حراك الشارع الساعي الى محاسبة المسؤولين السياسيين على ما اقترفت ايديهم في حق الدولة والمواطنين في حاجة الى من يحاسبه. «طلعت ريحتكم» فاحت رائحة ممارسات ناشطيها من مشهد الخراب والتكسير والمواجهات الليلية في ساحة الشهداء و»بدنا نحاسب» تجب محاسبتها على ممارسات عنفية صدرت من بعض مناصريها و»حلوا عنا» تحولت عبارة رددها معظم من تسنى له من اللبنانيين معاينة مشهد الخراب والتكسير الذي خلفته الاشتباكات بين متظاهري الحراك والاجهزة الامنية ليلا. اما «التغيير» فلن يجيء حتما من بوابة العنف المتمادي وفصول الاستنفار المدني والامني المتنقل بين ساحات العاصمة اسبوعيا.
شراسة المتظاهرين واعتداءاتهم على القوى الامنية بالحجارة والمفرقعات ورد عناصر مكافحة الشغب عليهم بخراطيم المياه والقنابل الدخانية والمتاريس في وسط بيروت لمنعهم من الوصول الى ساحة النجمة بما تمثل، في ما لم يتم الاستعانة بالجيش، استحضر من ذاكرة اللبنانيين فصول الحرب الاهلية البغيضة التي لا يرغب أحد باستذكارها، حتى اكثر المستائين من ممارسات اهل السلطة المتلكئين عن تأمين ابسط حقوق المواطن والغارقين في سجالات اتهاماتهم المتبادلة بالسرقة والفساد ووحول تقاعسهم عن واجباتهم الوطنية واكوام النفايات التي لم تجد سبيلا للحل منذ اكثر من شهرين على الازمة.
انطباع سلبي
والمشهد السوداوي الذي نام المواطن على وقعه لم ينته فصولا نهارا، اذ استفاق على حجم الاضرار الهائلة في الممتلكات الخاصة والعامة وسط تساؤلات عمن يعوض على المتضررين ومن يضمن عدم تكرار المواجهات واضرارها وما حدود الفوضى في الشارع والمدى الممكن بلوغه. وترك المشهد الكارثي الذي خلفته المواجهات، في محيط مبنى «النهار»، انطباعا سلبيا لدى عدد لا بأس به من المراقبين الذين كانوا حتى ألامس القريب، من داعمي الحركة تلك، واعتبروا عبر الـ»المركزية» ان «ما جرى في العاصمة أعمال شغب مرفوضة.
ساحة حرب
وكانت العاصمة استفاقت على هول مخلفات المواجهات، حيث غطت الحجارة الشارع المؤدي من «النهار» الى ساحة النجمة، وسط عوائق حديدية مرمية أرضا، وحطام زجاج متراكم. واستدعى المشهد زيارة تفقدية من وزير الداخلية نهاد المشنوق، والمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص. ومع تقدم ساعات النهار، باشرت القوى الامنية ورشة لإزالة العوائق الحديدية والاسلاك الشائكة والمكعبات الاسمنتية، قبل ان تبدأ بإزالة الحجارة التي رماها المتظاهرون، مستعينة بجرافات. في الموازاة، تولى عمال «سوكلين» تنظيف المكان ورفع الزجاج من الارض. ومع انتهاء هذه الورشة، أعيد فتح الطريق امام السيارات، وعادت الحركة الى طبيعتها.
موقوفو الحراك
وسط هذه الاجواء، اعتصم ناشطون من الحراك المدني أمام المحكمة العسكرية في المتحف، للمطالبة بالإفراج عن المتظاهرين الذي اوقفوا مساء اول امس وبعدم تحويلهم إلى المحكمة العسكرية، وعددهم نحو 40 شخصا. وأشار محامو الحراك، بعد لقائهم مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، الى ان الأخير، أكد لهم ان لا يمكن الافراج عن المعتقلين قبل اتخاذ الاجراءات القانونية في حقهم. وبعد الظهر امس، أعطى صقر تعليماته الى القوى الامنية بالسماح للموقوفين الاتصال بذويهم وطمأنتهم الى حالهم، وافادت اوساطه ان من يتبين ان لا جرم عليه يتم تركه، وقد ترك اربع فتيات وقاصرا وشخصا آخر مساء امس.
في المقابل، دعا الحراك الشعبي الى الاعتصام امام وزارة الداخلية في السابعة مساء «تضامنا مع المعتقلين ورفضا لقمع المتظاهرين ومحاكمتهم امام القضاء العسكري».