IMLebanon

الانتخابات الرئاسية اللبنانية: توازنات ترجح استمرار الفراغ

الانتخابات الرئاسية اللبنانية: توازنات ترجح استمرار الفراغ

التعقيدات التقنية مضافا إليها الخلافات السياسية تمنع انتخاب رئيس منذ 8 أشهر

مع شروق شمس اليوم، يكون قد مر على لبنان 230 يوما من دون رئيس للجمهورية، بعد أن عجز نوابه عن عقد جلسة انتخاب بسبب «تطيير» مقصود لنصاب الجلسات منذ نحو 8 أشهر، هي ترجمة للعجز السياسي الداخلي في إيجاد المخارج للأزمة المستمرة، وعدم وجود توافق حقيقي بين طرفي الأزمة، ورعاتهما الإقليميين والدوليين، حول عنوان المرحلة المقبلة، وبالتالي يستمر التوافق غير المعلن بينهما على فراغ المنصب، بانتظار توافقات كبرى لا يبدو أنها تلوح في الأفق، وسط تسليم من الطرفين بإدارة البلاد من خلال حكومة يعتبر كل وزير فيها نفسه رئيسا للجمهورية، كما يقول مرجع سياسي لبناني لـ«الشرق الأوسط».

ويعجز النظام السياسي اللبناني عن إيجاد الحل لأزمة الانتخابات الرئاسية، منذ زوال الوصاية السورية التي كانت تقرر اسم رئيس الجمهورية، منذ إقرار اتفاق الطائف عام 1990، وحتى الانسحاب السوري عام 2005.

فالنصوص التي أراد من خلالها المشرع اللبناني إيجاد ضوابط لعملية الانتخاب، تمنع وصول رئيس بعيد عن التوازنات الإقليمية الكبرى، جعلت من اسم الرئيس خيارا إقليميا – محليا – دوليا، يلعب فيه النواب اللبنانيون دور صندوق البريد، لا دور المقرر.

وينص الدستور اللبناني على ولاية من 6 سنوات لرئيس الجمهورية، غير قابلة للتجديد أو التمديد. ويتم انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري من قبل النواب، لا من الشعب مباشرة. وتأتي هذه العملية تتويجا لـ«الضوابط» السياسية والطائفية لعملية الانتخاب. فالانتخاب من قبل النواب يجعل المفاجآت شبه معدومة، خاصة وسط وضوح بالغ في مواقف الكتل السياسية وانقسامها الحاد بين فريقين أساسيين هما قوى «8 آذار» التي يقودها «حزب الله» رغم أن كتلته هي الأصغر عدديا بين الكتل الكبرى (11 نائبا)، ويضم الفريق بأكمله نحو 57 نائبا، من أصل 128، فيما يمتلك الفريق الثاني، المتمثل بقوى 14 آذار التي يقودها تيار «المستقبل» (صاحب أكبر كتلة برلمانية في لبنان) وتمتلك 54 صوتا، فيما تتوزع الأصوات القليلة الباقية على فريق الوسطيين، وهو فريق غير متماسك سياسيا، ويقوده أساسا النائب وليد جنبلاط الذي بات يتمتع بقدرة على تغليب الموازين في التفاصيل التكتيكية، كالثقة في الحكومة والقرارات العادية في البرلمان والحكومة، من دون وجود القدرة على التأثير الاستراتيجي، كانتخابات الرئاسة وتعديل الدستور التي تحتاج ثلثي أصوات البرلمان.

تقنيا، لا يمتلك أي من الفريقين القدرة على انتخاب رئيس من دون التفاهم مع الفريق الآخر، حتى لو تحالف مع الوسطيين (وهو أمر صعب التحقيق أساسا)، فالدستور ينص على أن ضرورة أن ينال الرئيس المنتخب ثلثي أصوات النواب في الدورة الأولى، والأكثرية العادية في الدورات التي تلي. وتتفق القوى السياسية على تفسير للدستور يقول بضرورة حضور ثلثي أعضاء البرلمان لجلسة الانتخاب في أي وقت، مما يعطي أي فريق يمتلك أكثر من ثلث المقاعد قدرة التعطيل وحق «الفيتو» على اسم الرئيس، وهو ما يحدث الآن، حيث لا يمتلك أي من الطرفين الأكثرية اللازمة لانتخاب الرئيس، وبالتالي تبقى الأمور معطلة تقنيا.

