ما حصل في القدس الشريف يوم أمس ليس جديدا، بل هو دلالة على ان العدو الاسرائيلي ماضٍ في تنفيذ خطته النظامية التاريخية، من دون ان يظهر في العالمين العربي والاسلامي، وعلى مساحات الكرة الارضية ما يؤشر الى اجراءات مؤثرة تضع حداً للعدوانية الاسرائيلية المتراكمة التي لم تميز بين طفل وامرأة وشيخ ورجل.. «فالجميع سواء ويستحقون الموت ان لم يسلموا لهذا الكيان الذي قام على قاعدة انتزاع أصحاب الحقوق الشرعيين من أرضهم وتهجير من سلم منهم الى سائر اصقاع الارض..»
ليس للمحرمات الدينية قيمة لدى هذا الكيان، والجميع من خارج الولاء للصهيونية العالمية يتساوون.. فقد أقدمت الشرطة الاسرائيلية على منع صلاة الجمعة أمس في المسجد الأقصى، الذي هو بالنسبة للمسلمين – المحمديين أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وحتى وطني وقومي وديني وأطلقت النار على الشباب الفلسطينيين الذين رفضوا الاستسلام لـ«الأمر الواقع» حيث استشهد عدد منهم وجرح آخرون.
ما حصل في القدس الشريف أمس، ليس بجديد، ولن يكون الأخير، تماماً كما يحصل في سائر البلدات والمدن الفلسطينية.. لكنه عزز قناعة عديدين بأن الاسرائيليين ماضون في تنفيذ مخططاتهم التاريخية، القائمة على أوهام «أرضك يا إسرائيل من الفرات الى النيل..» وان الخطة النظامية الصهيونية ماضية في طريقها، وان بطرق متعددة، من دون ان يظهر في العالمين العربي والاسلامي، المعنيين مباشرة بهذا «الصراع الوجودي» من تعبئة سليمة لمواجهة هذه الخطة وطبيعتها وابعادها البالغة الخطورة بكل ما يستلزم هذا الصراع، وان ظهرت بعض ردود الفعل، فهي لن تتعدى حدود الكلام.. ولقد غاب عن ذهن الغالبية ان هذا الصراع هو «صراع وجود لا صراع حدود..» كما غاب عن هؤلاء قول الله تعالى في القرآن الكريم: «لتجدن أشد الناس عداوة للذين امنوا اليهود والذين اشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنّا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون» (المائدة – 82) كما غاب عن هؤلاء حكمة أحد زعماء هذه الأمة الراحلين القائلة: «ليس لنا من عدو يقاتلنا في ديننا وحقنا ووطننا إلا اليهود..».
الكلام ليس من موقع عنصري – طائفي، ولكنه خلاصة وقائع تاريخية على مدى قرون من الزمن.. ومن أسف ان عديدين باتوا يرون «ان قوة العرب هي في ضعفهم..» وذلك واضح من خلال الصراعات الدائرة على مساحة العالم العربي.. ومن اسف ان الواقع العربي اليوم، بل والاسلامي عموماً بات يشكل أكبر خدمة تقدم لهؤلاء الذين وصفهم القرآن الكريم بأنهم «أشد الناس عداوة..» وهي صراعات وحروب لم تأتِ صدفة، وان كان البعض لا يحبذ فكرة «المؤامرة..»؟!
تخصص الدول العربية، عموماً، أضخم الموازنات لـ»حروب الأخوة الأعداء».. ولقد بات في قناعة عديدين، ان «الصراع الحقيقي ليس مع الكيان الاسرائيلي، بل في مكان آخر..» غير عابئين بالايديولوجيا الصهيونية التي تسقى للأطفال اليهود مع الحليب وخلاصتها «ان الصراع الأساسي لليهود هو على بلاد الشام.. فأرضك يا إسرائيل من الفرات الى النيل.» وكل شبر يحتله الاسرائيليون هو في رأيهم «أرض محررة من أرض إسرائيل التاريخية..» خلاف ما يتشربه أطفالنا الذين باتوا ضائعي الهوية والانتماء موزعين بين الطائفية والمذهبية والعنصرية وغيرها من السموم القاتلة.. الأمر الذي عزز الصراعات الدموية الدائرة والتي لم تأت صدفة..
يرفض الكيان الاسرائيلي الالتزام والتقيد بأي من قرارات «الشرعية الدولية»، فالشرعية الوحيدة المقبولة لديه، هي «شرعية الحاخامات» و»اللوبيات» المزروعة والموزعة على كل مصادر ومواقع القرارات الدولية.. أما شعب فلسطين، وشعوب سائر بلاد الشام «فلا حول لها ولا قوة..» وليس لها سوى هذه الصراعات الداخلية التي من تجلياتها (على سبيل المثال لا الحصر) الحصار القاتل لقطاع غزة، وللضفة الغربية..
ما جرى في القدس هو نقطة في بحر.. و»إسرائيل» ماضية في تعزيز قبضتها على كامل «أرض الميعاد» (فلسطين) وآخرها كان قبل أيام، بضم خمس مستوطنات إسرائيلية مقامة في أراضي الضفة الغربية المحتلة المحاذية للقدس الى نفوذ بلدية هذه الأخيرة.. وبالمقابل يتم اخراج نحو مئة الف فلسطيني من سكان مخيم شعفاط وكفرعقب وعناتا من مسؤولية بلدية القدس لنظام فيها سلطات محلية خاصة ينتخبها السكان، أي ان يتم سحب حقهم في التصويت لبلدية القدس (التي هي في عرفهم عاصمة إسرائيل الأبدية).. هذا في وقت تتحدث الأنباء عن ان ما يسمى بـ»السلطة الفلسطينية» تعد لاتخاذ المزيد من الاجراءات التي من بينها توقف دفع مخصصات الشؤون الاجتماعية للعائلات المستحقة في القطاع.. للضغط على حركة «حماس» الحاكمة في قطاع غزة لاجبارها على تسليمها القطاع للسلطة.. ناهيك بأن «إسرائيل» ماضية في تعزيز قدراتها العسكرية، حيث أعلن وزير الدفاع الاسرائيلي – الاسبوع الماضي – عن «صفقة مع الصناعات العسكرية الاسرائيلية لامتلاك منظومة حربية من الصواريخ والعتاد الالكتروني بقيمة 40 مليون دولار تكون من مهمتها «حماية المياه الاقتصادية الاسرائيلية الحاضنة لحقول النفط والغاز في البحر المتوسط..» وهي رسالة مباشرة الى لبنان الذي يدير الظهر عن متابعة حقوقه..
يتجاهل كثيرون المخاطر الاسرائيلية وعلى كل المستويات.. في وقت تراقب العين إسرائيلية كل صغيرة مهما صغرت وكل كبيرة مهما كبرت.. ويكفي في هذا التذكير بما كان عليه موقف هذا الكيان قبل أيام من منظمة «اليونيسكو» الدولية احتجاجاً على وضع الحرم الابراهيمي في مدينة الخليل الفلسطينية على قائمة التراث العالمي، وهي ليست المرة، فتندفع الى خصم رسومها للأمم المتحدة من 11 مليون دولار الى 1.7 مليون..