السنيورة دحض بالارقام والوقائع حملة الحسابات المالية ضده:
قضية الـ11 مليارا عاصفة في فنجان وفبركة تُهم باطلة
محاطاً باعضاء كتلة «المستقبل» تتقدمهم النائب بهية الحريري، ردّ الرئيس فؤاد السنيورة بالارقام والمستندات على الحملة التي تُساق ضدّه من بواّبة قضية الـ»11 مليار دولار» التي اعتبرها «عاصفة في فنجان» مُعيداً في حملة التضامن معه مشهد «14 آذار» ولو بطريقة غير مباشرة في وجه «مايسترو» فريق «8 آذار» «حزب الله» الذي يقود معركة الحسابات المالية عبر النائب حسن فضل الله، لكن باسلحة مالية اذا جاز التعبير تختلف عن اسلحة الاشتباك السياسي الذي خيّم على البلد منذ 2005 وحتى ابرام التسوية الرئاسية الى الان.
وعقد الرئيس السنيورة مؤتمراً صحافياً في نادي الصحافة تناول فيه موضوع الـ11 مليار دولار والانفاق من حسابي الموازنة والخزينة العامة في حضور نواب من كتلة «المستقبل» على رأسهم النائب بهية الحريري وشخصيات سياسية منضوية تحت لواء «14 آذار» سابقاً.
واوضح «ان الحسابات المالية العامة، وتحديداً موضوع الأحد عشر مليار دولار، انفقت جميعها بما يتفق مع الأصول واحكام الدستور والقوانين المالية، وبما يؤمن تسيير المرافق العامة وتلبية حاجات الدولة والمواطنين، وهي التي أراد مطلقو الشائعات المغرضة وحملات التجنّي والتشهير، وعن سابق إصرار وتصميم، إشغال الناس والتهويل عليهم وحرف انتباههم عن متابعة القضايا الأساسية، وبالتالي ضمان عدم خوض المواطنين المعركة الحقيقية ضد الفساد».
وقال «لا يمكن لي الحديث عن وزارة المالية والمالية العامة من دون تذكير الجميع بما كان عليه الوضع في نهاية العام 1992، اي مع وصول الرئيس الشهيد رفيق الحريري لرئاسة الحكومة. لقد كان وضع وزارة المالية حينها مأساوياً بأبنيتها المدمّرة والمحروقة واجهزتها وتجهيزاتها المعطّلة او التي عفا عليها الزمن، وعلى ملفاتها ومستنداتها المحروقة والبالية والمفقودة بسبب التنقل المستمر وسوء الحفظ وبسبب التقادم. ودلالة بسيطة على هول تلك المشكلات، فإنه يكفي القول انه لم تكن لدى الوزارة في معظم مكاتبها آلات الحساب البسيطة. إذ مازلت اذكر اني رأيت وبأم العين كيف ان المحاسب المركزي لوزارة المالية، كان يقوم بحسابات الخزينة مستعملاً ما قد نسيه معظمكم او لم يسمع به، اي جدول الضرب الشهير، لافتقاده لآلة حاسبة عادية».
1- إعداد الموازنات العامة وقطوعات الحسابات
اضاف «بسبب الحرب الطويلة، توقفت وزارة المالية عن إعداد قطوع حسابات الموازنة وحساب الخزينة او المهمة منذ العام 1979 ولغاية سنة 1992، اي لمدة ثلاث عشرة سنة. لذلك ونظراً لفقدان كثير من المستندات عن الأعوام 1992 وما قبلها رجوعاً إلى العام 1979، ولم يكن امام مجلس النواب إلا ان يصدر قانوناً لصرف النظر عن إعداد حسابات السنوات 1990 وما قبل. وبعد ذلك الوقت، صدر قانون لصرف النظر عن إعداد حسابات العامين 1991- 1992. وترافق ذلك مع العودة الواثقة إلى إعادة الانتظام لإعداد الموازنات العامة وإقرارها في مواعيدها الدستورية حتى العام 2005، كذلك البدء بإعداد قطوع الحسابات للأعوام 1993 وما بعدها وصولاً للعام 2003، وهي السنوات التي كان فيها الرئيس رفيق الحريري رئيساً للوزراء وكنت اتولى فيها وزارة المالية. وبناءً على ذلك، فقد اقرّ مجلس النواب قوانين قطوع الحسابات لتلك السنوات الأحد عشر بشكل منتظم وتوقف الأمر بعد ذلك.
2- القيود الافتتاحية:
وتابع الرئيس السنيورة «بالنسبة للقيود الافتتاحية لكل من قطع الحساب ولحساب المهمة، فان من لديه الحد الأدنى من المعرفة بعلم المحاسبة يعلم انه لمعرفة القيود الافتتاحية لسنة معينة، فإنه يجب ان تتوافر لديه القيود الختامية للسنة السابقة، وهذا يعني معرفة حسابات تلك السنة السابقة اي عام 1992 وقبلها العام 1991 وهكذا دواليك رجوعاً إلى العام 1979، وذلك كان امراً مستحيلاً، وهو ما اوضحناه سابقاً».