أما الناحية السياسية، فهي الأكثر تعقيدا، حيث يتحكم طرفا الأزمة بالجانب التقني، ويستطيع أي منهما التعطيل، من دون القدرة على الحل منفردا. ويُعتبر اسم رئيس الجمهورية عنوانا للمرحلة، ولهذا يصر كل من الطرفين على رئيس يحظى بثقته، وهو أمر متعذر لغياب التلاقي بالحد الأدنى في الجانب السياسي حيث يقف الطرفان على حدي النقيض؛ ففي حين يقف فريق «8 آذار» في محور إقليمي يمتد من طهران إلى بيروت، مرورا بسوريا، يقف فريق «14 آذار» في محور آخر مناقض تماما، يمتاز بعلاقات عربية واسعة ويقترب من الغرب. وتعتبر الأزمة السورية أكثر مجالات الخلاف. فـ«حزب الله» المنخرط في الحرب السورية يريد «رئيسا يحمي المقاومة»، في إشارة إلى سلاح الحزب، فيما يرفض الفريق الآخر تغطية «تورط الحزب في هذه الحرب ومخاطرها على لبنان».

وتنص القواعد الدستورية اللبنانية على أن يتولى مجلس الوزراء مجتمعا، صلاحيات رئيس الجمهورية في حال شغور المنصب لأي سبب من الأسباب، مما يجعل العملية الدستورية مستمرة، وبالتالي لا تتعطل أمور الدولة، خصوصا أن صلاحيات رئيس الجمهورية تكاد تنحصر في الجانب المعنوي أكثر من الجانب التنفيذي.

ويقول مرجع لبناني إن العامل اللبناني في الانتخابات الرئاسية أصبح أقل تأثيرا بعد حصول الفراغ الرئاسي، مستبعدا التمكن من انتخاب رئيس للجمهورية من دون توافق دولي – إقليمي على اسم الرئيس، خصوصا أن المحور المدعوم إيرانيا أصبح أكثر تشددا في موضوع الرئيس بعد التجربة الفاشلة مع الرئيس ميشال سليمان من وجهة نظر هذا الفريق، فالرئيس «الوسطي» تحول، في نهاية عهده، إلى معارض شرس لسياسات الحزب، خصوصا في جانب السلاح، وحصلت أكثر من مواجهة بين الطرفين في نهاية العهد.

ويُعتقد على نطاق واسع، أن العامل الإيراني في هذه الانتخابات أساسي، وبالتالي ينتظر الجميع معرفة الثمن الذي سوف تقبل طهران من خلاله بتسهيل انتخاب رئيس للجمهورية، سواء من خلال المفاوضات الأميركية الإيرانية، أو من خلال العلاقات الإيرانية – السعودية المعقدة أساسا.

ويوجد مرشحان وحيدان معلنان؛ أولهما رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع الذي يمثل فريق «14 آذار» والنائب هنري حلو الذي يمثل النائب وليد جنبلاط، في حين أن المرشح الثالث غير المعلن هو النائب ميشال عون، الذي يرفض إعلان ترشيحه رسميا، ويشترط التوافق على اسم الرئيس قبل الذهاب إلى مجلس النواب للتصويت، يسانده في ذلك «حزب الله» الذي أعلن صراحة ترشيح عون رسميا للانتخابات، واضعا نفسه وراء الأخير في أي قرار يتخذه، وبالتالي يقاطع معه جلسات الانتخاب كافة.

ويدرك جعجع بشكل كامل أن ترشيحه لا يتمتع بالقدرة على التحول إلى فرصة حقيقية بسبب الفيتو الصارخ من قبل قوى «8 آذار»، لكنه يستمر فيه في مواجهة خصمه اللدود ميشال عون، الذي يُعتبر منافسه الرئيسي على الساحة المسيحية منذ تسعينات القرن الماضي، على رغم التقارب الأخير بينهما. وقد حاول عون مغازلة تيار «المستقبل» وفتح حوار معه بالفعل، أثمر في التعاون الحكومي، لكنه فشل في الوصول إلى تفاهم رئاسي.

ولا يبدو في الأفق اللبناني حاليا، مما يوحي بإمكانية تذليل العقبات التي منعت انتخاب الرئيس، حيث يبدو أن كلا الطرفين ينتظر تحولا إقليميا، مما يسمح له بإيصال مرشح يقود البلاد في الفترة المقبلة، مما يرجح استمرار الفراغ لفترة طويلة، أو الوصول إلى تفاهم على أحد الأسماء «الوسطية» المطروحة، وأبرزها قائد الجيش العماد جان قهوجي، أو حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

وبالتالي يمكن اختصار المعادلة بأن الرئيس الوسطي سيكون عنوانا لمرحلة من التوافق بين الفريقين، في حين أن التغيير في التوازنات الإقليمية وحده يمكّن كلا منهما من فرض مرشحه.