بات الشيخ أحمد الأسير في قبضة الجيش. كنز المعلومات سيُفرّغه أصحاب البزات الزيتية، أولياء دم شهداء أحداث عبرا وجرحاها. لكن هل يُعقل أن يكون هناك مسودتان لمحضر استجواب الأسير، تُخفى الأكثر دسماً وتُظهر النسخة المنقّحة في بازار السياسة بين العسكر والساسة؟
أُحيل الشيخ الموقوف أحمد الأسير إلى فرع التحقيق في وزارة الدفاع، بعدما استكمل الأمن العام استجوابه على مدى أربعة أيام. أقرّ الرجل خلالها بكمٍّ كبير من الاعترافات، كان أخطرها الإعداد والتخطيط لاغتيال إمام مسجد القدس الشيخ ماهر حمود ومسؤول حزب الله في صيدا الشيخ زيد ضاهر. دمُ الرجلين هُدِر، حمود لـ«دوره التحريضي وردّته بعمالته لحزب الله»، فيما الثاني لـ«تورطه بالدم المسلم»، بحسب زعم الأسير. وقد اعترف بإرساله سيارة لاستقدام عبوات ناسفة من الشمال ونقلها إلى صيدا تحضيراً لعمليات أمنية.
وفي ضوء تقدّم الاستجواب، نفّذت قوة من الأمن العام عمليات دهم في صيدا ومحيطها أسفرت عن توقيف مشتبه فيهم جدد في مساعدة الأسير أو إيوائه أو تأمين مستلزمات لوجستية له، فيما ضُبطت كمية من المتفجرات في عدد من الأماكن التي أشار إليها الأسير. هكذا، إضافة إلى الاعترافات السابقة، فُتِح الباب أمام تجزئة ملف أحمد الأسير إلى ثلاثة أقسام: الأسير في مرحلة ما قبل عبرا ثم أحداث عبرا وثالثاً الأسير في مرحلة ما بعد عبرا. الهمس السياسي يحكي عن تجزئة الملف للتخلص من الجزء الأول والثاني وختمهما، ثم التفرّغ للثالث. إذ إن ذلك يُعتبر مخرجاً من الإحراج لكثير من اللاعبين السياسيين، ولا سيما أن المرحلة الأولى والثانية تورط فيها كُثر من سياسيين أو أجهزة، فيما المرحلة الأخيرة تُغرق الأسير وحده. وترى المصادر أن أهل السياسة والقضاء يتّفقون على ذلك. غير أن مصادر قضائية تستبعد ذلك، معتبرة أن «ملف الاتهام لا يجزأ». ورأت المصادر أنه «كان يمكن التفكير بتجزئة الملف، إلا أن توقيف أحمد الأسير نسف ذلك. فالأسير هو الملف». لكن المصادر نفسها تحدثت عن «ملف ثانٍ للأسير منفصل عن ملف معارك عبرا، ملف ما بعد عبرا، وهو ملف جديد يُعمل عليه يتعلق بالخلايا الأمنية التي كان يُديرها في عملياتٍ أمنية محتملة». وقد وضعت المصادر قضية المشتبه فيه محمد علي الشريف في هذا السياق. وبحسب المعلومات الأمنية، بعد ساعات من التحقيق مع مدير المشتريات في منزل النائبة بهية الحريري بجرم إيواء الأسير عقب أحداث عبرا، اعترف بأنّ الأسير لجأ إليه من دون اتفاق مسبق. وذكر الموقوف أن إمام مسجد بلال بن رباح مكث في ضيافته ليلتين، قبل أن يتدخّل والده، رئيس جمعية تجار صيدا علي الشريف، رافضاً استمرار بقائه، بحسب ما ذكر المشتبه فيه خلال التحقيق. وعليه، اتصل الأسير بأحد الأشخاص لتحضر سيارة لنقله، علماً أن الأسير لم يكن وحده الذي مكث في ضيافة الشريف، إنما كان معه آخرون بينهم فضل شاكر ومعهم أسلحتهم. وقد نُقلوا إلى منزل آخر، ومن هناك جرى نقلهم شخصين شخصين إلى منزل الشيخ سالم الرافعي في الشمال. ورغم وضوح الجرم هنا، إلا أن مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر ارتأى إطلاق سراح الشريف بسند إقامة. التسوية لا تقتصر على هذا الاسم فحسب، ففي ملف منفصل عن أحداث عبرا، علمت «الأخبار» أن تسوية نضجت قضت رفع مذكرة التوقيف الصادرة بحق صديق الأسير، الشيخ داعي الإسلام الشهّال الموجود خارج لبنان بعد ضبط الجيش مخزن أسلحة تعود ملكيته له. وقد اتُّهم وزير العدل اللواء أشرف ريفي بالعمل على التسوية. أما بشأن ما تردد عن إخلاءات محتملة لموقوفين من ملف أحداث عبرا الموجود لدى المحكمة العسكرية، فنفى مرجع قضائي ذلك، مؤكداً أن لا إخلاءات سبيل لأي من الموقوفين في المدى المنظور.