ولفت الى «ان ما فعلناه لمعالجة تلك المشكلة هو التثبت من الأرصدة النقدية في صناديق المالية ولدى المحتسبين وفي البنك المركزي وطلبنا من مؤسستين عالميتين للتدقيق التأكد من ذلك عبر مراسلة جميع المصارف الموجودة في لبنان وتلك التي كان من الممكن ان يكون لوزارة المالية تعامل محتمل معها في الخارج لتثبيت الأرصدة. وهكذا بدأنا بما هو مُتاح في حينه من معلومات، بما يعني ان المحاسبة العامة في وزارة المالية، قد بدأت بوضع الحسابات عن عام 1993 بوجود الأرصدة الافتتاحية التي تم التثبّت منها وليس بأصفار. وذلك كان القرار الصحيح والعلمي»، مشيراً الى «ان آليةً قانونية قد وُضعت في العام 2006 في قانون موازنة العام 2005، لبتّ تلك المسائل المعلقة في موضوع القيود الافتتاحية، إلا ان البعض قام في العام 2012، وعن عدم معرفة وقلّة تبصر وآخرون وعن سوء نيّة، بإطلاق فقاعة الحسابات الافتتاحية رغم علمه انه جرى التثبت من الأرصدة النقدية الافتتاحية للوزارة في مطلع العام 1993 وعبر جميع الوسائل الممكنة، لا لشيء إلا لاختلاق مشكلة على رغم ان المادة القانونية التي صدرت في موازنة العام 2005 اقرّت الآلية اللازمة لمعالجة تلك المسألة، ولم يكن هناك من طريقة اخرى لمعالجتها. وهذا البعض عمل على التهويل بهذه المسألة لإيهام اللبنانيين بغير الحقيقة. وكان من نتيجة ذلك كله تعطيل إقرار الموازنات العامة ابتداءً من العام 2006 وحتى العام 2016، اي لأحد عشر عاماً على التوالي، واوقع الاقتصاد اللبناني والمالية العامة وصدقية الدولة اللبنانية في منزلق خطير، مازلنا حتى الآن ندفع ثمنه الباهظ والمكلف».
وذكّر «بان الموازنات العامة العائدة للأعوام 1979-1985 و1990-1992 صدرت من دون ان يكون هناك قطع حساب لجميع تلك السنوات ومن دون ان تكون هناك حسابات مهمة (يراجع الجدول رقم واحد المرفق: تاريخ إحالة وتاريخ إقرار مشاريع قوانين الموازنات العامة في مجلس النواب وتواريخ تقديم وإقرار قطوع الحسابات وتواريخ إعداد وإحالة حسابات المهمة إلى ديوان المحاسبة او مديرية المحاسبة في وزارة المالية عن السنوات 1979-2018)، كما ذكّر «بان ديوان المحاسبة لم يقم بإجراء الرقابة اللاحقة اللازمة على تلك السنوات 1979-1992 ولا على السنوات اللاحقة رغم ان كان بإمكانه ان يبادر إلى إجراء
الرقابة اللاحقة، وذلك بداية من قطع حساب موازنة العام 1993، اي منذ الفترة التي بدأت فيها حكومة الحريري الأولى وبدأت فيها مسؤوليتي في وزارة المالية».
واردف «في العام 2006 بادرت حكومتي الأولى، وانطلاقاً من حرصنا على تعزيز الشفافية والإفصاح والانضباط في المالية العامة وفي حساباتها، ومن دون المسّ بصلاحية ديوان المحاسبة في إجراء الرقابة اللاحقة على قطوع الحسابات، إلى الإحالة على مجلس النواب مشروع قانون بالمرسوم الرقم 17053 تاريخ 25-05-2006 يتضمن تعيين مؤسسات رقابة تتمتع بالصدقية الدولية لتدقيق حسابات مالية الدولة اللبنانية وجميع إداراتها ومؤسساتها العامة منذ العام 1989 اي منذ اتفاق الطائف على ان يستمر عمل مؤسسات التدقيق بعد ذلك ليشمل جميع السنوات اللاحقة»، موضحاً «ان المبادرة لإحالة مشروع القانون المذكور، ومنذ ذلك التاريخ يؤكد ويثبت موقفنا الجازم بأن ليس من المقبول على الإطلاق ان تكون على رأس احدهم خيمة تحميه من الرقابة اللاحقة او ان يكون فوق القانون. كما انه يؤكد على إيماننا والتزامنا بمبادئ الإصلاح والنهوض وبقواعد الشفافية والإفصاح والحيادية والموضوعية في عمل الدولة دون اي تعمية، وذلك على النسق الذي تعتمده دول عريقة في الديموقراطية والشفافية، وهي المبادئ والقواعد التي لطالما دعونا إليها وحرصنا على تبنيها. وانا صاحبُ ذلك المثل الشعبي المعدَّل الذي لم اتوقف عن التأكيد عليه: «اعط الخبز للخباز وراقبْهُ حتى ما ياكل نصّه».
وقال «هذا المشروع مايزال نائماً في ادراج المجلس النيابي. وان اياً من النواب المحترمين الذين نصّبوا انفسهم نظاراً للحسبة لم يعيروه التفاتاً، وذلك عن سابق قصد، لأن الأرقام تدحض الأوهام، والدليل القوي يرد الافتراءات إلى جحورها، ويُفقد هؤلاء منابر الوعظ الكاذب التي احترفوا اعتلاءها».
وشدد على «ان عمل مؤسسات التدقيق الدولية ضروري لاستمرار عمل إدارات الدولة ومؤسساتها بحيادية بعيداً من الغرضية والتسييس او التوظيف السياسي من قِبل اي فريق سياسي لمصلحته من اجل الاقتصاص من الآخرين، علماً ان عمل مؤسسات التدقيق المتخصصة ليست بديلاً عن قيام ديوان المحاسبة بوظيفته فيما خص الرقابة اللاحقة، والتي يُفترض بها ان تكون هي مهمته الأساسية. وهو الدور الذي لم يقم به الديوان منذ عقود طويلة وطويلة جداً لاسيما فيما خص مسألة قطع الحساب للموازنة العامة للدولة ولحسابات المهمة».
اضاف «لم نكتف بذلك، فلقد عاد «تيار المستقبل» مع عدد من النواب إلى التأكيد على اقتراح اعتماد اسلوب التدقيق المالي من خلال التقدم باقتراح إجراء تحقيق برلماني حول الاتهامات المتبادلة بشأن الفساد والمقدم من عدد من النواب وهم: بطرس حرب، عمار حوري، انطوان زهرا، نائلة معوض، اغوب قصارجيان ومروان حمادة، وذلك بتاريخ 17-12-2008. ثم بعد ذلك، تقدم النائب جمال جراح بتاريخ 10-5-2012 باقتراح إنشاء لجنة تحقيق برلمانية تتولى التحقيق في حسابات الدولة العامة».
