في اليومين الماضيين، هلّلت بيروت لـ«طوفان الأقصى»، واستعادت تاريخها العروبي والقومي. العاصمة العربية الثانية التي ذاقت طعم الاحتلال والأولى التي انتصرت عليه، تسمّر أهلها أمام الشاشات يتابعون تطوّرات فلسطين التي لطالما كانت بيروت ولا تزال عاصمتها الثانية. شبّان الطريق الجديدة في اليومين الماضيين استعادوا نضالات آبائهم وأجدادهم ومجد منطقتهم التي كانت عاصمة المقاومة الفلسطينية في الثمانينيات، والتي استعصى على المحتلّ دخولها. الأجواء في هذه المنطقة، حيث استقرّت قيادات المقاومة الفلسطينية ومؤسساتها الإعلامية في السبعينيات، تؤكّد أنّ تشوّهات المنطقة منذ بداية التسعينيات لجهة طرح مشاريع السلام والتطبيع، لم تفلح في تجويف روح بيروت.
لم يشغل شبان الطريق الجديدة شاغلٌ عن التسمّر أمام شاشات التلفزة، في المحالّ التجارية و«القهاوي» المنتشرة على أرصفة الأحياء، فرحين حتى الذهول بأخبار الانتصارات الفلسطينية. احتفال قرب الملعب البلدي، وأعلام وأناشيد فلسطينية، ومواكب دراجاتٍ جابت شوارع العاصمة. شبان المنطقة أنفقوا المال من جيوبهم
لتوزيع الحلوى على المارّة. أحدهم يقول: «استدنت مبلغاً لأشارك». الحدث عظيم إلى حدّ لا يُصدّق. ساعات قليلة كانت كافية لمحو سنوات من التحريض. عادت الطريق الجديدة عرين جمال عبد الناصر والشهيد عز الدين الجمل والمقاومة الفلسطينية وكل المقاومين. كثر من الشبان أبدوا استعدادهم للانخراط في القتال العسكري طالما أن «البوصلة هي فلسطين». وتحت هذا السقف أعلنوا تأييدهم لأي حركة أو فصيل يصوّب النار على عدوّهم. حضرت القضية في وجدانهم كأولوية، واضعين جانباً الخلافات السياسية وتموضعات الخنادق والمحاور، لا يعنيهم إن كانت «حماس» تتلقّى دعماً من إيران، كما لم يعنِهم الخلاف السياسي مع حزب الله. قصف مواقع الاحتلال في شبعا أمس لم يثر حفيظة أحد هنا لأنه لدعم الفلسطينيين. «كأننا كنا في قفصٍ وكسّرنا قضبانه»، يقول أحد الشبان مستعيداً مشاهد المقاومين وهم يدمّرون الجدار الفاصل عند غلاف غزة ويعبرون باتجاه المستوطنات والمراكز العسكرية.
على أنقاض الحرب الأهلية وتشوّهاتها، وما سبقها وتلاها من أحداثٍ داخلية وإقليمية، شعر أهالي بيروت، المعنيون بالقضية الفلسطينية كجزء من عروبتهم، بالهزيمة وغياب الأفق والضياع. جاء تحرير الجنوب عام 2000 ليعيد التأكيد على جدوى العمل المقاوم. يومها رُفعت صورة ضخمة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في حيّ السبيل في الطريق الجديدة، وسط احتفالات النصر. يستعيد شاب من المنطقة تلك المرحلة ليقول: «إن شارك الحزب في المعركة مسانداً الفلسطينيين فستعود صور نصرالله لتُرفع في المنطقة، وبيوتنا مفتوحة لأهالي الجنوب والضاحية». ليس ذلك وليد انفعال عاطفي فحسب، بل ناجم عن شعور حقيقي بالأمل بأن خيار المقاومة واقعي ويُعطي نتائج تغيّر مجرى التاريخ. كان ما حصل في فلسطين بمثابة إنجازٍ غيّر الوجهة، وأحيا الآمال لدى قطاعاتٍ واسعة في بيروت عامة والطريق الجديدة خاصة، التي أريد لها منذ اغتيال زعيمها رفيق الحريري عام 2005 أن تغرق في مناخاتٍ من الطائفية والمذهبية. كثر عادوا بالذاكرة إلى اللقاءات التي جمعت نصرالله بالحريري الأب، وأكّدوا أنّهم على نهج زعيمهم «الذي حمى المقاومة».