كتبت تيريز القسيس صعب:
لم تمر الجلسة الاولى لحكومة «الى العمل» بالسهل الممتنع، بل فجرتها النقاشات السياسية التي تركت الى آخر الجلسة، بالتنسيق مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والحكومة سعد الحريري.
فالخلافات التي ظهرت الى العلن، اثارت حفيظة عدد من الوزراء لاسيما وزراء «القوات اللبنانية»، عندما طرح موضوع الزيارات المتتالية الى سوريا، وتعاطي رئيس المجلس الاعلى السوري نصري الخوري مع الوزراء، اضافة الى موضوع النأي بالنفس ومسألة النازحين السوريين.
الكلام السياسي العالي النبرة، اطاح فجأة بالجلسة، ورفعها الرئيس عون قبل ان يعطي الكلام الى وزراء التقدمي الاشتراكي، ووزير الدفاع الياس بوصعب الذي لم يتسن له شرح موقفه من زيارته الاخيرة الى ميونخ.
مصادر وزارية وصفت الجلسة بانها سقطت منذ اول اختبار حكومي، خصوصا وان احتدام الكلام السياسي وصل الى درجة إلقاء الاتهامات المتبادلة بين اعضاء الحكومة، في مشهد استحضرت فيه ذكريات الحرب.
السجال
وبالنسبة لسجال الوزراء كشفت المصادر ان الوزير قيومجيان عندما وصف نصري الخوري» بالشيطان المقيت»، اثار حفيظة عدد من الوزراء لاسيما الوزير فنيش والوزير علي حسن خليل، مما استدعى تدخلا من قبل المراجع العليا لضبط ايقاع الجلسة.
ولاحظت مصادر وزارية صمت الحريري عند اكثر من محطة نقاش لاسيما عند النقاشات السياسية، وعلم انه كان جالسا على اريكة جانبية في غرفة مجلس الوزراء، ويتنقل من حين الى آخر الى الشرفة، لدرجة ان احد وزراء فريق 8 آذار قال: الحريري كان وجهه اسود ومعبق، وذلك عائد الى اسباب عدة ابرزها انه طعن في الظهر عند طعن المجلس الدستوري نيابة دينا جمالي.
وقال بوصعب ضاعت ولقيناها، فالامور منتهية. وزراء القوات عبروا عن انزعاجهم من الزيارة الى سوريا. وقال نحن ملتزمون مبادئ جامعة الدول العربية ولست معترضا في اي مكان على المنطقة الامنة، وهذا الامر موثق بالصوت والصورة، كاشفا ان ما قاله لنظيره التركي اننا نريد حماية لبنان من الارهابيين. اضاف ان طرح الوزير التركي لقيام منطقة آمنة بوجود جيش تركي في داخل سوريا يحتاج لموافقة دولية كما لموافقة سورية. ولفت الى ان اتفاقية اضنا تحتاج بانتشار منطقة آمنة بحدود 5 كلم، وقد وافق على هذا الكلام الامين العام لجامعة الدول العرلية. ونفى ان يكون قد خرج عن البيان الوزاري وميثاق جامعة الدول العربية لاسيما المادة الثانية منه.
علي حسن خليل: أكدنا موقفنا بضرورة توسيع العلاقات مع سوريا الى أقصى الدرجات لمصلحة لبنان أولاً والدستور ينص على ذلك.
قيومجيان: وصف بالمنظر الشيطاني والمقزز ما شهده من نصري خوري امين عام المجلس الاعلى اللبناني السوري على الشاشات.
وقال: دخلنا الى الحكومة بذهنية التعاون والتضامن بين أعضائها واتفقنا على النأي بالنفس عن الصراعات الخارجية، ونفاجأ قبل الجلسة بتحركات بعض الوزراء باتجاه سوريا. ونحن نقول وبشكل منطقي ان اَي خطوة من هذا القبيل يجب ان تبحث في مجلس الوزراء سواء ذهب الى سوريا او الى اَي مؤتمرات خارجية.
وقال إن منظر نصري خوري امين عام المجلس الاعلى اللبناني السوري يثير بدّي شعوراً معيناً ، فضلاً عن الطريقة التي استدعي فيها وزيرنا من قبل وزير سوري.
وأيد عودة النازحين ولكن ضمن آلية محددة وواضحة.
مي شدياق اثارت زيارة الوزير الغريب وقالت: صدري رحب ولكنني لن أتقبل استذكار مرحلة الحرب. كلنا أكدنا ان لا خلاف على عودة النازحين ولكن السؤال المطروح: هل النظام السوري يريد العودة فعلاً؟ وعمها من تضامن حكومي لأخذ الأذونات بالسفر؟
واضافت البعض يعتقد ان الوضع طبيعي مع سوريا مع وجود التمثيل الديبلوماسي متناسين ان النظام السوري ادرج رئيس حكومتنا وقادة لبنانيين على لائحة الاٍرهاب.