واشار السنيورة الى «مسألة حيادية الدولة في علاقتها مع جميع الفرقاء السياسيين وذلك بعد التجربة المريرة التي مررنا بها ومرّ بها لبنان قبل عشرين عاماً بشأن ما سمي بفضيحة محرقة برج حمود، وهي قضية كانت قد حصلت في العام 1987 اي قبل خمس سنوات من حكومة الحريري ومن تاريخ تسلمي لمسؤولية وزارة المالية».
وتابع «إننا نستشبه في هذه الأيام شيئاً مماثلاً لما جرى في تلك الازمة قبل عشرين عاماً. إذ جرى في حينها تلفيق تهمة لي بتورطي في مسألة محرقة برج حمود مع اني انا الوحيد الذي وقفت ضد تسوية هذه المسألة الشائكة في مجلس الوزراء كذلك في مجلس النواب. لكن النظام الأمني آنذاك لفّق التهم، وفبرك الملفات المزوّرة، وعمد إلى استخدام القضاء وتسخيره لخدمة اغراضه، كذلك عمد إلى استخدام وتحريض بعض الصحافة الصفراء لتوجيه الاتهامات والتهديد بالتوقيف والسجن والتهويل على الرئيس رفيق الحريري وعلي. لقد عاش لبنان كلّه على وهج تلك الاتهامات الباطلة ولعدة اعوام، وها نحن نسمع في هذه الأيام كمّاً كبيراً من الضجيج المماثل لما كنا نسمعه من قبل. والمصيبة المحزنة ان رغم ان المجلس النيابي قد حسم تلك الاتهامات الباطلة بشأن محرقة برج حمود منذ سنوات طويلة، إلا ان الصحافة الصفراء ما زالت وحتى منذ عدة ايام تُعيد النفخ في ذلك الجمر الكاذب وكل ذلك ينذر بشر مستطير».
3- مسألة الأحد عشر مليار دولار:
وتطرّق الرئيس السنيورة الى مسألة الـ11 ملياراً، فقال «تحدث الرئيس نبيه بري بتاريخ 02-06-2010 وهو خارج من قصر بعبدا، قائلاً: هناك مبلغ 11 مليار دولار تم إنفاقها من دون ان نعرف كيف. وهي مسألة تتعلق بالقاعدة الاثني عشرية للإنفاق والمتعلقة بمجموع الإنفاق الحاصل لدى الحكومتين اللتين ترأستُهما على مدى السنوات 2006- 2009. وهو قد قال: ان مجموع الإنفاق خلال السنوات الاربع 2006- 2009 تخطى المجموع المسموح به على اساس القاعدة الإثني عشرية بمبلغ احد عشر مليار دولار، ما اوحى بأنه إنفاق اموال بشكل غير قانوني او انها اموال جرى تبديدها، وبالتالي التهويل على اللبنانيين وإيهامهم بأن الفساد في هذه القضية المختَلَقَة بينما الفساد في الواقع هو في مكانٍ آخر».
اضاف «لقد كان في ذلك القول اجتزاء للحقيقة او عدم قول الحقيقة بكاملها حيث جرى الخلط بين الإنفاق من حساب الموازنة، والإنفاق من حساب الخزينة. وهو ما ادى إلى ذلك الالتباس الكبير واسهم في إلحاق الضرر بالمالية العامة للبنان والمس بصدقيتها وصدقية الدولة اللبنانية من خلال التشكيك بها. لقد جرى توضيح ذلك الأمر من خلال البيانات والمؤتمرات الصحافية والبيانات والشروحات العديدة التي قُدِّمَتْ في هذا الصدد، لكن استمر المغرضون في غِيِّهم وضلالهم لأغراض سياسية ولتشويه السمعة رغم كل البراهين والإثباتات الدامغة التي قُدِّمت.
بعد ذلك، وفي شهر شباط من العام 2013 اصدر «التيار الوطني الحر» كتاباً تحت عنوان: «الإبراء المستحيل» تناول فيه ايضاً هذه المسألة وخاض فيها ومن غير علم، وعَمِلَتْ كثير من الأبواق والأجهزة للتطبيل والتزمير لهذا الأمر لتشويه السمعة وصرف الانتباه عن المرتكبين الفعليين للفساد والمسؤولين عن تبديد المال العام، وما يزال من كان وراء إصدار هذا الكتاب مستمراً وممعناً في غيِّه. ورداً على ذلك الكتاب، فقد اصدرت كتلة «المستقبل» النيابية كتاباً تحت عنوان: «الافتراء في كتاب الإبراء» تدحض فيه تلك الافتراءات.
