وقع أكثر من 50 ديبلوماسياً بوزارة الخارجية الأميركية على مذكرة داخلية تنتقد بشدة سياسة الولايات المتحدة في سوريا، وتطالب بضربات عسكرية ضد حكومة بشار الأسد لوقف انتهاكاتها المتكررة لاتفاق وقف إطلاق النار في سوريا.
ووقع المذكرة 51 مسؤولاً من وزارة الخارجية الأميركية من المستوى المتوسط إلى الرفيع، شاركوا في تقديم النصح بشأن السياسة تجاه سوريا.
وكانت صحيفة «وول ستريت جورنال» أول من ذكر ذلك.
وقالت الصحيفة نقلاً عن نسخ من المذكرة اطلعت عليها، إن المذكرة تدعو إلى تنفيذ «ضربات عسكرية موجهة» ضد الحكومة السورية في ضوء الانهيار شبه التام لاتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في وقت سابق هذا العام.
وستمثل أي ضربات عسكرية ضد حكومة الأسد تحولاً كبيراً في السياسة التي تنتهجها إدارة أوباما منذ وقت طويل بعدم الانحياز إلى أي طرف في الحرب السورية.
في المقابل، قال مسؤول أميركي لم يوقع على المذكرة لكنه اطلع عليها، إن البيت الأبيض ما زال يعارض أي تدخل عسكري على نحو أعمق في الصراع السوري. وأضاف المسؤول لرويترز أن المذكرة لن تغير هذا الموقف على الأرجح، ولن تحول تركيز أوباما عن الحرب ضد التهديد المستمر والمتزايد الذي يمثله تنظيم داعش.
وقال مسؤول ثان قرأ المذكرة، إنها تعبر عن وجهة نظر المسؤولين الأميركيين الذين يعملون بشأن الملف السوري ويعتقدون أن السياسة التي تنتهجها إدارة أوباما غير فعالة.
وقال المصدر الثاني الذي طلب عدم نشر اسمه «باختصار تود المجموعة طرح خيار عسكري ليضع بعض الضغط على النظام السوري».
وبحثت المذكرة إمكانية شن ضربات جوية، لكنها لم تشر إلى نشر المزيد من القوات الأميركية على الأرض في سوريا. ومن المعتقد أن للولايات المتحدة نحو 300 فرد من القوات الخاصة في سوريا ينفذون مهام ضد تنظيم داعش لكنهم لا يستهدفون حكومة الأسد.
وقال مدير المخابرات المركزية الأميركية جون برينان أمام جلسة للكونغرس الخميس، إن الأسد بات في وضع أقوى مما كان عليه قبل عام بفضل الضربات الجوية الروسية ضد المعارضة المعتدلة.
وقال أيضا إن قدرات تنظيم داعش الإرهابي وقدرته على شن هجمات في أنحاء العالم لم تتقلص.
في المقابل اعتبر وزير الخارجية الأميركي جون كيري ا أن المذكرة التي طالب فيها أكثر من خمسين ديبلوماسيا أميركيا بالتدخل عسكريا في سوريا، «إعلان مهم»؛ بينما نددت الخارجية الروسية بها. وخلال زيارته للدانمارك، قال كيري لوكالة رويترز «إنه إعلان مهم وأنا أحترم العملية جدا جدا. ستتاح لي… فرصة للاجتماع مع الناس حين أعود».
وأوضح كيري أنه يحترم مواقف الموظفين ويعدّها وسيلة للتعبير عن مواقفهم، وأنه لم يطلع على المذكرة بنفسه.
في المقابل، ندد ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي بالمذكرة الأميركية معتبرا أنها لا تتلاءم مع القرارات الدولية، وقال إن «هناك قرارات صادرة عن مجلس الأمن الدولي لا بد من احترامها».
كما نددت بها وزارة الدفاع الروسية، حيث قال المتحدث باسم الوزارة إيغور كوناشنكوف في بيان «لو كان هناك ذرة حقيقة واحدة في هذه المعلومات على الأقل، فهذا الأمر لا يمكن له إلا أن يثير قلق أي شخص عاقل».
وفي مقابلة مع الجزيرة، قال الخبير في النزاعات الدولية إبراهيم فريحات إن هناك إحباطا واسعا داخل الإدارة الأميركية بشأن الموقف من سوريا، إلا أنها المرة الأولى التي تتبلور على شكل وثيقة وتصدر عن داخل الجهاز التنفيذي للإدارة ممثلا بوزارة الخارجية، ما يدل -بحسب رأيه- على ارتفاع حالة الإحباط.
واستبعد الخبير الإستراتيجي أن تؤدي الوثيقة إلى تغيير جوهري في الموقف الأميركي الرسمي من الثورة السورية، حيث لم يتبق لأوباما في الرئاسة سوى فترة قصيرة، كما أن سياسته تقوم على عقيدة، إلا أن المذكرة مع ذلك ستشكل إنذارا مبكرا للإدارة المقبلة.
وأكد بوغدانوف أن موسكو ترفض تقسيم أو تجزئة سوريا، مؤكدا أنه على السوريين أنفسهم تحديد أبعاد المرحلة الانتقالية المقبلة ومصير الرئيس بشار الأسد.
ووصف بوغدانوف صيغة فيينا للتفاوض حول سوريا بأنها نموذجية، معيدا إلى الأذهان أن هذه الصيغة تشمل جميع اللاعبين الخارجيين الأساسيين ذوي التأثير على أطراف النزاع السوري، بما في ذلك الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي وتركيا وإيران والسعودية وعدد من الدول العربية الأخرى. وأعاد إلى الأذهان أن الدول الإقليمية تلعب دورا كبيرا في الشؤون السورية.
وفيما يخص الاقتراحات حول استحداث صيغ جديدة للتفاوض، قال بوغدانوف إن هذه الأفكار قد تكون مفيدة ويجب بحثها في إطار المحادثات السورية.