Site icon IMLebanon

الأزهر والفاتيكان على خطى الملك عبد الله

بقلم فؤاد مطر

في بعض الأيام الشعبانية وإستباقاً لشهر الصوم المبارك وفيما الداعشيون وغيرهم من غلاة التعصب والتمذهب والفتاوى غير المستحبة يرمون جوهر الدين الحنيف بما يُسيء إلى الرسالة السمحاء التي خص الله سبحانه وتعالى من أجل التبشير بها النبي محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم، يسجل شيخ الأزهر الطيِّب إسماً وشمائل خطوة نوعية على صعيد التنوير فيلبي الدعوة لزيارة الفاتيكان ويعقد مع الحبر الأعظم، الذي من حُسن حظ الإسلام والكاثوليكية على حدّ سواء أنه مثل الدكتور أحمد الطيِّب هدوءاً وبُعد نظر وأمالاً كبرى في أن يسود التعايش بين الأديان ويكون هنالك إلتقاء على أن العنف والإرهاب لا دين ولا وطن لهما وأن على جميع الدول والشعوب التكاتف في التصدّي لهذه الظاهرة والقضاء عليها، وهذا ما إتفق عليه الشيخ الطيِّب والبابا فرانسيس الأول بعد المحادثات التي جرت بينهما في المقر البابوي يوم الإثنين 23 آيار 2016.

توجيه الدعوة إلى الشيخ الطيِّب لزيارة الفاتيكان هي في حدّ ذاتها خطوة تصحيحية، وتلبية الشيخ الطيِّب للدعوة هي إذا جاز التوصيف ردّ على التحية بمثلها، ذلك أنها فرصة قليلة التكرار أن يكون الأزهر وبمن يمثله راغباً كما رئيس الكنيسة الكاثوليكية في تنقية أجواء العلاقات من غبار لفظي تسبَّب في جفوة أزهرية دامت حوالى عشر سنين وكأنما كانت في إنتظار أن يكون الإمام الأكبر بمثل رؤى الشيخ الطيَّب ويكون الحبر الأعظم بمثل حرص فرانسيس الأول على أن يصحح، ومن حاضرة الفاتيكان وليس خلال زيارة خارجية له، ما سبق أن تسببت به قبل عشر سنين عبارة وردت في سياق محاضرة ألقاها البابا السابق بنديكتوس السادس عشر، ويا ليتها لم تُقل، ذلك أنها أنتجت حالة من التعصب المزدوج وسط قطاعات عريضة من الرأي العام العربي – الإسلامي والرأي العام الأوروبي والغربي عموماً.

المسلمون رأوا في كلام البابا بنديكتوس وبالذات ربْطه الإسلام بالعنف واللاعقل نوعاً من الإساءة إلى الدين الحنيف. وعندما لم يعتذر البابا القائل ولم يوضح فإن جماعات كثيرة إستغلت موقفه هذا ورفعت من منسوب تشدُّدها.

ولا نغالي إذا نحن إعتبرْنا أحداث عنف قام بها مسلمون في فرنسا وغيرها بأنها وليدة أجواء نشرتْها في الأجواء الإجتماعية عبارة البابا. بل إننا في إقتفاء الأثر نجد خيوطاً تربط بين نشوء «داعش» أو «إستيلادها» وبين تلك العبارة البابوية.