وتابع «إنه ولمقاربة هذه المسألة بشكل واضح ومبسط لا بد من استعراض الشائعات والتساؤلات التي طرحها البعض ومن ثم الإجابة عليها عبر طرح الأسئلة التالية والإجابة عليها:
– هل صحيح ان الحكومة قد تخطت حدود القاعدة الإثني عشرية للإنفاق؟
– هل صحيح ان هناك مبالغ قيمتها ما يعادل 11 مليار دولار اميركي ضائعة او مسلوبة او مسروقة؟
– هل صحيح ان ليس هناك من مستندات ثبوتية للإنفاق الحاصل في السنوات 2006- 2009؟
– هل صحيح ان هناك تجاوزاً او مخالفةً للقواعد المنصوص عنها في قانون المحاسبة العامة بما يتعلق بالإنفاق واصوله؟
– هل صحيح انه قد جرى تخطي حدود صلاحيات الحكومة؟
– هل صحيح ان الحكومة في تلك السنوات لم تُعِدّ الموازنات العامة للسنوات 2006- 2009 ولم ترسلها إلى المجلس النيابي وانه جرى تخطي حدود الإنفاق الجاري الملزِم للحكومة؟
واوضح الرئيس السنيورة «ان وفي حمأة ذلك الكباش السياسي المحتقن، فقد قام البعض بإجراء مقارنة بسيطة بين مجموع موازنة العام 2005، بالنسبة لحجم الإنفاق المصرّح به وهو عشرة آلاف مليار ليرة مضروباً اربع مرات للسنوات 2006-2009 وهي اربع سنوات. وهم قاموا بذلك بسبب عدم إقرار الموازنات العامة لتلك السنوات والتي كانت الحكومة انجزتها وارسلتها كمشاريع قوانين إلى المجلس النيابي. إلا ان مجلس النواب لم يتسلمها بسبب الإقفال القسري للمجلس. وذلك مما يجعل مجموع الإنفاق المصرَّح به للسنوات الأربع من حساب الموازنة وحسب القاعدة الإثني عشرية اربعين الف مليار ليرة لبنانية».
واسترسل بالقول «تبدأ المشكلة من هنا لأن القاعدة الإثني عشرية لا تنطبق على واقع الحال لأربع سنوات لاحقة، إذ إنها اساساً ووفق الدستور اللبناني، هي قد وُضعت لتؤدي غرضها لشهر واحد وهو كانون الثاني حصراً من سنة الموازنة الجديدة، وذلك من اجل تسيير امور الدولة وريثما يتم إقرار قانون الموازنة. وبالتالي لا يصح الاستناد إلى هذه القاعدة واعتمادها لأربع سنوات متتالية رغم تغيّر مقتضيات الإنفاق وتغيّر الأحوال وتغيّر حجم الالتزامات على الدولة اللبنانية التي تضخمت احتياجاتها تدريجياً لتصبح الآن في حدود خمس وعشرين الف مليار ليرة لبنانية سنوياً وليس فقط عشرة آلاف مليار ليرة. ومن ثم فإن هذه القاعدة الإثني عشرية لا تعود قاعدة يمكن الاستناد إليها. لذلك فإنها لم تعد تشكّل المسطرة التي يمكن ان تُقاس الأمور بها. وبالتالي فإن الكلام عنها يصبح في غير محله على الإطلاق ويصبح بالتالي الحديث عن تطبيقها بتكرار ذات المبلغ اربع مرات لأربع سنوات هو من قبيل الهرطقة المالية والقانونية والسياسية، خصوصاً عندما يختل التوازن في بنية الدولة والمؤسسات والأنظمة. وعند ذلك فإن القاعدة المستقرة هي في العودة إلى مبدأ ضرورة تسيير المرفق العام وخدمة مصالح المواطنين. والسؤال هنا: هل الإنفاق الذي جرى في تلك السنوات الأربع وفي فترة الحرب الإسرائيلية وارتفاع معدلات الفائدة وزيادة الدين العام وارتفاع اسعار النفط وزيادة الرواتب والأجور يقع تحت باب التوقع الإثني عشري؟ سؤال جدير بالإجابة عليه، أليس كذلك»؟ واردف «مع ذلك فهم ارتكبوا الخطأ الثاني إذ عمدوا لمقارنة ذلك المجموع ليس مع مجموع الموازنة فقط، لكن مع مجموع ما جرى إنفاقه وفق الارقام الصادرة عن وزارة المالية من اعتمادات الموازنة وحسابات الخزينة في تلك السنوات والبالغ 56590 مليار ليرة. ذلك مما يجعل، وبنظر ذلك البعض، المبلغ الإضافي للإنفاق هو 16590 مليار ليرة لبنانية اي ما يعادل احد عشر مليار دولار اميركي. وبالتالي فقد جرى إطلاق تلك الشائعة المختلقة حول مبلغ الاحد عشرة مليار دولار وذلك حسب ما هو مبين في الجدول رقم اثنين المرفق المستند إلى ارقام الوضعية المالية التي تنشرها وزارة المالية دورياً.
ولقد فات اولئك، بعضهم بحسن نيّة، وبعضهم الآخر اراد وبسوء نيّة ان يتغافل عن إدراك وفهم الفرق بين الموازنة والخزينة؟
كل ما يُنفق من حساب الموازنة لا بد ان يظهر كإنفاق من حساب الخزينة. لكن ليس كل ما يظهر في حساب الخزينة موجود في الموازنة وهو إنفاق غير ملحوظ او لا تلحظه الموازنة. وتفاصيل ذلك كله مبين في الجدول رقم ثلاثة الذي يبين ما لم تلحظه الموازنة او لم تلحظه بشكلٍ كافٍ وان كانت تلحظه القوانين الخاصة به.
نفقات الخزينة وهي على سبيل المثال لا الحصر:
– مبالغ تجبى او تُحصَّل من قبل الخزينة لصالح الغير وتسدد بعد ذلك لأصحابها وبالتالي هي صرف قانوني.
– الإنفاق على حساب موازنات او قوانين سابقة كمثل قوانين البرامج الملزمة للدولة وبالتالي هي قانونية وهناك اكثر من 22 قانون برنامج.
– رديات الضرائب والرسوم واهمها رديات الضريبة على القيمة المضافة والتي نصت القوانين المعنية على كيفية ردّها.
– نفقات بموجب سلفات خزينة تعطى لمؤسسات عامة على ان يلحظ لها اعتمادات في موازنة السنة الحالية او السنة او السنوات اللاحقة لتسديدها وذلك بنص المرسوم الذي اجاز صرفها، والمستند إلى القوانين المرعية الإجراء.
– النفقات التي لم تُلْحَظْ لها المبالغ الكافية في الموازنة لكن نصّت القوانين المعنية على إلزامية تأديتها كخدمة الدين العام واستحقاقاته ودفع كلفة عجز مؤسسة كهرباء لبنان.