واشارت الى ان الحريري لم يفتح فمه ممتعضاً من كل شيء بنا في ذلك ابطال نيابة ديما جمالي.
كميل ابو سليمان: طالب بضرورة التقشف في الأسفار الرسمية نظراً للوضع الاقتصادي الصعب.
وافقه الرأي وزير الخارجية وقال: سأعمل على إرسال آلية السفر المعتمدة في الدولة اللبنانية.
احتدم النقاش عندما تحدثت مي شدياق وريتشارد قيومجيان حول موضوع النازحين وان موقف القوات اللبنانية معروف.
الغريب: رفض حملة التهويل ضده في الاعلام حول زيارته سوريا مؤكداً انه عندما يزور بسوريا يعلن عن زيارته وانه لا يعتبر ان للنأي بالنفس علاقة بعودة النازحين. وقال: اننا لن نذهب لفرض امر واقع انما لوضع مصلحتنا فوق كل اعتبار. وحرصاً على التضامن الحكومي وعدم طرح مواضيع اشكالية على طاولة مجلس الوزراء، بادرنا وأخذنا الأمور بصدرنا، مشدداً على ان كل المسؤولين المعنيين كانوا على علم بزيارتنا. وختم: لن يثنينا اَي شيء عن متابعة مهامنا في هذه القضية.
علي حسن خليل: لا نريد الكلام بلغة السنوات الماضية فأمامنا تحديات كبيرة وعلينا التخاطب مع سوريا فهي بلد عربي ولدينا معها علاقات مشتركة مرتبطة بالحدود. ورفض وصف ما قام به نصري خوري بالعمل الشيطاني.
الجراح: تحدث عن النازحين والنظام السوزي والنأي بالنفس. لا نختلف على عودة النازحين التي هي قرار سياسي كبير. عانينا ما عانيناه من النظام السوزي وما زال حتى اليوم يصدر قرارات واتهامات بحقنا. وقال: لدينا تحفظات على عمل وزارة النازحين ويجب اتباع سياسة واضحة في هذا الشأن.
فنيش: كنت أتمنى الا يثار موضوع سوريا بعدما حققناه بإقامة العلاقات الديبلوماسية. من حقنا ان نذهب الى سوريا ولا احد يمنعنا. هناك اتفاقيات ولا يجب اعادة النظر فيها.واذا كنّا ستتحدث بلغة الشيطان فعلينا العودة الى وثيقة الوفاق الوطني.
وتحدث رئيس الجمهورية بعد إقرار جدول الاعمال، عن الأوضاع السياسية في ضوء مداخلات عدد من الوزرا فقال «إن النأي بالنفس حسب مفهومنا هو عما يحصل في سوريا، وليس عن مليون ونصف مليون نازح سوري يعيشون في لبنان، ما ألحق تداعيات اقتصادية واجتماعية وانمائية وأمنية أثرت على أوضاعنا، خصوصا مع تلاحق الأزمات الاقتصادية الخارجية والداخلية التي أحاطت بنا».
أضاف: «أتذكر قولا لنابوليون يقول فيه: السياسة ابنة التاريخ، والتاريخ ابن الجغرافيا، والجغرافيا ثابتة لا تتغير. وبالتالي، فإن أي بلد مجاور مثل سوريا، لا بد أن نقيم معه علاقة خاصة. من هنا، فإن علاقتنا بسوريا غير علاقتنا بتركيا أو إيران مثلا. أقول بصراحة إن الدول الخارجية لا تريد أن تستضيف نازحين ولا تسمح لنا بأن نعيدهم إلى وطنهم. كيف يكون ذلك وبأي حق؟ أنا لا أقبل بأي شيء يؤذي مصلحة لبنان. لقد استضفنا النازحين لأسباب إنسانية وتحملنا أكثر مما نستطيع أن نتحمل. ما من دولة استقبلت نازحين مثلما استقبلنا، لا نستطيع أن نستمر هكذا. أنا أقول لكم وللبنانيين ما أفكر به، لقد أقسمت اليمين على الدستور وعلى المحافظة على السيادة والقوانين. ولا أقبل بأن يكون على أرض وطني هذا العدد الضخم من النازحين. إن اللجوء السياسي يكون لمضطهدين في السياسة، وليس للهاربين من ويلات الحرب وبداعي الحاجات المفقودة، ومتى عاد الاستقرار فإن على هؤلاء أن يعودوا. لقد رحب الرئيس الأسد بالنازحين العائدين، وإني أتساءل كيف ننسق انتقال قرابة مليون ونصف مليون نازح من دون التواصل والتنسيق مع الدولة السورية؟».
