الوضع الداخلي اللبناني على حاله، وبعيدا عن عطلة الاعياد، فان الانظار شاخصة الى مطلع العام المقبل، عله يكون أفضل مما سبقه سياسيا وأمنيا، خصوصا وان رئيس مجلس النواب نبيه بري قال في لقاء الاربعاء عن العام المنصرم «تنذكر ما تنعاد»، وهذا أبلغ كلام عما حمله الـ 2015 من أزمات على مختلف الصعد، ولم تتمكن الحكومة مع استمرار الكرسي الرئاسي فارغا في قصر بعبدا، من حل أقلها وهي أزمة النفايات التي رحلت من جلسة تعطيلية الى جلسات أخرى، الى ان استقر الرأي على ترحيلها الى الخارج، مع غياب الآلية والاستراتيجية الواجب اعتمادها واطلاع اللبنانيين على تفاصيلها ومعرفة تمويلها، والذين هم على يقين وكما العادة ستمول على حسابهم ومن جيوبهم عبر فرض ضرائب اضافية عليهم.
الاستحقاق الرئاسي
فعلى صعيد الاستحقاق الرئاسي، ومع أن مواقف حزب الله من بكركي يوم الثلاثاء جاءت شديدة الوضوح لجهة الاستمرار في الوقوف خلف ترشح رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب العماد ميشال عون وعدم توافر النية لتذليل العقبات التي تعوق طريق «تسوية فرنجية» الرئاسية كما جاء على لسان رئيس المجلس السياسي السيد ابرهيم امين السيد، فقد نقلت «وكالة الانباء المركزية»، عن اوساط سياسية مطلعة، قولها:» ان من يتأنى في قراءة الموقف بكامله ويقرأ بين سطوره يمكن ان يصل الى خلاصات مفادها ان الحزب لم يوصد الباب بالكامل أمام التسوية الرئاسية بل ابقاه مفتوحا نصف فتحة او ترك في الحد الادنى نافذة على الحوار يمكن التثبت منها من خلال قول السيد « لا نقبل أصلاً ان تقوم الأطراف كلها بأدوارها في ما يخص التسوية في موضوع الرئاسة ثم يكون دورنا الوحيد هو ان نقنع ميشال عون بالتنحي عن ترشحه لرئاسة الجمهورية. هذا الأمر لم ولن يكون».
رسالة فائض القوة
وتشير الاوساط عينها الى «ان في المقولة الآنفة الذكر الكثير من المعاني الواجب التوقف عندها والمتضمنة رسائل الى القوى السياسية كافة. فالحزب لم يخف عتبه على مخرجي التسوية الذين لم يشركوه في اي دور تنفيذي او حتى في سيناريو الاعداد، وهو من موقع فائض القوة الذي يخوله التحكم باللعبة السياسية برمتها لن يرضى ان يقصيه اي فريق سياسي عن التسويات المقترحة او طبخات الحلول ولئن كانت تحظى برعاية اقليمية ودولية.
وتوضح ان حزب الله أبلغ رسالته «لمن يعنيهم الامر»، بحيث اذا ما تلقفوا مضمونها يمكن ان يبادروا الى خطوات « تعيد له الاعتبار» وتترك له حيزا في مشروع الحل فيصبح آنذاك الحديث حول حظوظ التسوية أكثر قابلية للترجمة العملية.
البطريرك يهمه ملء الفراغ
وفي السياق، أكدت مصادر اطلعت على أجواء لقاء البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بوفد حزب الله « ان المجتمعين تطرقوا الى الملف الرئاسي وكرر البطريرك موقفه المعهود في هذا السياق لجهة ضرورة انتخاب رئيس جمهورية ووضع حد لحال الفراغ سريعا وتأييده اي مبادرة تخدم الهدف في غض النظر عن الاسم، فكرر السيد بدوره موقف الحزب الملتزم اخلاقيا بترشح العماد عون، مع الاشادة بفرنجية الاخ والصديق الوفي. فبادره البطريرك بالقول «ان الالتزام الاخلاقي يبدأ بالوطن اولا لا بالشخص واذا تقدم الشخص على الوطن تذوب الدولة وتتحلل مؤسساتها». وقالت: «ان الراعي قارب الملف بصراحة مطلقة مؤكدا ان لا مشكلة لديه في اي أسم للرئاسة لكن بعد مرور اكثر من عام ونصف العام على الفراغ في سدة الرئاسة بما تسبب به من تداعيات على مختلف المستويات لم يعد جائزا التمترس خلف اشخاص لم تتوافر حظوظهم الرئاسية، متمنيا على الحزب بذل كل ممكن لحل هذه الاشكالية من موقع الصداقة والتحالف، فاما تأمين فرص الانتخاب من خلال اقناع بعض القوى السياسية بتأييد هذا المرشح او ذاك وتوفير النصاب للجلسة الرئاسية والا فالانتقال الى مربع آخر لاختيار شخصية من خارج نادي المرشحين المعروفين، ممن تتوافر فيهم الصفات الرئاسية ولا يشكلون استفزازا لأي طرف سياسي. وكرر الراعي موقفه الرافض لربط الرئاسة بسلة الحل الشاملة لان من شأن ذلك تأخير الاستحقاق، في ضوء حُزم المطالب والشروط التي ستذر بقرنها في سائر البنود لا سيما قانون الانتخاب الذي يبدو بعيد المنال. وشدد على ضرورة بذل أقصى الممكن لانتخاب رئيس بغض النظر عن اسمه. وطال الكلام كثيرا في الملف حتى انتهى اللقاء الى وعد من الحزب بالسعي لبذل الممكن في هذا الاتجاه.