– دفع فروقات الرواتب وعلاوة غلاء المعيشة وصدرت فيها قوانين.
– النفقات المواكبة والمكملة لقروض خارجية، وهي تمثل الجزء المحلي من النفقات الاستثمارية والتي يتم إقرارها بموجب قوانين خاصة أقرّها مجلس النواب وتنفق وفق ذات الآلية التي تنص عليها اتفاقية وقوانين القروض التي اجازت ذلك والممتدة على مدى عدة سنوات مقبلة».
ولفت الى «ان الجدول رقم اثنين يبين كيف تمّ التوصل إلى الرقم 11 مليار دولار، والجدول رقم ثلاثة يبين ابرز البنود التي تفسّر تلك الفروقات التي وصل مجموعها إلى نحو سبعة عشرة الف مليار ليرة اي ما يُعادل احد عشرة مليار دولار».
واشار الى «ان الإنفاق الذي تم، اكان ذلك من اعتمادات الموازنة او من حساب الخزينة وعلى مدى جميع تلك السنوات الأربع لم يكن إنفاقاً مخالفاً للقانون بل كان قانونياً كامل الأوصاف، بموجب قوانين صادرة عن المجلس النيابي. فضلاً عن ذلك، فقد كان الإنفاق يخضع، وقد خضع لذات الأصول ولذات الآليات المنصوص عنها في قانون المحاسبة العمومية والتي تبدأ بالمراقبة والموافقة المسبقة واللاحقة من قبل مراقب عقد النفقات ومن قبل ديوان المحاسبة، إذ كانت تمر عملية التصفية والصرف بمديرية الصرفيات ومديرية الخزينة ومن ثم يتم الدفع عبر مصرف لبنان. وخلافاً لما يدّعيه البعض بأن ذلك الإنفاق غير مدوّن في حسابات وزارة المالية وان ذلك الإنفاق يفتقر إلى المستندات الثبوتية، فإنه وعلى عكس ذلك فإن عمليات الإنفاق مدوّنة بالكامل في سجلات الوزارات التي قامت بها، إضافة إلى تسجيلها في سجلات وزارة المالية وفي مختلف الوحدات والوزارات التي تعنى بعملية العقد والتصفية والصرف. وان جميع المستندات الثبوتية وقيودها المحاسبية موجودة في وزارة المال، كذلك في الوزارات المعنية وصولاً إلى مرحلة إعداد قطع الحساب وإعداد حساب المهمة العام». وقال «لو ان تلك النفقات كانت غير مدوّنة في حسابات وزارة المالية لما استطاعت وزارة المالية تكوين وضعية المالية العامة الشهرية والسنوية، وبالتالي نشر تلك الأرقام على مدى جميع السنوات السبع والعشرين الماضية. وهي الأرقام التي تم الاستناد إليها لاحتساب فرق الأحد عشر مليار دولار»، اسفاً «لان البعض يعمد لتحوير تلك الحقائق وقلبها، وبالتالي اتّخاذها منصة لإطلاق تلك الأضاليل والمزاعم».
وذكّر «بان المدير العام للمالية كان موجوداً في موقعه هذا منذ العام 1999 وهو الذي كان ومازال مشرفاً ومسؤولاً وبشكل كامل ومباشر عن كل امر يمت بصلة إلى مديرية المالية العامة المسؤولة عن مديريات الموازنة والمحاسبة العامة والواردات والصرفيات والخزينة والديوان والضريبة على القيمة المضافة، وبالتالي هو الذي ينبغي ان يُسأَلَ عن الحسابات وعن تلك القيود التي اشار إليها احدهم والذي استشهد بما يقول انه ورد في تقرير وزير المالية الذي لا نعرف عنه شيئاً. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: من سرّب له تلك التفاصيل قبل تقديمها إلى مجلس الوزراء، لذلك يجب ان يُسأَلَ المدير العام للمالية عن كل تلك الأمور التي هي من مسؤوليته المباشرة».
واعتبر»ان ما يدلي به البعض من عدم وجود اي مستندات وسجلات لتلك النفقات ما هو إلّ نكتة سمجة لا يمكن ان يقبلها عقل وهدفها تشويه صورة تلك الحكومات التي ترأسها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، واللجوء إلى اساليب غير مشروعة وغير صحيحة من اجل النيل من صورته وصورة رؤساء الوزراء الذين تعاقبوا بعده. والحقيقة ان ذلك الادّعاء عارٍ عن الصحة جملة وتفصيلا وما الكلام الذي ادلى به وزير المال محمد الصفدي في حينها وقوله ان كل المبالغ مسجّلة في وزارة المال إلّ خير رد على تلك الأضاليل والافتراءات».
اضاف «يتبين مما تقدم، الإجابة الواضحة على جميع الأسئلة الستة الواردة أعلاه وعلى عكس ما يريده مطلقو تلك التهم الباطلة: «وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ». والحقيقة المرّة التي تنطبق عليهم هي تلك الآية الكريمة: «وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكن لا يشعرون».
واكد الرئيس السنيورة «ان هذه هي الحقيقة الكاملة، واعددتُ دراسةً كاملةً تشرح هذه المسائل بالتفصيلِ وسأزوّد بها رئيس الجمهورية ميشال عون، كذلك رئيس الحكومة سعد الحريري متمنياً عليه توزيعها على الوزراء، كذلك بنسخة لرئيس مجلس النواب نبيه بري، متمنياً عليه توزيعها على النواب، واللجان المختصة في المجلس النيابي، كذلك وازوّد بها الصحافة والرأي العام لمن يحب ان يتبحر بأصول المالية العامة للدولة اللبنانية ليميز الخبيث من الطيّب».
