كتب عبد الامير بيضون:
واصلت العاصفة الطبيعية «زينة» مسيرتها أمس لليوم الثالث على التوالي وقد اغرقت غالبية الاراضي اللبنانية بالثلوج، التي وصلت الى مناطق قريبة جداً من الساحل، مصحوبة بموجة صقيع غير مسبوقة، إلا في الحالات النادرة، حتمت اقفال المدارس ودور الحضانة، وخففت من زحمة السير، وأوقعت أضراراً بالغة في المزروعات والممتلكات في العديد من المناطق، وأردت ثلاثة قتلى بينهم راعٍ وطفل سوريين في بلدة شبعا الجنوبية…
وفي ذروة هذا المشهد الذي اشتاق اللبنانيون اليه، وعلى ما كان متوقعاً، فلم يلتئم نصاب الجلسة النيابية السابعة عشرة، كما سائر الجلسات السابقة، ولم تحقق الهدف المرجو في انتخاب رئيس للجمهورية، حيث لم يحضر جلسة الأمس، سوى 47 نائباً، من بينهم نواب كتلة «التنمية والتحرير» (برئاسة الرئيس نبيه بري)، وصل 41 منهم بعد الموعد المحدد، وأرجئت الجلسة الى المحطة الثامنة عشرة في 28 الشهر الجاري… من دون ان يظهر في المعطيات المتوافرة، ما يشير من قريب او من بعيد الى «معجزة» تسحب هذا الاستحقاق من قمقم الشغور، الذي دخل يومه التاسع والعشرين بعد المئتين، ولبنان من دون رئيس للجمهورية…
ومع أن عاصفة الثلوج لم تخرج عن المألوف في مثل هذه الأيام من كانون الثاني، فإن العاصفة الاعلامية والسياسية التي ضربت على مدى الأيام الماضية الداخل الحكومي تتجه الى شيء من «التبريد» على مستوى المواقف…
وقد علمت «الشرق» من مصادر وزارية متابعة، ان رئيس الحكومة تمام سلام، سيجدها مناسبة في جلسة مجلس الوزراء اليوم، ليضع النقاط على الحروف، محذراً من خطورة هذا المسار الذي اعتمده البعض.
وفي هذا، فإن الرئيس سلام «سيحدد (من جديد) آلية تفعيل عمل الحكومة واخراجها من «زنقة» فيتوات القوى السياسية الممثلة في الحكومة وتحرير العمل الحكومي من القيود التي تعرقله واعادة تفعيل الوزارات وتصويب عملها نحو وجهتها الصحيحة…».
المطارنة: الفراغ يعرض لبنان
وبعد فشل الجلسة الانتخابية أمس، بسبب عدم اكتمال النصاب، ومضي المقاطعين في مقاطعتهم، جدد «المطارنة الموارنة» الذين عقدوا اجتماعهم الشهري في بكركي برئاسة البطريرك بشارة بطرس الراعي، دعوة المجلس النيابي الى «القيام بواجبه الدستوري، في انتخاب رئيس للجمهورية، لأن من دونه لا قيام ولا انتظام للمؤسسات». واعتبروا أنه «كلما طال الفراغ في سدة الرئاسة الاولى تعرّض لبنان للانكشاف أكثر داخلياً وخارجياً، وزادت التعقيدات في الملفات الوطنية».
وإذ أشاد المطارنة «بجو الحوار الناشىء بين أفرقاء الداخل اللبناني…» فقد أكدوا «الحاجة الى حوار شامل يستلهم الثوابت اللبنانية، المتضمنة في الميثاق الوطني وفي الدستور»… لافتين الى ان «لا مستقبل واعداً للبنان، اذا استمر أسير المحاور الاقليمية وتلك الداخلية الناشئة عنها، ورهين المصالح الفئوية المذهبية والحسابات الخارجية» مشددين على ضرورة «ايجاد الآليات للحؤول دون تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية في كل استحقاق…»
مذكرين بملف العسكريين المأسورين لدى «داعش» و«النصرة» في جرود عرسال، ومناشدين الحكومة «العمل على انضاج رؤية متكاملة بهذا الخصوص من أجل تحريرهم…».
جعجع: مقاطعة الجلسات غير مقبول وجديون في الحوار
بدوره جدد رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع تأكيده ان «مقاطعة جلسات انتخاب رئيس الجمهورية أمر غير مقبول…» محملاً «الكتل التي تقاطع الجلسات مسؤولية الشلل اللاحق بالبلد…».
وعقب تأجيل الجلسة عقد جعجع مؤتمراً صحافياً في معراب اعتبر خلاله ان «جلسات انتخاب الرئيس تحولت الى نوع من المزاح… وانتقلت من اسمى عمل سياسي الى هذا المستوى المتدني…».
