اجتاز قطار الاستحقاق الانتخابي البلدي والاختياري محطته الثانية بسلام اداريا وامنيا، مستكملا مساره في اتجاه الجولة الثالثة، فيما تملأ القراءات السياسية لنتائج جبل لبنان الاستراحة الفاصلة عن موعد المرحلة الثالثة في الجنوب في الثاني والعشرين من الجاري، قبل ان تختتم في التاسع والعشرين منه في محافظة الشمال، غير ان انهماك الدولة من أعلى رأسها حتى أخمص قدميها في الانشغالات الانتخابية لن يحجب، الواقع المرير الذي تتخبط فيه البلاد على اعتاب دخول الفراغ الرئاسي عامه الثالث الاسبوع المقبل وسط شلل مؤسساتي وعجز تام عن احراز تقدم على مستوى حمل النواب المقاطعين على توفير نصاب الجلسات الانتخابية التي تبلغ الاربعين في ٢ حزيران المقبل.
العبرة من جونية
فعلى أهمية الدلالات السياسية للنتائج الأولية التي حملتها عمليات الفرز حتى ساعات ما بعد ظهر أمس خصوصا في المواقع ذات البعد السياسي، فاجأت محافظة جبل لبنان المتابعين للانتخابات البلدية منذ انطلاقتها بتفوقها على ما سبقها من جولات، ان في نسب المشاركة العالية نسبيا او في ابراز خصائص انتخابية لم تكن محسوبة تماما، بعدما استحضرت كل أنواع التعبئة الشعبية في بعض المناطق، لاسيما جونية التي اضطرت قيادات سياية للنزول شخصيا الى أرض المعركة مع عدة العمل الانتخابي كاملة، من رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون الى شخصيات قيادية أخرى في التيار، إلا ان التعبئة بكل مقوماتها لم تؤمن الفوز الكاسح للـ»جنرال« في عرينه الانتخابي، إذ فازت لائحة »كرامة جونية« برئاسة جوان حبيش مع خرق من لائحة »جونية التجدد« بأربعة مقاعد، وهي كما أبلغ رئيس »المؤسسة المارونية للانتشار« نعمة افرام »المركزية« ستطعن لدى مجلس شورى الدولة بنتائج الانتخابات، الا ان الأعضاء الاربعة الفائزين لن يقدموا استقالاتهم من البلدية.
هزيمة مشرفة للعائلات
وقالت أوساط سياسية مراقبة أنه سيصعب على العماد عون تسييل ما أفرزته جونية في السباق الذي يخوضه الى بعبدا، ذلك ان المدينة لم تعطه التفويض »المطلق« الذي كان ينتظره ولم تكرّسه الزعيم المسيحي الأقوى »بدون منازع«. في المقابل، تشير الأوساط الى ان حجم العائلات الكسروانية التي واجهت »التيار« في جونية تظهّر أيضا بعد معركة الأمس، ففي حين كان يقال ان كلمة هذه العائلات التقليدية هي الأقوى، تبين ان الحرب التي دارت على أرضها لم تكن فصولها سهلة عليها وانتهت بهزيمة ولو مشرّفة لها..
عون وجعجع
وستشكل نتائج الاستحقاق الانتخابي برمته في المحافظات كافة طبق نقاش دسماً بين الحليفين المسيحيين الجديدين العماد عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في اجتماع تقويمي يتوقع ان يعقد بينهما فور انتهاء الانتخابات في ٢٩ الجاري لقراءة ما سجلته المرحلة على مستوى الوضع المسيحي اولا والعلاقات بين الطرفين ثانيا، وما اذا كانت تحتاج الى صيانة وترميم بعدما اصابتها شظايا انتخابية في بعض المناطق. وسيرسم الرجلان الخطوط العريضة لخريطة طريق المستقبل بينهما.
