«داعش» يجبر أهالي العسكريين المخطوفين على إقفال مدخل بيروت الشمالي
بعد أحكام لبنانية على 5 سعوديين متهمين بالانتماء لـ«فتح الإسلام»
بيروت: بولا أسطيح
مئات اللبنانيين يوم أمس الاثنين عند مداخل العاصمة بيروت وظلوا أسرى سياراتهم لساعات بعدما قطع أهالي العسكريين المخطوفين لدى «داعش» و«جبهة النصرة» الطرقات وبتعليمات من التنظيمين المذكورين للضغط على الدولة وتراجع القضاء اللبناني عن أحكام أصدرها يوم الجمعة الفائت بحق عدد من الموقوفين الإسلاميين في سجن رومية شرقي بيروت.
وبيّن المشهد الذي ارتسم عند مداخل العاصمة مدى تأزّم الملف وتعقيده، خاصة أن مسلحي «داعش» واصلوا منذ ليل الأحد – الاثنين ضغوطاتهم من خلال اتصالات هاتفية أجروها بعدد من الأهالي مهددين بذبح 7 من الجنود الأسرى لديهم في حال عدم الاستجابة لمطلب تراجع المجلس عن أحكام صدرت بالسجن المؤبد بحق 5 موقوفين مناصرين للتنظيم المتطرف.
وقالت مصادر قضائية لـ«الشرق الأوسط» بأن الموقوفين الـ5 الذين صدرت بحقهم أحكام يوم الجمعة الفائت هم سعوديون ينتمون إلى تنظيم «فتح الإسلام» الذي اندلعت بينه وبين الجيش اللبناني في العام 2007 مواجهات في مخيم نهر البارد ما أدّى لمقتل عشرات الجنود ومسلحي التنظيم.
وأوضحت المصادر أن الأحكام صدرت عن المجلس العدلي، والذي يُعد أعلى هيئة قضائية في لبنان، بالإعدام وخُفّضت إلى المؤبد: «علما بأن أحكام المجلس مبرمة وغير قابلة لأي طريقة من طرق المراجعة». وبحسب المصادر فإنه لا إمكانية إطلاقا للخضوع للضغوطات التي يمارسها «داعش» إلا من خلال إصدار عفو سياسي خاص يوقعه رئيس الجمهورية أو بغيابه الحكومة مجتمعة، أو عفو عام يصدر عن مجلس النواب.
وأوضح وزير العدل أشرف ريفي أن الحكم بالإعدام الذي صدر في حق الموقوفين الإسلاميين هو «حكم مخفض إلى المؤبد»، لافتا إلى «أن التفاوض يجري عبر خلية الأزمة وليس عبر القضاء… فالقضاء يقوم بواجبه وخلية الأزمة تقوم بواجبها». وأشار ريفي في حديث مع «الوكالة الوطنية للإعلام» إلى أنّه ومنذ تسلم الوزارة «تم الالتزام بتسريع كافة الأحكام، وخصوصا أحكام الإسلاميين وأحكام نهر البارد والقضايا المتعلقة فيها… ومما لا شك فيه أن الدولة اللبنانية ارتكبت جريمة في حق الموقوفين الإسلاميين عندما أخرت محاكمتهم 5 سنوات أو أكثر».
وأعرب وزير الداخلية نهاد المشنوق عن أسفه لكون «الخاطفين يتحكمون بقرار الأهالي»، معتبرا أن «كلام داعش غير جدي ومن باب التهويل… وبالتالي لا نستطيع أن نلوم الأهالي على تصرفهم».
وشدّد المشنوق بعد اجتماع مجلس الأمن الفرعي في الجنوب على أن «السلطة السياسية لا تستطيع أن تخفف من أحكام بعض المسجونين لأن هذا الأمر يتعلق بالقضاء»، وتساءل «عن أي أحكام يتحدثون ومن هم الأشخاص؟» وأكد المشنوق أن «الدولة لم تقصر ولم تترك مجالا للتفاوض إلا واستعملته، ولم تترك دولة مفيدة أو مؤثرة إلا ودقت بابها».
ولم يعرف أهالي العسكريين طعم النوم طوال ليل الأحد – الاثنين نظرا لكم الاتصالات التي تلقوها من عناصر «داعش» التي كانت تهدد بذبح العسكريين كل ساعتين أو ساعات، ما دفعهم لإشعال الدواليب ليلا مقابل السراي الحكومي في وسط بيروت ومن ثم قطع الطرقات وبشكل كلي ظهر يوم أمس الاثنين.
وأوضح عضو لجنة متابعة موضوع العسكريين المخطوفين الشيخ عمر حيدر أنّه تمت إعادة فتح الطرقات بعد تطمينات أوصلها إليهم وزير الصحة، الناشط بالملف، وائل أبو فاعور، لافتا إلى أن «التطمين يقول فقط بوقف الذبح في الساعات المقبلة وإعطاء مهلة 3 أيام للتراجع عن الأحكام القضائية». وقال حيدر لـ«الشرق الأوسط»: «كلنا هنا بتنا نعيش على إبر المورفين، أي التطمينات التي نتلقاها والتي لا تصلح إلا لساعات محدودة».
واعتبر حيدر أنّه «ورغم كل ما يشاع عن عدم القدرة قضائيا على التراجع عن أحكام المجلس الدستوري، فإن الدولة إذا قررت التراجع عنها فهي قادرة وهناك الكثير من التجارب المماثلة في دول العالم حيث تتصدر مصلحة البلد والسلم الأهلي أي قرارات أخرى». وربط حيدر أي عمليات تصعيد مرتقبة للأهالي بالاتصالات والتهديدات التي قد تصدر عن الجهات الخاطفة.
وأعلن الوزير أبو فاعور بعد لقائه أهالي العسكريين المخطوفين بالأمس، أن «الطرقات ستفتح وسيتجاوب الأهالي مع طلبه». وقال للإعلاميين الذين تجمعوا في وسط بيروت: «نحن بانتظار عودة الرئيس تمام سلام من السفر لدرس كيفية إعادة الإمساك بزمام الأمور. ولقد كسبنا بعض الوقت».
ودعا أبو فاعور إلى «عدم تحميل الأمور أي وزر سياسي»، مشيرا إلى أنه «لا خلفية سياسية وراء الأحكام التي صدرت مؤخرا عن المجلس العدلي». وإذ أكد أن «المفاوضات جدية وهي تنتظر بعض الأمور»، أشار إلى أنّه «وفي المفاوضات مع جبهة النصرة نسعى إلى الحصول على أجوبة واستفسارات… لكن ليس هناك أي ضمانات». وتغيب «جبهة النصرة» التي تختطف 18 عسكريا حاليا عن السمع، وتقتصر المفاوضات مع «داعش» الذي يحتجز 8 عسكريين من أغسطس (آب) الماضي. وقد زار عدد من العائلات في الأيام الماضية أولادهم المحتجزين لدى التنظيم في جرود منطقة عرسال الحدودية شرقي البلاد، وأجمعوا على أحوال مزرية يرزحون تحتها وعن تعرضهم للضرب والجلد بشكل يومي.
وجدّد رئيس الحكومة تمام سلام من على متن الطائرة التي أقلته أمس إلى دبي، تأكيده أن الحكومة لن ترتاح قبل الإفراج عن العسكريين مشيرا إلى أن المفاوضات «معقدة».