أصدر الرئيس سعد الحريري بيانا تناول فيه جملة من الأوضاع اللبنانية، متوقفا بوجه خاص عند مشكلة النفايات ومخاطر استمرارها، وقضية الحوار الوطني على وقع المواقف الاخيرة لقيادة «حزب الله».
وقال الحريري في البيان: «لا يمكن لأي لبناني يملك ذرة واحدة من الإحساس بالمسؤولية، الا ان يشعر بالإهانة امام مشاهد النفايات التي طافت في شوارع بيروت وسائر المناطق، والتي لم يعد من الجائز التردد في معالجتها والاستمرار في اعلان العجز عن مواجهة مخاطرها. المطلوب وضع القرار الذي اتخذته الحكومة موضع التنفيذ، سواء من خلال المراسيم والاجراءات التي تتطلبها عملية التنفيذ، او من خلال وضع كل الجهات المعنية امام مسؤولياتها. ونحن في هذا المجال نقف بكل قوة وراء رئيس الحكومة تمام سلام، ونجدد ثقتنا بإدارته وحكمته ورئاسته وقدرته مع فريق العمل برئاسة الوزير أكرم شهيب، على تحديد الخطوات الآيلة لتذليل العقبات التي تحول دون تنفيذ الخطط الممكنة والعملية، والتأسيس لمشروع بيئي متكامل يكون في مستوى آمال المواطنين وهيئات الحراك المدني».
مشكلة النفايات
أضاف: «ان حل مشكلة النفايات يتطلب تحمل الجميع مسؤولياتهم لتمكين الرئيس سلام من الدعوة لأسرع اجتماع لمجلس الوزراء، المسؤول عن إعداد الخطط وتنفيذها في نطاق المصلحة الوطنية ومصالح المواطنين كافة. ان طغيان الاهتمام بمشكلة النفايات، وتصدر هذه المشكلة واجهة الأحداث والمخاوف الشعبية، استطاع مع الأسف ان يحجب الاهتمام والتداول في البنود المدرجة على جدول اعمال الحوار الوطني، والقضايا الخلافية التي تتهدد المصير الوطني في الصميم. وهنا تكمن الحاجة الحقيقية للحوار، الذي طالبنا به فور الانتهاء من حضور افتتاح جلسات المحكمة الدولية في لاهاي، وأكدنا ان مسار العدالة الدولية في قضية الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لن يشكل عقبة في طريق اي حوار يحمي الاستقرار الوطني ويؤمن الشروط الممكنة لإدارة شؤون الدولة ومصالح المواطنين». وتابع: «هذه مناسبة لتجديد الالتزام بالحوار، على رغم المحاولات الجارية لاغراقه بالجدل العقيم والبنود الطارئة وخطاب التهويل على اللبنانيين باستحقاقات إقليمية من هنا وانتصارات موهومة من هناك. نحن بكل بساطة ووضوح، نريد للحوار ان يستمر في نطاق المصلحة الوطنية اللبنانية دون سواها، وليس في نطاق الشروط المسبقة والإملاءات الخارجية والاستقواء بالعروض العسكرية، او تحت سقف التهويل بأن ما لن نرضى به اليوم سنرضى به بعد ان تستقيم الامور لبشار الأسد، ويعود مسلحو حزب الله من حلب وحمص وادلب برايات «الانتصار» على الشعب السوري. وبكل بساطة ووضوح نقول ايضا، ان تعليق الآمال على التدخل العسكري الروسي في سوريا لقلب طاولة الحوار في لبنان هو رهان في الاتجاه السياسي الخاطىء، وإذا كان البعض يجد في هذا التدخل محاولة أخيرة لإنقاذ رئاسة بشار الاسد من السقوط، فإننا على يقين، بأن لا شأن للتدخل الروسي ولا صلة له بتحديد مصير رئاسة الجمهورية في لبنان والأمور التي تنظم العلاقة بين اللبنانيين».