4- مسألة الهبات:
اما في موضوع الهبات، فاوضح السنيورة «ان معظم الهبات التي كان يتلقاها لبنان على مرّ السنوات الماضية كانت هبات عينية وهي مسجّلة في محاضر مجلس الوزراء ويمكن استخراجها بسهولة. إلا انه لا يمكن تسجيلها في حساب الموازنة. فاكتساب الموجودات لا يمكن ان يدخل في حساب الموازنة»، وسأل من يعرف الفرق بين الموازنة والميزانية؟ الحقيقية ان معظم اللبنانيين يستعملون العبارتين لوصف ذات الشيء وهذا غير صحيح. الموازنة هي تصريح بالإنفاق وهو يعني تدفقات مالية للإنفاق لفترة مستقبلية معينة، بينما الميزانية هي مجموع الموجودات والمطلوبات في تاريخ محدد. ولبنان كما هو الحال في جميع دول العالم لا يعد ميزانية للدولة اللبنانية».
اضاف «اما بالنسبة للهبات النقدية وهي قليلة جداً، ففي الغالبية الساحقة، كان الواهب يحتفظ بها في حسابات يتولى هو فتحها او تحريكها وإنفاقها، وهي كانت إما لاكتساب موجودات لصالح الدولة او لتسديد نفقات عنها. وبالتالي لا يمكن لحظ تلك المبالغ في الموازنة ولا يمكن ايضاً إيداع تلك المبالغ في خزينة الدولة اللبنانية، لأن الواهب يحتفظ بها في حسابات خاصة ويحتفظ بحق التوقيع عنها وحسب مشيئته. في تلك الحالات لا يمكن بالتالي إخضاع تلك الهبات لذات القواعد والأساليب المعتمدة في الدولة اللبنانية للإنفاق.
خلاف ذلك، فإن كل مبلغ او حوالة مصرفية حصلت عليها الخزينة اللبنانية او قدمت إلى لبنان في الفترة الماضية، جرى إيداعها في البنك المركزي في حساب الخزينة وجاءت بعلم مجلس الوزراء.
اما بالنسبة للعام 2006 وبعد الاجتياح الإسرائيلي، فقد جرى إيداع تلك المبالغ النقدية التي قُدِّمت للبنان وبمعرفة مجلس الوزراء، في حسابات الهيئة العليا للإغاثة في مصرف لبنان، وحيث يوقع على ذلك الحساب المفوضان بالتوقيع عنها وهما رئيس الهيئة العليا للإغاثة ومدير المحاسبة فيها. ولقد كان يتم ذلك وفق آلية فيها الضوابط اللازمة وتتطلب في المحصلة موافقة عدّة اطراف آخرين، وتحديداً مجلس الجنوب في منطقة الجنوب وصندوق المهجرين لباقي المناطق اللبنانية قبل ان يوقع رئيس الهيئة العليا للإغاثة وبالتالي قبل ان يتم الإنفاق. ولقد تم اعتماد هذا الأسلوب للإسراع في دفع المبالغ اللازمة للبدء بعملية الإعمار والترميم خلال وبعد العدوان الإسرائيلي على لبنان في العام 2006. هل نسوا ذلك؟ يا للعجب».
ولفت الى «ان المصيبة المُحزنة الماثلة امامنا ان من يدَّعون تمثيل بعض المواطنين من الذين دمّرت او تضررت منازلهم في حرب تموز 2006 هم الذين ينكرون الآن على الحكومة ما قامت به من جهود مضنية، وهو مسؤوليتها وواجبها، من اجل الإسراع في عودة النازحين اللبنانيين إلى منازلهم وفي الإسراع في دفع التعويضات من اجل تمكينهم من ترميم المنازل وهو ما مكّن الحكومة اللبنانية من تحقيق إنجاز غير مسبوق في استعادة الحياة الطبيعية إلى لبنان وبمناطقه كافة ومنها عودة التلامذة إلى مدارسهم في شهر تشرين الثاني من العام 2006، وبدلاً من ان يقال للحكومة ورئيسها: «الله يعطيكم العافية»، توجه السهام المسمومة لها ولرئيسها. هل هذا شيء يصدق»؟.
وجزم «بان جميع تلك المبالغ التي تلقاها لبنان قد اودعت في مصرف لبنان ومعروف كيفية إنفاقها ولمن دُفعت تلك المبالغ وهي مسجلة في حسابات الهيئة العليا للإغاثة، إذ تظهر التقارير الدورية الصادرة عنها كل المعلومات المتعلقة بالإنفاق. وصدر كتاب خاص بذلك اعدّه رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء يحيى رعد.
كذلك فإن تلك المعلومات مبينة ايضاً في حسابات الهيئة لدى مصرف لبنان، اذ ان كل مبلغ دفع من قبل الهيئة كان بموجب شك يصدر باسم المستفيد الأول وذلك خلافاً لما كان يرغب به الحزب وغيره. ولمن يريد ان يتحقق من ذلك فلديه كل الإمكانية ليتثبت من كل قرشٍ تسلمته الحكومة اللبنانية وكل قرش دُفع للمتضررين».
وقال «لقد لفتني كلام احدهم عن مبالغ اخرى من الأموال وكأن هناك اموالاً اخرى قد مُنحت للبنان وهي غير ظاهرة في حسابات الهيئة في مصرف لبنان. فليخبرنا من يتحدث عن هذا الموضوع بغير علم من قدّم تلك الأموال، وليسأل تلك الدول عمّا إذا كانت قد قدمت مبالغ غير ما هو مسجّل في حسابات الهيئة ومصرف لبنان، واين اودعت. يا للعجب! وكما يقول المثل العامي: «الكذب على الميتين وليس على الأحياء».
اضاف «هذه هي النتيجة من جرّاء إطلاق الشائعات والأضاليل من قبل اصحاب النوايا السيئة، التي تؤدي في المحصلة إلى الشحناء والبغضاء وإثارة الفتن وعدم الاستقرار. ليس ذلك فقط، بأنها لا تؤدي إلى إيجاد الحلول كمثل هذه المسألة العائدة للأحد عشر مليار دولار التي لم تكن إلا عاصفة في فنجان وكان بالإمكان حلّها بالعودة إلى الأصول وبإقرار الموازنات واعتماد المعالجات التي نصّت عليه القوانين».