وحول الحوار بين «القوات» و«التيار الحر» قال جعجع «نحن جديون حتى النهاية في هذا الحوار… ويكفي 30 عاماً من الخصام السياسي مع عون». وكشف أنه «جرى تبادل أول ورقتي عمل بين «التيار» و«القوات»، ونحن وصلنا الى هذه المرحلة… وستتم مناقشة ورقتي العمل للخروج بتصور واضح، وبعدها لكل حادث حديث…». مؤكداً ان «الاجتماع ليس فقط للشكل والصورة، وليطمئن الجميع، في حال حصول الاجتماع، لا يوجد خلاف على مكانه، فالجنرال لا مشكلة لديه في زيارة معراب، وأنا ليس لدي أي مشكلة في زيارة الرابية…».
وتابع جعجع: «في آخر مقابلة للجنرال عون قال: أنا أريد الجمهورية قبل الرئاسة، وأنا أؤيده تماماً…».
من جهته أكد أمين سر تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ابراهيم كنعان «ان مسار المحادثات مع «القوات» يتم بالسرية…» لافتاً الى ان «الأيام المقبلة ستشهد ترجمة عملية لهذا التوجه غير إسقاط الدعاوى الذي كانت له انعكاسات ايجابية…».
بري مرتاح لحوار «المستقبل» – «حزب الله»… وفتفت يشكك
أما على خط الحوارات الجاري منها (كالحوار بين «المستقبل» و«حزب الله») والموعود، الذي يحضر له بهدوء لافت وجدية لافتة، بين «التيار الحر» و«القوات اللبنانية»، فقد تضاربت المواقف والقراءات وتنوعت، بلغت حد التشكيك في جدوى الحوار بين «المستقبل» والحزب…
وفي وقت جدد الرئيس نبيه بري، في «لقاء الاربعاء النيابي» أمس، ارتياحه لمسار الحوار الجاري بين «المستقبل» و«حزب الله»، مؤكداً ان «ما تحقق في الجلسة الثانية لهذا الحوار (الاثنين الماضي) هو أكثر من ايجابي ويتجاوز الاجتماعات الثنائية الى توفير الغطاء للأمن الوطني والاستقرار العام…» فإن عضو كتلة «المستقبل» النائب احمد فتفت وإذ أشار في اتصال مع «المركزية» الى ان «الجلسة الثانية كانت جلسة «مصارحة كاملة» طرحنا فيها النقاط الآتية: كيفية تطبيق الخطة الأمنية في البقاع، و«سرايا المقاومة» وما أسماها «الاستفزازات في شوارع بيروت من رفع اعلام وما شابه…». فقد أوضح ان «لا تطور حتى الآن في هذه النقاط سوى اعلان نوايا وحكي…» مؤكداً اننا «قدمنا كل ما لدينا بالنسبة للحوار» ومحملاً «حزب الله» مسؤولية افشال الحوار اذا لم يقدّم شيئاً جدياً…»؟! ومعلنا ان «الجلسة الثالثة للحوار ستعقد في 16 الجاري في مبنى المختبر المركزي التابع لمجلس النواب في عين التينة».
وعن الحوار المرتقب بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، قال فتفت «يبدو أنه جدي أكثر من حوارنا مع «حزب الله»… ومبدياً عدم اقتناعه بوصول الحوار مع «حزب الله» الى نتائج جدية لأن الأمور مرتبطة بالملفات الاقليمية والدولية. فإذا لم تعقد الولايات المتحدة وايران اتفاقاً حول الملف النووي سيبقى الوضع في لبنان كما هو الآن…»؟!
«حزب الله» الخلاف سياسي لا مذهبي
وفي السياق العام ذاته، وخلال افتتاح «المؤتمر الدولي الـ28 للوحدة الاسلامية» وإذ أعلن نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، «ان الخلاف المذهبي ليس مطروحاً إلا عند الغلاة الذين يثيرون المسائل المذهبية» فقد لفت الى أنه «اذا نظرنا الى ثلاث قضايا مركزية نجد أنها سياسية وليست مذهبية أولها مواجهة أميركا ومشروعها، والثانية مواجهة إسرائيل واحتلال فلسطين وأراض عربية، والثالثة مواجهة الارهاب… ليخلص الى اننا «وصلنا الى حالة من التماسك في لبنان، الى درجة ان الجميع وصل الى قناعة بضرورة الحوار لرفع الطابع المذهبي عن الخلافات، ولهذا عقدت لقاءات بين «حزب الله» و«المستقبل» بعد فترة طويلة من المعاناة…».
من جانبه، لفت السفير الايراني في لبنان محمد فتحعلي، بعد زيارتيه الى كل من الرئيس اميل لحود، ورئيس «تكتل التغيير والاصلاح» (الجنرال السابق) النائب ميشال عون، الى ان «المنطقة تمر في ظروف خاصة». آملاً في «ان تتصرف شعوب هذه المنطقة من خلال مسؤوليها، وان تقطع الطريق أمام الأيادي الأجنبية التي تتدخل في شؤون المنطقة الداخلية».