لقد حقق لقاء حاضرة الفاتيكان بين الشيخ الطيِّب والبابا فرانسيس الأول ما كان من الضروري حدوثه.. أي إزالة القطيعة. أما المأمول من اللقاء فهذا متروك للآتي من الأيام، ذلك أن ما إتفق عليه الرمزان المحترَمان يحتاج إلى تفعيل وإلى تطوير العلاقة الأزهرية – الفاتيكانية. ومن شأن ذلك أن يقوم البابا فرانسيس الأول بمبادرة تتعلق بالصراع العربي – الإسرائيلي خصوصاً أن هنالك الآن تحركاً فرنسياً في هذا الشأن يتولاه الرئيس هولند. لكن المرء يجد نفسه يتساءل: أي آمال يمكن عقْدها على السعي الفرنسي إذا كان رئيس وزراء إسرائيل رفضها سلفاً. وزيادة في التعجيز إختار ليبرمان الذي هو أكثر رفضاً منه لأي تسوية للنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي تتطور إلى حل للصراع العربي الإسرائيلي. وهنا يصبح مأمولاً أن تدعم الكنيسة الأرثوذكسية أي مبادرة يطرحها رئيس الكنيسة الكاثوليكية في ضوء لقائه بشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيِّب الذي إستكمل واجب التنوير في زيارة إلى باريس (الخميس 26 آيار 2016) وإجتماعه بالرئيس هولند ثم برئيس البرلمان الفرنسي. وما نشير إليه في شأن دعْم الكنيسة الأرثوذكسية لمبادرة يطرحها البابا فرانسيس الأول حول عقْد المؤتمر الدولي للسلام الذي إتفق في شأنه مع الشيخ الطيِّب، ليس بالأمر الصعب خصوصاً في ضوء العلاقة الطيِّبة لكبير حكام الأرثوذكسِية في العالم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي فيما الشيخ الطيِّب كان يجري محادثات في الفاتيكان وباريس، كان هو يقوم بزيارة ذات بُعد ديني لليونان قلعة الأرثوذكسية على ضفاف المتوسط وخاصرة أوروبا الغربية، هذا فضلاً عن وجود عسكري راسخ لروسيا في سوريا دعماً للرئيس بشَّار الأسد، وعلاقة عميقة بين الرئيس بوتين ورئيس وزراء إسرائيل نتنياهو ووزير الدفاع الجديد في حكومته ليبرمان. ومن أحدث ملامح العلاقة العميقة أن بوتين أهدى صديقه، وربما حليفه، نتنياهو، وإستباقاً لإحتفال سيقام في موسكو لمناسبة مرور ربع قرن على إعادة العلاقات بين الدولتيْن، دبابة إسرائيلية كان الجيش السوري غنمها في معركة السلطان يعقوب (في البقاع) خلال الإجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وأن الإهداء جاء لدواع إنسانية وبطلب خاص من نتنياهو الذي أصدر بياناً شكر فيه الرئيس الروسي. يا لهذا الشعور الإنساني يتقاسمه بوتين ونتنياهو.

تبقى الإشارة  إلى أن لقاء الفاتيكان بين الشيخ الطيِّب والبابا فرانسيس كان ربما من المستبعَد أن يحدث لولا أن الملك عبد الله بن عبد العزيز طيَّب الله ثراه كان على هامش زيارة إلى إيطاليا ضمن جولة أوروبية إلتقى يوم السبت 3 تشرين الثاني 2007 البابا السابق بنديكتوس عاتباً من جهة وآملاً في الوقت نفسه من البابا تصحيح موقفه الذي سبق أن أشرنا إليه وكان الموقف بمثابة أزمة تسببت في القطيعة على مدى عشر سنين.

وفي المحادثات بينهما التي إستغرقت ساعة أبدى الملك عبد الله من الحكمة والحنكة ما جعل البابا يتفق مع العاهل السعودي على ضرورة الدعوة إلى إرساء السلام في الشرق الأوسط بما يُعزّز التعاون بين المسيحيين والمسلمين واليهود من أجل تنشيط عملية السلام، أي عملياً الإسترشاد بالمبادرة التي طرحها الملك عبد الله وإنتهت إلى إعتبارها رسمياً «مبادرة السلام العربية» وذلك في القمة العربية الدورية في بيروت عام 2002.

وإلى ذلك إلتقى البابا مع الملك عبد الله على «أن العنف والإرهاب لا دين ولا وطن لهما وأن على جميع الدول والشعوب التكاتف في التصدّي لهذه الظاهرة والقضاء عليها…».

وما نريد قوله إن نجاح القمة الأزهرية – الفاتيكانية ما كانت لتحدث لولا أن زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز قبل تسع سنوات للحاضرة وتقريب نظرة البابا السابق من جوهر الدين الحنيف، قصَّت شريط عدم إستحالة الحوار ما دام بدأ بين رمزيْن لأكبر ديانتيْن.

… ومِن مصلحة الجميع أن يتواصل اللقاء وتتسع آفاق الحوار.