Site icon IMLebanon

أكل هوا… هيتشتغ

كل شيء في زماننا يتسارع ويتطور، في الماضي كانت الرسالة الإعلانية أو التسويقية رسالة بسيطة تجمع عناصرها بطريقة تحقق الهدف من خلال الإعلان بصيغ واضحة وعبارات مختصرة عن الفكرة من خلال الاعلان عنها لتسويقها لأنها نافذة النجاح في تحقيق الغاية وإيصال الهدف المطلوب.

اليوم، تسارعت الخطوات وتطور الاعلان الترويجي والتسويق، أصبح صناعة ترتكزعلى إبداعات وابتكارات بأساليب غريبة عجيبة، وواحدة من هذه الطرق هي البرامج التلفزيونية وأهمها البرامج الحوارية، فكيف اذا كان التسويق لبرنامج تكاليف انتاجه باهظة الثمن ومردودها لاحقاً أضعاف أضعاف.

منذ فترة ليس بطويلة بدأ بث إعلان أو ‪Promotion ترويجي لأحد البرامج التلفزيونية عنوانه لم يكن واضحاً لي ولكن كان للعنوان علاقة بالهواء والحرية، و بدأ يتسرب عن قصد من القيم عليه اسم البرنامج الذي عرف لاحقاً «ب هوا الحرية» فلفتني العنوان وقلت في قرارة نفسي يجب أن أتابع هذا البرنامج علني أحصل على جرعة من هواء الحرية وأخرج نفسي كما معظم اللبنانيين من سجن الحياة وهمومها ومشاكلها ونقص هوائها الذي ظننت بأني سأعوضه من …هوا …. البرنامج .

تسمرت أما التلفاز منتظراً أن يبدأ البرنامج متأملاً بأنني سأتمتع بنسائم الهواء الممزوج بالحرية يلامس سمعي وبصري من خلال مواضيع وقضايا دسمة ستطرح فيه كون المكتوب يقرأ من عنوانه، ما هي الا دقائق اعطيت الاشارة وبدأ البرنامج. ظهرت الصورة وظهر معها مدى ضخامة البرنامج من خلال الديكور الذي بدا واضحاً أنه باهظ التكاليف، والجزء الأكبر من هذا الديكور هي «الاضاءة» التي أبهرتني أولاً وأعمتني من كثرتها ، تخيلت للوهلة الأولى بأنني اشاهد عرضاً متطوراً للألعاب الضوئية، قبل ان يصدر من الضوء الباهر صوت خرق عمى الألوان الذي أصابني ليقول: مساء الخير ….. انه» جو معلوف. انه نجم البرنامج ومقدّمه الذي يعتبر نفسه ويُعتبر عن حق بأنه ليس رقماً عادياً يمر مع الوقت، بالنظر الى عنصر المفاجأة الذي يحسن استعماله لجذب انتباه المشاهدين ولئن غلب الديكور والضوء، اي المؤثرات التي لا علاقة لها بالمضمون على هذا الأخير.انه ذاك الذي أعلن سابقاً بأنه سيقعد اعوج ويحكي جالس، اهلاً وسهلاً بكل من يحكي جالس، أهلاً وسهلا بمن ينعشنا بهوا الحرية مسبوقة بـ هاشتاغ لكي تنتشر ويصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لانه في زمننا لم يعد انتشار اي برنامج او مقال او خبر يقتصر على المشاهدة او القراءة التي تكاد تنقرض. لا بل ان نجاح الذي سبق لم يعد يعتمد على من سبق بل على من «سيهشتغ»،

بدأ سرد العناوين وبعدها رحب بضيوف، يظن المتابع للوهلة الأولى بأنهم أعضاء لجنة تحكيم لبرنامج مواهب أو هواة أو الاثنين معاً، تبين لاحقاً انهم ثلاثة ناشطين إلكترونيين للمشاركة في تقديم البرنامج ، وعلى سيرة الضيوف، الضيف الأساس في البرنامج والذي لفتني هو ذاك المشاكس صاحب الكلام الجذاب، «الإعلامي» سالم زهران.

هوت مصداقية البرنامج منذ الحلقة الاولى. فقد كان الموضوع الأساسي هو ملف تم تكراره حتى الابتذال على عدة شاشات وعلى لسان زهران نفسه عل مدى اربع لقاءات حوارية أجراها على شاشات تلفزيونية مختلفة، فضلا عن تناول الوزير السابق وئام وهاب للموضوع نفسه في أطلالتين تلفزيونيتين كان آخرها على شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال نفسها ضمن برنامج كلام الناس. مجموعة من الاتهامات الموجهة الى محافظ بيروت زياد شبيب تكررت على مدى اكثر من شهرين واستعملت فيها نفس العبارات والمضامين والتلميحات بشكل يبدو معه جلياً بان المسالة ليست مسالة رأي عام او محاربة فساد بل من دون أدنى شك هي عبارة عن حملة موجهة ومنظمة تديرها جهة مستترة لضرب صورة المحافظ شبيب وتشويه سمعته بسبب مواقفه الجريئة في بعض الملفات.

الم يعلن المحافظ شبيب منذ بداية الحملة عليه ان أبوابه وأبواب الدوائر المرتبطة به مفتوحة لسائر اجهزة الرقابة في الدولة؟ لماذا لم يتعرض للمساءلة من قبل المؤسسات المختصة اذاً؟ ولماذا الاستمرار في الحملة علية؟

الم يقم المحافظ شبيب بإرسال كتاب رسمي الى حاكم مصرف لبنان منذ عدة أشهر يبلغه فيه انه يتنازل عن السرية المصرفية التي وضعها قانون النقد والتسليف لصالح اي مواطن او إعلامي ولدى سائر المصارف العاملة في لبنان؟؟

السؤال الذي يطرح نفسه، ما الذي يحمل فريق الاعداد على اجترار هذا الموضوع لو لم يكن مسيّراً او على الأقل خاضعا لتأثير الجهة التي تشن الحملة على شبيب؟

والاهم من ذلك كله من نصّب جو معلوف وضيوفه وديكور البرنامج ليكونوا محكمة عليا او ديوان محاسبة او نيابة عامة لإلصاق التهم بحق كائن من كان؟ في المحاكم الحقيقية في قصور العدل هنالك ما يسمى حق الدفاع، وهو حق مقدس يعطى للمتهم وحتى للمجرم الذي يرتكب جريمة قتل متعمد ويستحق الإعدام بحسب قانون العقوبات اللبناني، يحق له ان يوكل محاميا يدافع عنه ويأخذ وقته كاملاً في تفنيد الاتهامات ودحض الأدلة المساقة ضده وتكون دائماً الكلمة الاخيرة للدفاع قبل النطق بالحكم. اما «هوا الحرية» وصدر جو معلوف فلا يتسعان لمثل ذلك فبالكاد استطاع محامي بلدية بيروت انتزاع بضع ثوانٍ بعد الوقفة الإعلانية قبل ان يقفل الخط بوجهه ويتم الانتقال الى مواضيع اخرى تاركين عبارات الاتهام مزروعة في أذهان المشاهدين ضماناً لفاعلية الحملة المساقة على المحافظ وضماناً لقوة الصدمة التي يحتاجها البرنامج في انطلاقته وإن جاء ذلك على حساب الحقيقة وكرامات الناس.

انها ليست الحرية التي نعرفها والتي تعني القدرة على تناول المواضيع الخطرة دون خوف او خضوع، بل هي حرية ممارسة القتل المعنوي بحق الأشخاص دون رادع. انها ليست هوا الحرية، انها أكل هوا الحرية.