الرئاسة والسلّة
واذا كان البعض يراهن على اطلالة غير بعيدة للرئيس سعد الحريري يعرض خلالها للتطورات المتصلة بالتسوية، فان مصدرا في «تيار المستقبل» اوضح كما نقلت عنه «المركزية» ان «اصرارنا على انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن بغض النظر عن اسمه، اصبح اليوم أكثر الحاحا لان «حزب الله» يُحاول «الابقاء» على الفراغ تحت عنوان «السلّة المتكاملة» او السلّة الشاملة، التي تتضمّن الشروط والشروط المُضادة».
ولفت الى انه «اذا اراد «حزب الله» انهاء الفراغ من طريق «السلّة» فنحن نريد تضمينها سلاحه غير الشرعي»، معتبراً ان «السلّة» تؤخّر كثيراً انجاز الاستحقاق الرئاسي». ولاحظ المصدر «تصلّبا» في موقف «حزب الله» من بكركي امس، فهو لا يريد التسوية الرئاسية المطروحة حالياً، او انه يريد تسوية بشروطه تسمح له بالسيطرة على البلد في شكل كامل، او انه في الاساس لا يريد اي تسوية في انتظار جلاء الصورة اقليمياً». وشدد على اهمية «ايجاد «بديل» للتسوية المطروحة يحظى «بتوافق مسيحي»، بحيث يصبح «حزب الله» آنذاك في موقف أكثر احراجا».
المردة وطيب العلاقات
في غضون ذلك، وبعد موقف حزب الله من التمسك بعون، سئل وزير المردة ريمون عريجي عما اذا كانت التسوية ماتت وعاد الاستحقاق إلى المربع الاول ، فأكد ان حظوظ انتخاب رئيس مقبول جدا، منبها إلى أن «مسألة انتخاب رئيس جمهورية في لبنان بعد عام ونصف العام من الفراغ في جو معقّد جدا في المنطقة، ليست بالامر السهل، وتاليا، من الممكن أن يأخذ بعض الوقت، وهذا أمر طبيعي». وأكد في المقابل أن «علاقتنا مع حزب الله على أفضل ما يرام، ونسعى دائما إلى إقامة علاقات جيدة مع التيار الوطني الحر».
القرار الاميركي وجولة سلامة
في الاثناء، توقف المراقبون عند جولة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على القيادات السياسية والروحية، حيث زار امس رئيس مجلس النواب نبيه بري، بعدما كان جال أخيرا على رئيس الحكومة تمام سلام والبطريرك الراعي وعدد من الشخصيات، خصوصا ان الجولة أعقبت القرار الاميركي القاضي بفرض عقوبات على «حزب الله»، والذي يلزم المصارف اللبنانية في لبنان والخارج بالتقيد ببنوده كافة، تحت طائلة التشدد في فرض عقوبات بحقها، بإعتبار أن وزارة الخزانة الأميركية قادرة على معاقبة أي مصرف لبناني لا يلتزم بالقرار، وفق ما كان اكد اكثر من مصدر مالي وبالتالي فإن القطاع المصرفي اللبناني، كما سائر القطاعات المصرفية في العالم ملزم بالتقيد بالقرار. ولم تستبعد مصادر متابعة ان تكون جولة الحاكم متصلة بالقرار الاميركي نظرا لحساسية الوضع، علما انه سيترك إنعكاسات مالية ومصرفية على تحويلات «حزب الله» المالية، والمتعاملين معه، وهو أمر عزته المصادر الى بدء مرحلة تضييق الخناق على الحزب لتجفيف منابعه المالية، متوقعة ان تتبع القرار اجراءات اخرى في السياق نفسه. وتساءلت عما اذا كان القرار يقتصر على الكتل النقدية للحزب وشركاته والتحويلات المالية ام يطاول اموال كل من يدور في فلكه وينضوي تحت لوائه من مؤسسات وافراد بمن فيهم وزراء ونواب كتلة «الوفاء للمقاومة» وسائر القياديين والمسؤولين الحزبيين.
شركتا الخلوي
على صعيد آخر، تنتهي اليوم عقود تشغيل شركتي الخلوي «زين» (الكويتية) التي تدير «تاتش» و»أوراسكوم» (المصرية) التي تدير «ألفا»، في وقت حال انسحاب الاخيرة من المناقصات لأغراض يعتبرها وزير الاتصالات بطرس حرب سياسية، دون اجرائها، فبات الاخير أمام خيارات غير سهلة تقضي اما بالتمديد التقني لشهر للشركتين الى حين اجراء مناقصة جديدة، وهو التدبير المرجح، خاصة وأن الخطوة قانونية واردة في العقود الموقعة مع الشركتين، أو باقتراحه ادارة الدولة اللبنانية للقطاع، غير ان هذا الطرح مستبعد سيما وأن وزير الاتصالات يرى فيه خطوة الى الوراء في مسيرة القطاع الذي يقوده القانون 431 نحو الخصخصة. واذا كان حرب يكثف مشاوراته مع رئيس الحكومة تمام سلام للخروج بقرار مناسب، على الارجح اليوم، فان وزراء التيار الوطني الحر وحزب الله واللقاء الديموقراطي مستنفرون لرفض اي محاولة «لتأميم» القطاع، خاصة اذا كانت ادارته ستؤول الى هيئة أوجيرو، في وقت يواصل الحزب التقدمي الاشتراكي تحامله في أعتى حملة قضائية ضد رئيسها عبد المنعم يوسف.