ضاعت قضية العسكريين المحتجزين لدى «جبهة النصرة» و»داعش» امس في الهرج والمرج الذي رافق تحرك ذويهم التصعيدي وقطعهم طريق الصيفي في العاصمة، حيث عمدت القوى الامنية الى فتح الطريق بالقوة، وقامت سيارات الدفاع المدني برشّ الأهالي بالمياه لتفريقهم فنُقِلت والدة العسكري المخطوف خالد مقبل إلى المستشفى بعدما أغمي عليها نتيجة التدافع، فيما لاحق العناصر الامنيون الصحافيين ومنعوهم من التصوير. وفي وقت أكد وزير الداخلية نهاد المشنوق ان الطرقات لن تقفل بعد اليوم، حمّل الاهالي الحكومة مسؤولية اي أذى قد يتعرض له أبناؤهم، معتبرين ان «دولتنا فقدت الضمير»، متوعدين بتحركات مفاجئة في المستقبل، لن يتم الافصاح عنها قبل تنفيذها. لكن تحرك الاهالي لم يثن «النصرة» عن المضي في تهديداتها، فأعلنت بعد الظهر ان «هناك ثماني ساعات فاصلة بين إطلاق سراح الموقوفة جمانة حميد، أو تنفيذ القتل بحق العسكري الأسير علي البزال».
هرج ومرج
أعادت القوى الأمنية فتح طريق الصيفي في الاتجاهين بالقوة صباح امس، بعد هرج ومرج ساد التحرك وبلغ حداً لم يحصل من قبل. وكان أهالي العسكريين المخطوفين تراجعوا عن فتح الطريق، بعد ان كانوا أبدوا رغبة في فتحها استجابة لمناشدة وزير الصحة وائل أبو فاعور. فراحت العناصر الأمنية تلاحق الصحافيين، وتحاول فتح الطريق بالقوة، فيما عمدت سيارات الدفاع المدني الى رش الاهالي بالمياه لتفريقهم، ما أدى الى اصابة والدة العسكري المخطوف خالد مقبل بالاغماء.
واثر هذا الحادث، طالب الاهالي وزير الداخلية نهاد المشنوق بـ «الاستقالة لأن القوى الأمنية تجاوزت الخطوط الحمر في الاعتداء على النساء والشباب».
ابو طاقية
ونقل عن أهالي العسكريين تأكيدهم أن الشيخ مصطفى الحجيري طلب منهم أن يتصل به أبو فاعور، فيما قال والد المخطوف محمد يوسف أنّ «الأهالي يبحثون الخطوة المقبلة للتصعيد وفهمنا من الشيخ الحجيري أن تهديد «النصرة» لا يزال جدياً».العودة الى الساحة
وبعد فض اعتصامهم وعودتهم الى ساحة رياض الصلح، أصدر اهالي العسكريين المخطوفين بيانا قالوا فيه «نحن بحاجة للعناية الفائقة ونريد من الدولة ان تعالجنا. بالامس قررنا التصعيد بناء على تحرير اسير «حزب الله»، والدولة اللبنانية لم تحرر جنديا منذ خمسة اشهر. تشاورنا وقررنا التصعيد السلمي لاننا لسنا قطاع طرق، قررنا التصعيد مع علم الدولة اللبنانية وطلب بعض العمداء والضباط فتح الطريق، واتصل الوزير وائل ابو فاعور وطلب منا فتح الطريق، وكانت المفاجأة القرار السياسي الذي اجمعوا عليه من دون ان يجمعوا على تحرير الاسرى العسكريين، اجمعوا على قمع الاهالي وضرب النساء والرجال وزوجات الاسرى». وسأل الاهالي «اي قانون يحرم التظاهر، واي قانون في دولة ديموقراطية تحرم على اهالي العسكريين الذين كانوا يدافعون عن الاراضي اللبنانية وعن كل سياسي في هذا البلد الذي اعطى السلطة العسكرية والقوى الامنية الحق في ان يقمع الاهالي»؟ وحمّلوا «الدولة بحكومتها المسؤولية الكاملة في حال تمت تصفية اي جندي مخطوف، واعذرونا، اذا فلت الامر من ايدي الاهالي لاننا مستعدون ان نموت ولا نرى احدا من ابنائنا يموت». وأكد البيان ان «الاهالي مصرون على الابقاء على الاعتصام الى حين تحرير الاسرى، وهذا الاعتصام نعتبره من اليوم اعتصاما مركزيا، كنا نبلغ السلطات الامنية بأي تحرك ولكن بعد اليوم لن نبلغ احدا بأي تحرك وسيكون مفاجئا لهذه الدولة ولهذه الحكومة». وطالب الاهالي القضاء اللبناني «بالتحقيق الشفاف مع كل عنصر او ضابط أعطى امرا بضرب امرأة».