الحريري الى الاليزيه اليوم
في غضون ذلك، تتجه الأنظار الى قصر الاليزيه الذي من المقرر ان يحتضن غدا (اليوم) لقاء بين الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والرئيس سعد الحريري، ينعقد على وقع كلام دأب هولاند على تكراره في الأسابيع الماضية يعد فيه بتقديم المساعدة لحل الأزمة الرئاسية. وفي السياق، أشارت أوساط عربية مقيمة في باريس الى انه بات واضحا ان باريس تضطلع بمسعى جدي لانجاز الاستحقاق وديبلوماسيتها تعمل بعيدا من الضوء مع الدول المؤثرة بالشأن اللبناني وعلى رأسها ايران، لوضع تصوّر يفضي الى ملء الشغور، كاشفة ان المبادرة تقوم على عرض قدمته باريس الى طهران تطرح فيه فتح صفحة جديدة معها وعبرها مع الاتحاد الاوروبي، عشية تسلم فرنسا رئاسة مجلس الأمن في حزيران المقبل، اضافة الى مساعدتها في رسم صورتها الجديدة بعد الاتفاق النووي وتعزيز موقعها على الساحة الدولية، في وقت يكبر حجم الضغط الممارس عليها لاسيما في الملف السوري، كل ذلك مقابل افراجها عن الانتخابات الرئاسية اللبنانية. ولفتت الى ان دعوة الحريري الى باريس في هذا الوقت قد تدل الى تطور طرأ على المسعى الفرنسي الذي يبقى مصيره رهن الموقف الايراني..
مساعي التوصل الى حلول
وليس بعيدا، عكست المواقف التي أطلقها أمس السفير الفرنسي ايمانويل بون الالتزام الفرنسي المستمر في بذل الجهود لمساعدة لبنان في الخروج من تخبّطه السياسي، إذ أكد بعيد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري ان زيارة عين التينة »تأتي في اطار استمرار التواصل والبحث في الوضع السياسي في لبنان، وما يمكن ان نقوم به في اطار مساعدة لبنان لمعالجة أزمته السياسية والمؤسساتية«، مضيفا »كما قال الرئيس الفرنسي خلال زيارته الأخيرة لبيروت، يجب ايجاد سبل التوافق لانتخاب رئيس للجمهورية لكل اللبنانيين ويجمع بينهم، وان يجري انتخاب مجلس نيابي جديد يعكس التمثيل الصحيح لكل الأطراف«. وإذ لفت الى ان تم التطرق أيضا »الى زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت المرتقبة الاسبوع المقبل في ٢٧ الجاري«، أعرب عن أمله في ان »يستمر تواصلنا مع الأطراف اللبنانيين للتوصل الى الحلول، وكان هذا الموضوع من أسباب زيارتي للرئيس بري لبحث الخطوات المقبلة خصوصاً في ما يتعلق بالحوار الوطني، وكذلك الجهود الفرنسية بالتعاون مع المجتمع الدولي لمصلحة لبنان«. وبعد الظهر زار بون وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل بهدف التنسيق لزيارة ايرولت.
باسيل الى مؤتمر الدعم
ومساء يتوجه باسيل الى فيينا للمشاركة في اجتماع مجموعة الدعم الدولي لسوريا، المتوقع ان يبحث في حضور ممثلين عن ١٧ دولة في سبل وقف اطلاق النار وتكريس التهدئة وتمرير المساعدات الانسانية الى المدن المحاصرة اضافة الى المرحلة الانتقالية.
المصارف والقانون الاميركي
في غضون ذلك، لم تحجب الانتخابات ظلال الملفات الخلافية الداخلية على تنوعها من قضية قانون العقوبات الاميركية على حزب الله الذي حرّك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة نحو الخارج عشية زيارة مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون تمويل الارهاب دانيال غلايزر الى بيروت، وبعيد الهجوم الشرس الذي شنه الحزب عبر بيان »كتلة الوفاء للمقاومة«، مهددا »بالويل والثبور«، الى ملف النزاع داخل جهاز أمن الدولة الذي يبدو ارجىء الى ما بعد انتهاء الانتخابات البلدية.