شكّل «لقاء الرابية» مدماكا اضافيا في حائط الرفض المسيحي الذي اصطدمت به التسوية منذ طرحها. فاذا كان اعتراض القوات اللبنانية والكتائب على انتخاب رئيس المردة النائب سليمان فرنجية، مبررا، نظرا الى الخلاف السياسي الاستراتيجي بين الطرفين، الا ان فرنجية، لم ينجح بالأمس في اقناع حليفه رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب العماد ميشال عون بالانسحاب من السباق الى بعبدا، طالما ان الفرصة متاحة أمامه اليوم لايصال خطهما السياسي المشترك الى الرئاسة الاولى، ما كرّس موقف الثلاثي المسيحي المتصلّب من التسوية.
غطاء مسيحي
أمام الامر الواقع هذا، ولمّا كانت الانتخابات الرئاسية لا يمكن ان تحصل من دون غطاء مسيحي يؤمنه اي من الاحزاب المسيحية الاربعة الوازنة أو بكركي، تشير مصادر سياسية متابعة لمسار التسوية الى ان ديبلوماسيين غربيين ينشطون على الساحة اللبنانية، كان آخرهم القائم بأعمال السفارة الاميركية ريتشارد جونر، سيكثفون في الايام المقبلة حركتهم، حاملين رسالة واضحة المعالم الى القوى المسيحية تستعجل انجاز الانتخابات الرئاسية واغتنام الفرصة التي تشكلها التسوية المطروحة اليوم، والا فالاتفاق فيما بينهم على مرشح جديد، لكن المهم ملء الشغور.
وبعد «خلوة الرابية الثلاثية» التي أكدت وفق المصادر ان وصول أي من الاقطاب الموارنة الاربعة الى سدة الرئاسة ليس متاحا حاليا، لعقبات محلية أو خارجية اعترضت وتعترض طريق ترشيحاتهم، فان الانظار متجهة الى معراب والرابية، حيث من المرتقب حسب المصادر، ان تنطلق بين الطرفين حركة اتصالات مكثفة تركّز على سبل الخروج من المأزق الذي يخلقه الشغور الرئاسي والذي زاد تعقيدا بعد طرح الرئيس سعد الحريري استعداده لدعم ترشيح فرنجية.
إعلان النيات
وتشير الى ان مشاورات جدية يجب ان تنطلق بين طرفي اعلان النيات للوصول الى طرح اسم جديد ينقذ الاستحقاق الرئاسي، حيث لا يمكنهما الاكتفاء بتعطيل ترشيح فرنجية من دون طرح اسم بديل، علما ان اقدام رئيس «القوات» سمير جعجع على دعم ترشيح العماد عون مستبعد لان الاخير لم يتمكن خلال عام ونصف من تأمين الاجماع المطلوب، كما ان جعجع يحاذر تأييد عون كونه حليف حزب الله، ولا يريد ان تبدو خطوته كرد فعل على خطوة الحريري. انطلاقا من هنا، ترى المصادر ان البحث يجب ان يتركز على شخصية توافقية، لكن جعجع المستعد للانسحاب لصالح مرشح وسطي أمامه مهمة صعبة تتمثل في اقناع عون بالانسحاب ايضا، الا ان المصادر تشير الى ان جعجع سيحاول عرض أسماء مقبولة من الجميع تكون بعيدة من الوسط السياسي وربما تكون خلفيتها اقتصادية أو مالية، لا طموحات أو أطماع سياسية لها، أي أنه سيطرح على الجنرال الذهاب نحو خيار يطمئن الجميع ولا يتحدى احدا». في المقابل، تتحدث المصادر عن سيناريو آخر بعد لقاء الرابية، قد يكون فيه الجنرال اقتنع بالانتقال من ضفة المرشح الى ضفة الناخب الاقوى، فيشترط ان ينفرد في تسمية المرشح البديل الذي سيصل الى الرئاسة.