وزير الداخلية
من جهته، أكّد وزير الداخلية نهاد المشنوق أن «التصعيد الذي قام به أهالي العسكريين المخطوفين لن يؤدي الا الى تعطيل البلد، ونحن سمحنا لهم بالاعتصام في ساحة رياض الصلح ولديهم منبر ديموقراطي اعلامي وهذا امر متاح، ووسائل الاعلام لم تقصر في أخذ كل التصاريح والمساعي منهم»، مؤكداً أن «الطرقات لن تقفل بعد اليوم لانها ليست الحل لعودة العسكريين». وقال: نحن دولة ولسنا عصابة.
تسكير الطرقات
وأضاف في تصريح من السراي الحكومي «تسكير الطرقات ليس الحلّ، والتصعيد بناء على بيان من الخاطفين يؤدي الى تعطيل البلد ولن يكون هناك أي تسكير للطرقات بعد اليوم، ونحن مع ان يعبّروا الاهالي عن رأيهم بالطرق السلمية ومن دون أن يؤثروا على المواطنين». وأوضح المشنوق أن «الحكومة لم تقصر من اللحظة الاولى في اجراء التفاوض وفق قواعد واصول اقرت في مجلس الوزراء، وهي تقوم بواجباتها وتواصل المفاوضات، وبيان الخاطفين قصده تسكير المدينة والبلد، وتعطيل عمل الناس لا يفرج عن المخطوفين وهذا التصرف يخدم الخاطفين، ونحن لسنا حزبا او ميليشيا مسلحة لنقرر ان نبيع ونشتري رهائن». واكد ان «اذا كانت استقالتي تحرر المخطوفين فأنا حاضر، ونحن لم نعمل عند الخاطفين، فهم مجموعة مجرمة تريد تخويفهم عبر ارسال تعليمات لهم حيث يجب ألا يلتزموا بها لان القصد منها تخريب البلد واغلاق الطرقات وتعطيل أعمال الناس». وشدّد المشنوق على أننا «لن نستسلم لمزاج الخاطفين بتعطيل البلد وتسكير الطرقات، وكل التعليمات التي حصلت من أشهر لليوم لم تقدم او تؤخر؟ وهناك تعليمات يصدرها الخاطفون تسعى الى خلق مشكلة في البلد والاتصالات لا تزال قائمة والوزير ابو فاعور والاجهزة الأمنية تقوم بواجباتها». وختم أن ما فعله «حزب الله» بتحرير عماد عياد هو تعبير اكثر فأكثر عن طبيعة المشكلة في البلد، قائلا «الذي حصل مع «حزب الله» ليس المثل بل هو المشكل وهو يبين طبيعة المشكلة في البلاد وهذا الأمر سيستفيد منه الخاطفون».
رد الاهالي
ردّ الاهالي على مواقف الوزير المشنوق لم يتأخّر، فقالوا له من رياض الصلح «شكرا لك على ما فعلته اليوم معنا، أنتم جماعة فقدتم الضمير كليا. ما تقوم به سيئ ومن الممكن أن تندم عليه. انت بعملك تطلب الدم في ساحة رياض الصلح والصيفي وأولادنا أغلى منك».