ضجيج اعلامي
وقال الحريري: «لقد سمعنا في الايام الاخيرة ضجيجا كلاميا حول الحوار، ودعوات لتيار المستقبل وقوى 14 آذار، بالتوقف عن المراهنة على متغيرات إقليمية، وبشرنا اصحاب هذا الكلام بأن الامور ذاهبة الى مزيد من التعقيد، ولا خيار أمامنا بالتالي سوى النزول عند رغبات حزب ولي الفقيه، وهي التسمية التي نطق بها السيد حسن نصر الله لتعبر عن الحقيقة السياسية لحزب الله، بصفته حزبا ايرانيا كامل المواصفات. حزب الله لا يريد حوارا يناقش خروجه على الاجماع الوطني وذهابه للقتال في سوريا. وحزب الله لا يريد حوارا يعالج خروجه على النظام العام واعتبار مناطق نفوذه السياسي محميات عسكرية وأمنية، يمنع على الدولة واجهزتها التدخل فيها. وحزب الله لا يريد حوارا يقارب انتشار السلاح والمسلحين في كل المناطق، لان ما يسمى بسرايا المقاومة يجب ان تبقى عصية على الشرعية وقوانينها. وحزب الله كما اتحفنا السيد حسن مؤخرا، يريد حوارا نترك فيه موضوع رئاسة الجمهورية جانبا ونذهب الى امور اخرى. مسلسل متواصل من البدع السياسية التي لا وظيفة لها سوى استنزاف الحوار، وابقاء رئاسة الجمهورية معلقة الى أجل غير محدد».
أضاف: «إننا من جهتنا، لا نرى وظيفة للحوار الوطني في هذه المرحلة من حياة لبنان، سوى البت بمصير رئاسة الجمهورية وانهاء الفراغ في سدة الرئاسة، والتوافق على شخصية وطنية تعيد الامساك بمفتاح تكوين السلطة وتفعيل عمل المؤسسات الدستورية. خلاف ذلك، يذهب حزب الله بالحوار الى الدوران في دوامة الانتظار الإقليمي، وهو انتظار لن يجدي نفعا، مهما طال أمده او قصر. لا فائدة من المكابرة التي تتكرر في كل خطاب بأن حزب الله لن يخرج من ساحة القتال في سوريا. لان عدم الخروج فيه المزيد من الغرق في وحول سوريا، والمزيد من الضحايا في صفوف ابناء الطائفة الشيعية، والمزيد من تأجيج الاحتقان والانقسام الداخليين. لا فائدة من سلوك طريق الاستقواء والاستعلاء على اللبنانيين، وتعبئة النفوس بشعارات الضغينة المستوردة من ايران، ولا فائدة من توسل رضا ولي الفقيه برفع وتيرة العداء ضد المملكة العربية السعودية واستغلال المنابر الحسينية لتحريض فئات مضللة من الشيعة اللبنانيين عليها، في واحدة من أقبح المشاهد المسيئة للعلاقات التاريخية بين لبنان والسعودية. ولا فائدة بالتأكيد من ركوب مركب الحوثيين في اليمن وادعاء القدرة على القتال في كل الساحات، من خلال بطولات فارغة تنصر الظالم على المظلوم، وتعلن النفير العام للانضواء تحت رايات الحروب الأهلية».
لا شهادات براءة
وتابع: «نحن نعلم ان حزب الله لن يأخذ بوجهة نظرنا للامور، طالما هي معنية بإعلاء شأن الدولة والشرعية على أي شأن آخر، وطالما ان تيار المستقبل ومعه قوى 14 آذار لن يقدم للحزب شهادات براءة ذمة لسجله الحافل بالارتكابات في لبنان وسوريا واليمن والعراق وغيرها من الساحات. هو حزب ولي الفقيه، ويستحيل لمثل هذا الحزب ان يعمل خارج إرادة الولي الفقيه. والشواهد على ذلك لا تعد ولا تحصى، منذ نشأة الحزب في الثمانينات على أيدي الحرس الثوري في دمشق، الى الساعة التي نشهد فيها عودة عناصر وقادة الحزب والحرس الثوري بأكفان الدفاع عن بشار الاسد في سوريا».
وختم: «لكننا على الرغم من كل ذلك، لن نهدي حزب الله فرصة القضاء على الحوار، لان لا سبيل سواه لتنظيم الخلافات مهما اشتدت، ولان على طاولة الحوار يجلس شركاء لنا في الولاء للبنان وأمناء على المصلحة الوطنية وقواعد العيش المشترك بين اللبنانيين. الحوار خيارنا منذ البداية وقد بادرنا اليه وتمسكنا به في أصعب الظروف، وهو ليس منة من احد، ولن يكون شقة مفروشة بأثاث إيراني، يدعو لها حزب الله من يشاء وساعة يشاء».