وتابع الرئيس عون: «كلما زارنا وفد أجنبي نسمع اطراء عن اهتمامنا بالنازحين إلى درجة أني قلت مرة لهم «رح نصير نحنا النازحين… ما بقا فينا نقعد ببلدنا وكل شبابنا عم يسافروا».
وأردف: «أقول لمن يتحدث في موضوع النازحين أن بعضهم غير مدرك للنتائج التي تترتب عن استمرار بقاء النازحين على أرضنا. هذه مسؤوليتي كرئيس للدولة. أنا اقسمت اليمين بالمحافظة على الدستور ولا يمكنني أن أترك هذه المسألة. يقولون انتظروا الحل السياسي، فالقضية الفلسطينية مضى عليها 70 عاما لاتزال من دون حل، القضية القبرصية مضى عليها 45 عاما لاتزال هي أيضا من دون حل سياسي. وإذا لم ندرك هذه الحقائق اليوم، لا يمكن أن نواجه المستقبل. يقولون ان سوريا لا تريد عودة النازحين، وأنا أقول لكم انها تريد هذه العودة. لقد تمت حتى الآن عودة 156 ألف نازح سوري تأمنت لهم مساكن موقتة والمدارس لأطفالهم، ولبنان تلقى ضمانات سورية باستقبال النازحين على أرضهم عندما يعودون. اليوم، دول عدة، لاسيما الدول الكبرى تتواصل مع الدولة السورية ورئيسها، فلماذا لا يتواصل لبنان لحل أزمة مليون ونصف مليون نازح سوري على أرضه؟ «قاعدين ببيتي… شو بترك وبفل». الكل يقول بعودة النازحين، لكن متى وكيف؟ فلماذا تريدون أن يتحمل لبنان عبء النازحين؟ عندما بدأوا يتوافدون إلى بلدنا بأعداد كبيرة لم نضع حدودا لهم. الآن أصبحت كثافة النازحين غير مقبولة، والغرب – يا للأسف – يساعدهم حتى يبقوا في لبنان، فيما اللبناني يهاجر. المسألة ليست مرتبطة بسلامتهم أو امنهم، لأن الذين حملوا البنادق وأطلقوا النار على الجيش السوري تمت مصالحات بينهم وبين الدولة، فلماذا الخوف على أمن العائدين الذين لم يشتركوا في القتال؟».
وقال الرئيس عون: «من المستغرب أن منظمات الأمم المتحدة تساعد النازحين الموجودين في لبنان، فلماذا لا تساعدهم في سوريا؟ طالما أنهم يتلقون المساعدات في لبنان ويعملون فيه فلن يغادروه. قضية النازحين ما فيي احملها على ضميري».
أضاف: «عشت تحت الخطر وواجهت الموت، وهذا القصر بالذات تعرض للقصف وأنا في داخله. لقد قاتلت السوري وتحملت النفي 15 عاما من أجل وطني ومن أجل كل اللبنانيين. واليوم، ما زلت ملتزما النضال، دفاعا عن وطني وشعبي».
وتابع: «على حدودنا الجنوبية، يقوم وطن قومي يهودي. وفي سوريا ثمة محاولة لإعطاء الأكراد وطن شرق الفرات، وهذا مثير للقلق، فما الذي يمنع من إيجاد ثغرات واستغلال النازحين لخلق مشاكل لنا في الداخل لاستكمال هكذا مشروع تقسيمي، خصوصا أن مجتمعنا التعددي نقيض لإسرائيل، فهل سيتحملوننا ونحن النقيض؟ هذا الموضوع خطير وأقولها للتاريخ. أنا وقفت مع وحدة وطني لبنان وأقول للتاريخ هذا الكلام لي ولكم».
وأشار الرئيس عون إلى «وجود اتصالات من دول عربية عدة لإعادة علاقاتها مع سوريا وثمة من يجري وساطات من أجل ذلك، فيما نحن مختلفون على مصلحة لبنان العليا. بعد الحرب العالمية الثانية، ركب الرئيس شارل ديغول الطائرة وذهب إلى المانيا واتفق مع اديناور على التعاون».
وختم الرئيس عون مداخلته قائلا: «أنا أعرف مصلحة لبنان العليا، وأنا أحددها، فأنا في مركز المسؤولية وهذه صلاحياتي لأني الوحيد الذي أقسمت يمين الحفاظ على الدستور وقوانين الأمة وسلامة الأرض والشعب، وأرسيت توازنا وطنيا حتى نحقق الاستقرار ونعيد بناء لبنان من جديد. هذا هو مفهومي للمصلحة الوطنية العليا، وأنا مسؤول تجاه شعبي».
ورفع الرئيس عون الجلسة.