خيارات العهد الصدامية مع الحريري مكلفة.. وعون يُدرك أن سحب التكليف مستحيل
لا يأبه المسؤولون اللبنانيون لما وصل إليه حال الشعب من انهيار كامل على مختلف المستويات، وتحديداً على الصعيدين الاجتماعي والحياتي، في وقت تواصل الأوضاع الاقتصادية والمالية انحدارها، في ظل عجز متماد عن التصدي لهذا الانهيار الذي ينذر بتداعيات لا عد لها ولا حصر. وما جرى على جبهة تشكيل الحكومة بعد كسر الجرة بالصوت والصورة في ذاك «الإثنين الأسود» بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، يعطي صورة واضحة عن استفحال الخلاف بشكل غير مسبوق بين الرجلين، بما يجعل عملية تأليف الحكومة تبدو وكأنها من سابع المستحيلات، بالرغم من الحديث عن إمكانية عودة تحريك الوساطات بين الرئيسين عون والحريري، باعتبار أن هناك استحالة لسحب التكليف من الرئيس الحريري، إلا إذا أراد فريق العهد إدخال البلد في أتون حرب جديدة ستقضي على كل ما تبقى، بالحديث عن سعيه لتعديل دستوري، لا يجد أحداً يقف إلى جانب في هذا المشروع التدميري الذي يريد أخذ البلد إليه.
وإذا كان الرئيس المكلف قد وضع معادلة الاعتذار مقابل استقالة رئيس الجمهورية، فإنه لا يبدو أمام الرئيس عون سوى الكف عن الخيارات التصادمية مع الرئيس الحريري التي لن تقوده إلى مكان، بقدر ما ستدفع البلد إلى مزيد من الاحتقان، وتعمل على إشعال الفتيل الطائفي والمذهبي، لأن رئيس الجمهورية يدرك قبل غيره، أن لا نص دستورياً يقول بسحب التكليف من الرئيس المكلف، ما يجعله أمام خيار واحد، يكمن في إعادة الجسور مع الرئيس الحريري من أجل مصلحة البلد، والتخفيف من حجم المعاناة عن الشعب اللبناني، من خلال السعي للتوافق على حكومة موثوقة تلبي طموحات الشعب اللبناني الذي يئن من الجوع والعوز، وفق مضمون المبادرة الفرنسية الذي أبلغ الرئيس عون السفيرة الفرنسية تمسكه بها. وبالتالي فإن المخرج لهذه الأزمة يكون في تشكيل حكومة اختصاصيين لا ثلث معطلاً فيها لأحد، تفادياً لتعطيلها بعد تشكيلها، بعدما تبين بوضوح، كما تقول مصادر سياسية بارزة لـ«اللواء»، أن الرئيس عون يريد الثلث المعطل للإمساك بالقرار الحكومي، إلى جانب العمل من أجل تعويم صهره النائب جبران باسيل المعاقب من جانب الإدارة الأميركية، من أجل تبييض صفحته، استعداداً للانتخابات الرئاسية في الـ2022.
العهد يُخطئ بمحاولة استدراج العرب والأصدقاء إلى الصراع الداخلي
وتعتبر المصادر أن محاولة العهد لتأليب الأشقاء العرب والأصدقاء على الرئيس المكلف، من خلال الإيحاء بأن التعايش معه في ما تبقى من عمر العهد يبدو مستحيلاً، باءت بالفشل ولم تحقق الهدف المراد منها، مشددة على أن البيان المكتوب الذي أدلى به سفير خادم الحرمين الشريفين وليد بخاري عند لقائه الرئيس عون، كان بالغ الأهمية بالنظر إلى ما تضمنه من مواقف تؤكد حرص المملكة العربية السعودية على سيادة واستقلال لبنان وقراره الحر، ومن خلال التأكيد على دعم الرياض لقرارات الشرعية الدولية المتصلة بالوضع في لبنان، إضافة إلى التأكيد على الالتزام باتفاق الطائف، وهي رسالة صريحة إلى كل الذين يعملون من أجل الدفع باتجاه تغيير النظام القائم، عن طريق تشويه صورته والإمعان في تحميله وزر الأخطاء التي ترتكبها الجماعة السياسية التي فشلت فشلاً ذريعاً في إدارة المؤسسات وإخراج لبنان من النفق.
ولفتت المصادر، إلى ان مواقف السفير بخاري، إنما جاءت لتؤكد استمرار الرعاية العربية والدولية في آن لاتفاق الطائف في مواجهة أي محاولة لتجاوزه، أو التفكير بأي تغيير في بنية النظام اللبناني الحالي، وهي مواقف أراد منها السفير السعودي إيصال رسالة إلى الجميع بأن العبث باستقرار لبنان خط أحمر، عدا عن أن هذه المواقف جاءت لتتكامل مع ما يطالب به البطريرك بشارة الراعي وكل السياديين الذين لا يتركون مناسبة، إلا ويشددون من خلالها على أهمية تطبيق القرارات الدولية التي تعتبر مظلة حماية للبنان. وقد كان طبيعياً أن لا تلقى هذه المواقف ترحيباً من جانب بعض قوى الثامن من آذار التي تعاملت معها ببرودة ظاهرة، لم تكن خافية على أحد.
وتشدد الأوساط، على أن العهد يخطئ بمحاولته استدراج العرب والأصدقاء إلى الصراع الداخلي، في حين لا يمكن تخطي العقبات التي تعترض التأليف إلا بمزيد من التفاهم والحوار وتقديم التنازلات من أجل المصلحة الوطنية. ولهذا كان كلام السفير السعودي واضحاً بتأكيده أن المملكة لا تتدخل بشؤون الآخرين، وأنها تعتبر الملف الحكومي شأناً لبنانياً داخلياً، في إشارة إلى أنها لا تتدخل في اسم رئيس الحكومة، وبالتالي لن يكون بمقدور أحد المراهنة على إحراج بلاده في هذا الشأن.