كما توجهوا الى رئيس الحكومة تمام سلام بالقول «كل الكلام الذي كنت تعدنا به كله في الهواء، وتبين انك لا تمون على وزير». واعتبروا «ان دولتنا فقدت الضمير، ونتمنى عليها الاسراع بانهاء ملف أبنائنا. عيب على الدولة وضع ملف العسكريين 4 اشهر في الادراج». وأكدوا «ان الجيش سيقف الى جانبنا لأننا نطالب بأبنائه، وان القوى الأمنية أخوتنا ولا نريد التورط معها لان هذا معيب». واعلن الأهالي ان «مواقف زعماء الأحزاب عبر مواقع التواصل الاجتماعي لا تنقذ أبناءنا».
تهديد جديد للنصرة
وبعد الظهر، اعلنت «جبهة النصرة» عبر حسابها على «تويتر» ان «هناك ثماني ساعات فاصلة بين إطلاق سراح الموقوفة جمانة حميد، أو تنفيذ القتل بحق العسكري الأسير علي البزال».
ورد جنبلاط
وكان رئيس «جبهة النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط رد أيضا على المشنوق من دون أن يسميه، فقال عبر «تويتر» «الدولة تفقد أعصابها تجاه عائلات المعتقلين بدل التفاوض الجدي ومن المعيب هذا التصرف بحق العائلات المفجوعة حول مصير ابنائها. اهالي العسكريين لا يملكون الا قميصاً على صدورهم، الغير يقفل الطرقات بالمواكب الأمنية الحقيقية والوهمية فبعض التواضع يا اصحاب المعالي».
أبو فاعور
بدوره، اعتبر أبو فاعور «انّ الاعتداء الذي تعرّض له امس أهالي العسكريين المختطفين، معيبٌ بحقّ الدولة، لا سيّما أنّ الأهالي كانوا يهمّون بمغادرة الشارع وفتح الطريق، وبالتالي فإنّ ما حصل غير مبرر إلا لرغبة إظهار القوة الغاشمة والفاشلة في غير مكانها. فيا ليت هذه الشِدّة استُعملت في تحرير العسكريين المختطفين بدل استعمال البطولة الوهمية بحقّ أهاليهم». وكان أبو فاعور الموجود خارج بيروت، أكّد في حديث تلفزيوني أنّ الأهالي ليسوا قطّاع طرق، وأنّ «كل ما طلب منا في هذا الموضوع قمنا به، وليست كل الأوراق في يد الدولة اللبنانية»، مناشداً إعادة فتح الطريق واعطاء مهلة للاتصالات، على أن يلتقي الأهالي غداً مساء اليوم للبحث في الموضوع.
نقابة المصورين
من جهتها، استنكرت نقابة المصورين الصحافيين الاعتداءات على الاعلاميين . وقالت في بيان «من غير المسموح أن يتصرف بعض ضباط وعناصر قوى الامن الداخلي كميليشيات و»بلطجية». ما تعرض له صباح امس الزملاء الاعلاميين أثناء قيامهم بواجبهم المهني من تعد وضرب وإهانات لا تليق بقوى الامن الداخلي ولا بضباطها وعناصرها»، واضعة «هذه التصرفات «الميليشياوية» بما تحمله هذه الكلمة من معنى امام الرأي العام اللبناني وامام رئيس الحكومة ووزيرّي الداخلية والعدل وكل الذين يعنيهم حرية وكرامة المواطن! إذ إن هذا الامر بات يتكرر بإستمرار ولم يعد كافيا الإستنكار». ودعت النقابة «المسؤولين وعلى رأسهم وزيرا الاعلام والداخلية الى اتخاذ موقف صارم من هذه الممارسات المهينة»، مشيرة الى «ان النقابة والزملاء الذين تعرضوا للاعتداء سيعملون على تقديم شكوى بحق المعتدين أمام القضاء المختص».