اذا كانت مجريات الاجتماع الاول للجان النيابية المشتركة أوحت بأن قطار البحث الجدي عن قانون جديد للانتخاب انطلق، لا سيما بعد حصر الصيغ التي ستبحث بأربع هي النسبية المطلقة وفق رؤية «حزب الله»، الدائرة الفردية وفق رؤية الكتائب، صيغة المختلط من خلال الاقتراح المقدَّم من الرئيس نبيه بري، والاقتراح المشترك بين «القوات» والاشتراكي و»المستقبل» والمستقلين، فان الاطراف السياسية نفسها التي حضرت الى القاعة العامة في مجلس النواب أمس بدت غير مؤمنة بجدوى الاجتماعات وغير مقتنعة بامكانية وصول المباحثات الى خواتيم سعيدة، حيث لم يتردد احد النواب في وصف ما يجري بـ»طبخة بحص».
وفي وقت ستساهم اجتماعات اللجنة المقبلة، واولها الاثنين، في تكوين فكرة اكثر وضوحا عن مصير النقاشات، اعتبرت اوساط سياسية محايدة متابعة لملف قانون الانتخاب عبر «المركزية»، أن ثمة شبه استحالة في التوصل الى اتفاق حول صيغة معينة وسط تباين حسابات ومصالح كل فريق سياسي، مشيرة الى ان اثارة القضية في هذا الوقت بالذات، وفي ظل غياب رئيس الجمهورية، لا تعدو كونها محاولة لالهاء الرأي العام كما الطبقة السياسية بملف شائك ومعقّد يملأ الوقت الضائع الى حين نضوج طبخة الحلّ الرئاسي. لكن الاوساط تتوقع أيضا أن يزيد «قانون الانتخاب» العتيد من حجم التصدعات التي أصابت التحالفات السياسية منذ ترشيح 14 آذار، ركنين من فريق 8 آذار لرئاسة الجمهورية، فتتفكك الاصطفافات أكثر وتخلط الاوراق مرة جديدة.
وفي السياق، تتوقف عند اعادة أمين سر تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ابراهيم كنعان أمس طرح المشروع الأرثوذكسي بعد تأكيده انه أقر في اللجان المشتركة، وتأكيد زميله النائب الان عون ان أيّ تصويت في الهيئة العامة يجب أن يبدأ بالقانون المذكور. فـ»التيار» بموقفه هذا، حشر حلفاءه في حزب الله وحركة أمل، الذين يفضلون النسبية الكاملة مع العلم ان شكل القانون لا يؤثر كثيرا في حساباتهما النيابية لأنهما يمسكان بقوة بناصية الشارع الشيعي. لكن اللافت للانتباه أكثر، وفق الأوساط، هو ان شظايا موقف «الوطني الحر» طاولت بقوة حليفه الجديد حزب «القوات اللبنانية»، وكأن الفريق البرتقالي أراد تذكير «القوات» أنها خاضت معه معركة «الارثوذكسي» سابقا، ويتوقع منها هذه المرة أيضا ان تقف الى جانبه. الا ان جواب «القوات» أتى سريعا على لسان نائب رئيس الحزب النائب جورج عدوان الذي بدا حاسما في تأكيد التمسك بالقانون المختلط، علما ان الرئيس سعد الحريري ورئيس القوات سمير جعجع كانا اعلنا خلال لقائهما الاخير ليل الأحد، السير بالمختلط المستند الى معادلة «60 نسبي – 68 أكثري»، وربما كان رفع «التيار» سقفه أمس ردا على تقارب بيت الوسط، حسب الاوساط التي تشير في المقابل الى حوار جار بين الحزبين المسيحيين للتوصل الى رؤية مشتركة حياله، لكنها تحتاج مزيدا من الدرس لجهة تقسيم الدوائر واعتماد النسبية أو الاكثرية فيها.
وسط هذه الاجواء، برزت شكلا ومضمونا، الزيارة التي قام بها امس رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد الى دارة الرئيس حسين الحسيني في عين التنية حيث دعا الى «إيجاد قانون انتخابي بموجب مواصفات الدستور الذي حدد طبيعة هذا النظام والتقسيمات الإدارية»، معتبرا ان «العودة إلى النص الدستوري يمكن أن تشكل منطلقا لتشريع قانون انتخابي جديد نحن ملزمون به بموجب وثيقة الوفاق الوطني التي دعت إلى قانون يعتمد المحافظات والنسبية في المناطق والطوائف». وقالت الاوساط ان النسبية الكاملة التي يطالب بها «حزب الله» غير مقبولة من «المستقبل» والصيغة الاكثر تقدما تبدو للمختلط لكن توزيع الدوائر ونظام الاقتراع سيكون مهمة شاقة.
وأمام هذا الواقع، تذكّر الاوساط بقانون الصوت الواحد الكفيل بتأمين صحة التمثيل وبالقضاء على المحادل الانتخابية، الا انها لا تستبعد ان يدور البحث دورة كاملة حول نفسه وأن يتم الابقاء في نهاية المطاف على «قانون الستين» مع بعض «الروتشة».