واستشهد بطرفة «كنت قد تحدثت عنها في إحدى جلسات الهيئة العامة لمجلس النواب قبل فترة والتي تقول: ان احدهم، وبينما كان يمشي في احد شوارع المدينة عقب غروب الشمس، إذا به يصادف رجلاً منحنياً يفتش في الأرض تحت ضوء البلدية. فتوقف عنده ليسأله عما يبحث. فأجابه: بأنه يبحث عن ليرة ذهبية اضاعها. قال له واين اضعتها؟ فأشار له ذلك الرجل إلى مكان بعيد عن وجودهما وبأنه اضاعها هناك. فقال له: ولماذا تبحث عنها هنا إذاً؟ فردّ عليه قائلاً: لأنه يوجد هنا بعض النور يمكن ان استضيءَ به، هذا مع إدراك ذلك الرجل بأنه لا يفتش في المكان الصحيح. هذا يعني ان التفتيش عن حلّ للمشكلات التي يُعاني منها مجتمعنا اللبناني، ومن ذلك مسألة الفساد، إنما يتم البحث بها وعنها بالطريقة وفي المكان الخطأ، وهذا لا يؤدي بنا للوصول إلى الحلول الناجعة والصحيحة لتلك المشكلات ومنها مشكلة الفساد».
وشدد الرئيس السنيورة على «ان الفساد الأكبر والشر الأعظم هو الفساد السياسي، ويعتبر فاسداً سياسياً كل من يقيم دويلات داخل الدولة، ويسيطر على مرافقها، ويغل يد القانون عن الوصول الى اي كان وإلى كل مكان، ومن يعطّل الاستحقاقات الدستورية، ومن يحول دون تطبيق الأنظمة والقوانين، ومن يسخِّر النصوص القانونية فيجعلها كالجواري في بلاط القوة الفائضة».
وقال «عن الفساد السياسي الفوضى في النظام العام والارتباك في الوظيفة العامة واستتباع الدولة ومؤسساتها لصالح الميليشيات وملوك الطوائف وفقدان السيطرة من قبل رجال السلطة وتعدد الولاءات وانفساح المجال واسعاً امام التعدي على القطاع العام ونهب ثرواته ولجوء المرتكبين إلى طوائفهم لكي يحتموا من الملاحقة والمحاسبة. ويتفرع عنه ايضاً ضعف الانتماء الوطني ليتحول إلى انتماءات مذهبية وطائفية بحيث تفقد الهوية الوطنية طابعها الموحِّد للمواطنين فتضيع بذلك المساواة فيما بينهم. ويتفرع عن هذا ايضاً وايضاً فقدان المعايير وضياع مرجعية الدستور بحيث يمكن للمهيمنين ان يعدِّلوا الدستور بالممارسة كما يقولون ويبتكروا في كل يوم قاعدةً جديدةً تخدمُ مصالِحَهُمُ المتبادلةُ بحسب الظروف والأحداث».
واعتبر «ان من نَصّب نفسَهُ والياً للحسبة من دون ان تكونَ لديه المرجعيةُ الأخلاقيةُ ولا القانونيةُ لمحاسبة الآخرين يرفض بصورةٍ كلية الاحتكام إلى علم المحاسبة والتدقيق ومرجعية المستندات ويتحصن خلف عقيرته العالية وفظاظة تعابيره لكي يُبقيَ على نفسه سلطاناً جائراً، ويُبقي قبضته في الوقت ذاته على سائر المواطنين ويضعهم في حالة اتهامٍ دائمٍ بوطنيتهم وشرفهم واستقامتهم ونظافة كفهم. وبناءً على ذلك، يُجْلَدُ المستهدَفون من اللبنانيين يومياً من قبل من يتشبّه ويا للأسف بأسلوب المحاكمات الميدانية التي كان يرأسها المهداوي ايام حكم عبد الكريم قاسم في العراق او تلك التي شهدتها فرنسا عقب الثورة الفرنسية، ويمارسه ضد الشرفاء. ويتفرع من هذا ايضاً الاستهانةُ بالمالية العامة وبإيراداتها وضرائبها ورسومها الجمركية فتتحولُ الدولةُ إلى مزرعةٍ يجنون ثمارها ولا يحرثون فيها».
ولفت الى «ان من ادخل نفسه في مأزقه السياسي وتورط في النزاعات الإقليمية والدولية معرّضاً مصالح لبنان واللبنانيين والدولة، والتي لا قدرة لها ولهم على مواجهتها واخذ الدولة رهينة وعرضها للمخاطر وعطّل مؤسساتها ومواعيدها الدستورية، ومنع دوران العجلة الاقتصادية بصورتها الطبيعية وحجب اموال الجمارك عن خزينة الدولة عبر رسوم جمركية خاصة به في عدد من المنافذ، والذي صادر قرار الحرب والسلم، وخاض حروباً مدمّرة للبلد واقتصاده وبنيته التحتية والتي كلّفت الخزينة اموالاً باهظة وحالت دون استمرار تحقيق النمو المستدام، إذ ادخل البلاد في مرحلة من التراجع الاقتصادي ابتداءً من العام 2011 حيث انخفض النمو إلى حدود الواحد بالماية سنوياً بعدما بلغ 8.5% سنوياً على مدى السنوات 2007-2010، وفرض تحول الفائض الكبير في ميزان المدفوعات إلى عجز كبير مزمن، كذلك منذ العام 2011. وهو من دفع إلى تهميش مؤسسات الدولة، والذي لم يصرح عن الهبات الإيرانية المباشرة دون علم الدولة بها، وهو يتصرف وكأنه امتداد لنظام اجنبي، والذي احتلّ ساحات الوطن واعتدى على المواطنين الآمنين في حياتهم وامنهم واملاكهم، والذي يحاول إدخال لبنان في سياسة المحاور والتدخل في شؤون الدول الشقيقة والمشاركة في قتل ابنائها، وذلك خلافاً للسياسة التي اعتمدتها الحكومة بالنأي بالنفس».
