يجب أن يكون المراقب مغرقاً في السذاجة ليصدّق أن العراقيل الموضوعة أمام تأليف الحكومة سببها مبدئي وأخلاقي، وانها نتيجة التزام مرصود ووعود وعهود!
اللهم، إلاّ إذا كانت المبادىء شبكة مصالح، والأخلاق »جرة الفاخوري« نركّب لها الأذن حيثما نشاء وكيفما نشاء، وما شاءت المصالح، ما شاء اللّه!
إن ما يجري على ساحة التأليف بات مكشوفاً حتى لفاقدي النظر… إنها لعبة ببيوت كثيرة تصب كلّها في مكان واحد: الممنوع!
أن يكون في سدة الرئاسة شخصية قوية؟ ممنوع!
أن يكون ثمة توافق ثنائي مسيحي؟ ممنوع!
أن يتنفس المسيحيون بعد طول إحتباس نفس؟ ممنوع!
أن يشارك المسيحيون، فعلاً بسلطة ما بعد الطائف؟ ممنوع!
وأما إذا كان في مقدورهم المشاركة فلتقرع الطبول، ولتسرج الخيول، ولتقطع الطرقات، ولتعم الإعتصامات.
ومن لا يعجبه فليدق رأسه بالحائط!
وأما إذا تنفّس المسيحيون، أو لاحت لهم جرعة أوكسجين بوصول زعيمهم الأقوى الى السلطة، فيجب البحث عن مقتضيات وأدوات الإختناق كلها.
ومن لا يعجبه فيلختنق!
وأما إذا قام توافق ثنائي مسيحي بين قطبيهما الأقويين فيجب أن يُطوّق هذا الثنائي… فما هو مسموح ثنائياً في مكان وعند طيف لبناني، وما هو مسموح فردياً في مكان آخر وعند طيف آخر، فهما ممنوعان عن الطيف المسيحي.
وأما إذا وصل، الأقوى، الى سدة رئاسة الجمهورية، فيجب إختراع ما يضعفه أو يحاول إضعافه… ولو تعطّلت البلاد… ولو شُلّت الدولة شللاً كاملاً… ولو ضاق العالم ذرعاً!
تلك هي المسألة، أما المبادىء فكذبة كبرى، وأما التذرع بالإلتزام بالوعود وصيانة العهود لعرقلة إنطلاقة العهد (…) فكلام لا يقنع قائليه. وهو يسقط أمام الحقائق كلها، ولا مجال لتعدادها هنا لشدّة ما فيها من بنود وأمثلة!
أسباب العرقلة معروفة.
دعكم منّا… ومن فذلكاتنا… ومن أمثلة لا حصر لها يمكن أن نقدمها وندعمها ونشدد عليها…
اذهبوا الى الشارع… إسألوا الناس… استفتوهم في مواقفكم… اصغوا إليهم إذا كنتم جادّين.
ولكن في الأحوال كلها، وفي التبريرات كافة، دعوا عنكم الإدعاءات الفارغة… فالناس تعرف بعضها البعض في هذا الوطن.
هذا العهد يجب أن ينطلق، ويجب أن ينجح… وإلا فبورك لكم بهذه البقرة الحلوب، بل التي كانت حلوباً، فقد جفّ الضرع وذاب الشحم واللحم!