمال توسعها الى مناطق اخرى، وبقاء الوضع السياسي العام وانتخاب رئيس للجمهوري معلقاً حتى إشعار آخر، وعملية النهوض بالوطن مؤجلة، لحين انضاج التسوية الاقليمية والدولية.