وجزم «بأن من فعل ويفعل كل ذلك لا يحق له ولا ينبغي أن يستتر في مأزقه وراء غبار غث لا يدوم. ولدينا ما يكفي من الضوء لكشفه وتبديده. فمن عاش حياته في كنف الدولة وظِلِّ القانون وانفق خبرته وجهده في خدمة مشروع النهوض الوطني وتحديث مالية الدولة لا تشغله هذه الحملة الجديدة من الافتراءات التي اعتاد عليها فصدَّها في كل مرة وهو مستعدٌ لصدِّها في كل حين».
السنيورة ينتقل الى الهجوم مضيئا على «الفساد الاكبر»!
خطابٌ 14 آذار حازم مطلوبٌ اعتناقه للجم «حزب الله»
لم يكتف الرئيس فؤاد السنيورة بالرد «علميا»، بفنّ الأرقام والجداول الذي يتقنه جيدا، على الحملة التي أطلقها حزب الله ضدّه، وإن من دون تسميته، لتحميله وفريقه السياسي وصولا الى نهج «الحريرية» ككل، مسؤوليةَ هدر 11 مليار دولار من الخزينة. وبحسب ما تقول مصادر سياسية سيادية ، فإن أبرز مهندسي السياسات المالية للبنان في تاريخه الحديث، وبعدما وضع النقاط على الحروف وأعلن تصميمه على تصويب المفاهيم الخاطئة التي يحاول البعض تسويقها وإدخالها كمسلّمات الى «لا وعي» الرأي العام اللبناني – قائلا «أعددت دراسة كاملة سأزوّد بها الرؤساء الثلاثة والنواب والوزراء للانتهاء من القصص التي تشوه عقول الناس وكي يكون الامر واضحاً لدى الجميع»- أخذ المواجهةَ مع الخصوم الى مكان آخر، فانتقل من الدفاع عن النفس الى موقع «الهجوم»، واضعا اياهم في «بيت اليكّ».
فهو قال ان «قضيّة الـ 11 مليار دولار عاصفة في فنجان ومُحاولة يقوم بها فريق مُعيّن لحرف انتباه الناس نحو مسائل أخرى تُخفي ما يقوم به من ممارسات»، معتبرا ان «الفساد الاكبر والشر الاعظم هو الفساد السياسي وكل من يقيم دويلات داخل الدولة ويسيطر على مرافقها ويعطّل الاستحقاقات الدستورية»، لافتا ايضا الى ان «من ادخل نفسه وتورط في نزاعات اقليمية ودولية معرضاً مصالح لبنان واللبنانيين واخذ الدولة رهينة وعرّضها للمخاطر وعطّل المؤسسات ومواعيدها الدستورية والعجلة الاقتصادية لا يحق له ان يستتر في مأزقه امام غبار لا يدوم، ولدينا ما يكفي من الضوء لتبديده».. ووفق المصادر، فإن الخطاب الذي تحدّث به الرئيس السنيورة، والذي يعكس في الواقع النَفَس الـ14 آذاري الأصيل والصافي، يُفترض ان يتحدّث به جميع أهل هذا الفريق السياسي لوقف «الطحشة» التي أطلقها «حزب الله» ضده، ليس لأن 14 آذار ضد مكافحة الفساد، بل لأن الضاحية تتطلع الى الفساد بعين واحدة ويبدو انها في صدد استغلال هذه القضية للتصويب على فئة معينة من اللبنانيين، لـ»الانتقام» منها سياسيا. فالجدير بالحزب، لو كان صادقا في معركة بناء الدولة والاصلاح، البدء بمعالجة مكامن الهدر الكبرى التي له يد فيها، دائما وفق المصادر، كالتهريب في المرافق الحيوية للدولة والتجارة بالممنوعات وامتلاك السلاح خارج الشرعية وتغطية المطلوبين للعدالة (…) قبل ان يراشق بيوت الاخرين بالحجارة! وفي رأي المصادر، لو اعتنق «الآذاريون» هذه النبرة الحازمة والصارمة، ووقفوا صفا واحدا في وجه حملات حزب الله، رافعين شعار «إن بليتم بالمعاصي فاستتروا»، لما كان الاخير وصل الى حدّ تصوير نفسه المنقذ من «فساد» الآخرين، فيما ملفات المقربين منه الضالعين في تجارة الكبتاغون وفي التحضير لعمليات اغتيال (محاولة اغتيال بطرس حرب مثلا) لم تُطوَ بعد..
على اي حال، تشير المصادر الى ان حضور النائب بهية الحريري ونواب كتلة المستقبل، مؤتمر السنيورة، يعكس احتضانا مستقبليا كاملا له وطروحاته، ويدل الى ان التيار الأزرق يرى في ممارسات حزب الله ضربا لنهج الرئيس رفيق الحريري السياسي والمالي ككل (وهو ما جاء في بيان كتلة المستقبل الاخير).
ومع انها تعتبر ان مشاركة الرئيس سعد الحريري في المؤتمر، كانت لتعطيه وقعا أكبر وتأثيرا أقوى، فإنها تتوقف ايضا عند صورة حضور النائب السابق فارس سعيد وركائز حركة ثورة الارز، فيه، معتبرة ان المشهد معطوفا الى المضمون، حرّك في الاذهان حنيناً الى أيام 14 آذار المجتمعة والموحّدة، التي لو لم تتباعد أعمدتها، لما كان خصومها اليوم يفرضون شروطهم.. ويحاضرون بالنظافة!