إذاً، أحيل الأسير إلى الجيش. في فرع التحقيق، يتواجه الضباط والعناصر مع «عدوّهم اللدود». الشيخ وجماعته الذين قتلوا 18 عسكرياً، وجرحوا ما يزيد على الستين. لذلك يُعوّل كُثر على محققي هذا الفرع لانتزاع الكم الأكبر من كنز المعلومات الذي يحتفظ به الأسير. من أسماء وأرقام وعناوين وخلايا، إلى ممولين ومدربين عسكريين وانتحاريين، ولا سيما أن عناصر الجيش هم من سبق أن أجروا التحقيقات الأولية في ملف أحداث عبرا. لذلك، فإنهم يحفظون عن ظهر قلب تفاصيله الدقيقة. فضلاً عن أن «عداء الكار» والتنافس بين الأجهزة يفترض أن يسعى الجيش جاهداً لانتزاع مزيد من الاعترافات من الموقوف. غير أن كل ذلك، لن يحول دون أن يدخل ملف أحمد الأسير في البازار السياسي. إذ إنّ كلاً من قائد الجيش العماد جان قهوجي ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية صقر صقر وحتى مدير المخابرات إدمون فاضل ورئيس فرع التحقيق في الجيش العميد طلعت زين، كل هؤلاء، ليسوا بوارد السماح بإحراج تيار المستقبل، وذلك يفتح الباب واسعاً أمام احتمال أن يكون هناك مسوّدتان لمحضر استجواب الأسير. الأول يُسجّل عليه كل شيء، لكنه يبقى في المحفوظات لدى الجيش، فيما الثاني، الذي سـ»يُفلتَر» سياسياً ويُنتقى مضمونه بعناية، يُرسل إلى المحكمة العسكرية.
وعلمت «الأخبار» أن كلاً من رجال الأعمال نزيه العلايلي وعماد الأسدي ومحمد القوّام لعبوا الدور الأبرز في تمويل الحركة الأسيرية. وبدأ بعض المغتربين الذين كانوا يُرسلون أموال التبرعات للأسير التقصي لمعرفة إن كانوا سيتم توقيفهم لدى قدومهم عبر مطار بيروت.
تجدر الإشارة إلى أن مداهمات الأمن العام توزعت بين شرحبيل في شرق صيدا وصيدا القديمة والقياعة. وفتّش رجال الأمن شققاً تردد أنها استخدمت كمخازن للأسلحة. وتركزت المداهمات أيضاً على مبنى الأسدي في شرحبيل. أما في صيدا القديمة، فإن عمليات الدهم كانت ترمي إلى توقيف فؤاد أ. غير أن الأخير متوارٍ عن الأنظار مع شريكه أحمد شرف، منذ الخريف الماضي عقب العملية الأمنية التي نفذت في باب السرايا لضبط خلية إرهابية مرتبطة بالأسير. كذلك شارك فؤاد في معركة عبرا وفي إعادة تجميع الأسيريين في الأشهر الماضية. وهو أيضاً خال نادر الرفاعي، أحد مناصري الأسير الذي قتل قبل أشهر في سوريا مع تنظيم «الدولة الإسلامية»، علماً أنه معروف بتأثره الشديد بخاله. وتضاربت المعلومات حول توقيف أحد عناصر الشرطة في بلدية صيدا لورود ذكره في اعترافات الأسير.