Site icon IMLebanon

اعتصام «طلعت ريحتكن» ادانة للاحزاب والتيارات السياسية؟!

يحي جابر –

وضع رئيس الحكومة تمام سلام اصبعه على الجرح النازف، معلناً وبصريح العبارة ان ما جرى، أول من أمس، (ما قبله وما بعده) في وسط العاصمة بيروت، متنقلاً بين ساحتي الشهداء ورياض الصلح، من صدامات تجاوزت المتوقع، بين المعتصمين تحت يافطة سطلعت ريحتكن» والقوى الأمنية، أوقعت عشرات الاصابات من كلا الطرفين، «غير مقبول بكل المقاييس.. ولا يمكن السماح ان يمر من دون تحقيق ومحاسبة..» وبالتالي «من دون علاج»، والكرة في ملعب جلسة مجلس الوزراء الخميس المقبل..

الواضح، من كلمة الرئيس سلام، في اللقاء الصحافي الذي عقده في السراي الحكومي أمس، وبحضور عدد من الوزراء، وغياب آخرين، ان الرجل فاض به. وهو يعرف ان المسألة لم تعد ضمن سقف معين، وبعض اللاعبين على أوتار العواطف الشعبية الصادقة في مكان، ومصالح الناس في مكان آخر.. قالها وبصريح العبارة: «لن أقبل ان أكون شريكاً بالانهيار.. وللصبر حدود.. ولا يجوز ان تستمر حكومة من مساءلة.. والهدف احراجي لاخراجي..»؟!

على وقع أزمة النفايات، التي طالت وتشعب الحديث فيها عن محاصصات بين أفرقاء سياسيين، ومافيات مالية، دخل لبنان مرحلة جديدة.. استعاد الحراك الشعبي بعض وجوده.. حاولت «احزاب سياسية» ان تلعب على الحبلين، فانكشفت سريعاً، بعضها أعلن انسحابه من التجمعات، كالحزب التقدمي الاشتراكي، بعدما كان أعلن أنه لا يمانع بمشاركة عناصر من محازبيه ومناصريه، ثم عاد وتراجع، بعد حملة غير مسبوقة للنائب وليد جنبلاط على وزير الداخلية نهاد المشنوق.. وبعضها احرج فأخرج» كـ«التيار الوطني الحر»، ولم يبق في الميدان، سوى اللبنانيين التائقين لمرحلة جديدة، لا يعود فيها وجود لامارات الطوائف والمذاهب، التي حققت انجازات غير مسبوقة في تراجع لبنان الى الوراء، وعلى جميع الأصعدة..

الصدامات التي وقعت بين القوى الأمنية والمشاركين في التجمع، فاجأت كثيرين.. وخرجت عن كل القيم والمقاييس التي قدّم لبنان نفسه فيها على أنه دولة ديموقراطية تتسع لكافة الآراء والأفكار والمعتقدات والمواقف.. خصوصاً ان الجميع أقرّ بأن «مطالب المعتصمين هي في معظمها محقة..» لكن بين الأقوال والأفعال مساحة لا يمكن ردمها بسهولة، وهي تحتاج الى خطوات بالغة الجرأة، لا على قاعدة «المزايدات» والتفتيش عن مقاعد في الصفوف الأمامية، ولا الى ازدواجية مفضوحة في المواقف والمزايدات التي تزيد الطين بلّة، من مثل قول وزير الخارجية جبران باسيل متسائلاً: «ما هذه الدولة التي ترمي نفاياتها على الناس وترمي عليهم رصاصها عندما يعترضون..»؟!

لا أحد ينكر، ان خروج المعتصمين الى ساحات وسط بيروت لم يكن عفوياً بالمطلق، واللعب على الوقت في الوصول الى «المخارج» زاد من قلق الناس وخوفهم من المضي في سياسة الصفقات والمحاصصات الملازمة لهذا النظام، وهو، أي خروجهم، جاء تعبيراً عن مرحلة متقدمة من الغضب وفقدان الثقة، وبأن الناس، في غالبيتهم الساحقة، ما عادوا قادرين على السير في مسار الاستسلام للأمر الواقع و«ليس بالامكان أفضل مما كان..»؟!

في الأنظمة الديموقراطية، تلعب الاحزاب السياسية والتيارات دوراً بالغ الأهمية في توعية الناس، ومتابعة قضاياهم وحقوقهم، وتنظيم نضالاتهم.. في لبنان انقلب المشهد، صارت الاحزاب السياسية في معظمها، في واد، والناس في واد آخر، مختلف تماماً.. وهذا، ان دل على شيء، فإنما يدل على ان اللبنانيين فقدوا الثقة بهذه التيارات وهذه الاحزاب، وهي ادانة صريحة، بالغة الخطورة..

لقد تخلت الاحزاب والتيارات عن أدوارها ومهماتها الحقيقية، وما عاد همها إلا ان تقبض على موقع في السلطة، وتكون شريكاً في الربح..

ازدواجية، او تعدد المعايير والمواقف بات سمة من سمات غالبية الاحزاب والتيارات السياسية في لبنان.. لقد هالها ان يحتشد في وسط بيروت لبنانيون، من كل الطوائف والمذاهب والمناطق، رفعوا شعارات تدل على مدى الغضب الشعبي.. لم يمانع الحزب الاشتراكي في نزول أنصار ومؤيدين الى الاعتراضات.. وفي لحظة ما، عاد ورفع الغطاء داعياً محازبيه ومؤيديه الى الانسحاب.. كذلك «التيار الوطني الحر»..

لقد عودنا النائب وليد جنبلاط على سياسة التقلبات هذه؟! ولحظة الحقيقة أمام «التيار» العوني ستكون الخميس المقبل.. وبانتظار ما ستخلص اليه جلسة مجلس الوزراء فإن حركة الشارع، على ما يظهر ماضية، والمعتصمون في الساحات لم يقبضوا كلام رئيس الحكومة، المغلوب على أمره، وهو الذي «بقّ البحصة» يوم أمس، على نحو غير مسبوق.. إنه صراع غير مسبوق، والقوى السياسية كافة أمام امتحان جدارة وكفاءة وصدق نيات، لاسيما وان سياسة «شيل عن ضهري» ما عادت تمشي؟! ولا أحد يستطيع ان يتهرب من المسؤولية، فالمسألة لم تعد «قم لأقعد مطرحك..»؟! ولا يكفي اشهار المعاناة وكشف الأوراق؟!