ضغط على الجنرال
واذا كانت المصادر لا تستبعد ان يضغط «حزب الله» في هذه الحال على الجنرال، ليعلن دعم فرنجية، فانها ترى ان الخيار الامثل يكون بأن يتشاور الجنرال مع القوات اللبنانية والكتائب، فيؤيد شخصية توافقية برعاية بكركي، تستمد قوتها مستقبلا من وقوف القوى المسيحية الاكبر الى جانبها.
في الانتظار، بات شبه محسوم وفق المصادر، ان موعدي 16 أو 22 كانون الاول الجاري اللذين عوّل على انجاز الاستحقاق الرئاسي في احدهما، طارا وقُذفت معهما كرة الرئاسة الى العام المقبل. أما الاطراف المسيحية فتجهد من جهتها لتثبيت فترة تجميد التسوية وتمديدها بما يتيح اتفاقها على الصيغة الفضلى لاتمام الانتخابات.
و تبقى العين على حزب الله وكيفية مقاربته للواقع الجديد ، بعدما عوّل على لقاء عون فرنجية كمحطة ما قبلها ليس كما بعدها، بيد ان القَبل والبعد لم يتغيرا، فأين سيقف الحزب وهل في ضفة عون، الحاجة السياسية غير الممكن الاستغناء عنها راهنا ام في ضفة «مشروع الرئيس» فرنجية الذي لا يمكن عدم دعمه للوصول الى بعبدا بصفته أحد قيادات 8 آذار؟
حاجة ماسة للحزب
تقول اوساط سياسية مطلعة ان الحزب لا يمكنه ان يترك لا هذا ولا ذاك فالاثنان حاجة ماسة له راهنا، وليس صمته المطبق منذ نحو ثلاثة اسابيع، مع انطلاق التسوية، سوى الوجه الآخر للموقف المحرج الذي وُضع فيه عبر تسوية تصفها الاوساط بضربة معلم، والبحث عن مخرج يجنّبه كأس الافتراق عن أحد الحليفين . وتضيف ان الحزب يخفي خلف صمته جهودا جبارة يبذلها خلف الستارة لدوزنة الموقف بين الحليفين بحيث يربحهما معا، باعتبار ان خسارة اي منهما ستكون باهظة الثمن، وينتظر موقفاً علنياً من الرئيس سعد الحريري واشارة اقليمية يبدو طال انتظارها ليخرج بعدها عن صمته ويحدد موقفه وشروطه.
وتشير الاوساط في السياق، الى ان حزب الله يفضل ان يعلن الرئيس سعد الحريري ترشيح فرنجية لينصرف آنذاك، وفي ضوء الاعلان، الى طرح مطالبه وشروطه للتسوية بما يؤمن له مكاسب سياسية تشكل بالنسبة اليه «مغنما» للمرحلة المقبلة التي ستشهد تسويات على المستوى الاقليمي، توجب ان يكون محصنا بعدها بمكاسب تمنحه قوة سياسية تعوّض عن «فقدان المناعة» الامنية اثر العودة من سوريا الى المربع اللبناني حصرا.
فرصة للتأييد عون
وتشير الاوساط الى ان الرئيس الحريري منح فرصة التأييد لعون تماما كما فرنجية، فهو قال للرجلين الكلام نفسه، « لك تأييدنا متى أمنت التوافق الداخلي حولك». وبعد لقاء الحريري- عون في روما، تبين ان عون لم يتمكن من تأمين التوافق، فذهب الحريري ومن خَلفه من الدول الساعية الى انتخاب رئيس للبنان، الى خيار فرنجية بالموقف ذاته، ما دام الغرب على يقين بان فريق 8 آذار هو الاقوى ميدانيا ويفترض ان ينتخب الرئيس من اهل بيته، على ان تناقش سائر الاستحقاقات في حينها. وتختم الاوساط بالقول ان التسوية حصلت تحت «علم وخبر» اقليمي دولي، لكنها تبقى حتى الساعة رعاية من دون قرار.