Site icon IMLebanon

المواجهة مع الارهاب فتحت والامن الذاتي ليس حلا

لن تُطوى السابقة الأمنية الخطيرة التي كانت بلدة «القاع» مسرحا لها الاثنين الماضي، مع دفن القرية الحدودية الصامدة شهداءها الخمسة، عصر أمس، بل إن الساحة المحلية ستبقى تحت تأثير ارتدادات «الحدث» الانتحاري غير المسبوق لفترة يصعب التكهّن بمدّتها، وسط إقرار رسمي بأن المواجهة مع الارهاب فُتحت وقد تتخذ أشكالا جديدة في المرحلة المقبلة. وفي حين أعلنت الاجهزة الامنية استنفارا عاليا، وتنفذ مداهمات وتوقيفات بالجملة لتفكيك ألغاز جريمة القاع من جهة وقطع الطريق على أي مخططات أخرى من جهة ثانية، تقلّب الداخل على جمر شائعات تم تناقلها على وسائل التواصل الاجتماعي عن أعمال ارهابية ستنفّذ هنا وهناك، حتى كاد القلق والخوف يكونان القاسم المشترك الوحيد بين اللبنانيين، المختلفين عموديا في النظر الى السبل الناجعة الكفيلة بالتصدي للتهديد الارهابي.

الشهداء الى… الخلود

وسط هذه الاجواء، ودّعت القاع التي استمرّ حج الشخصيات السياسية والروحية والامنية اليها تضامنا، أبناءها الخمسة فيصل عاد، ماجد وهبي، جوزيف ليون، يوسف الأحمر وجورج فارس، الذين انضموا الى قافلة واسعة من الشهداء قدّمتها البلدة على مرّ تاريخها، بجنازة جماعية مهيبة وسط الدموع والزغاريد ونثر الأرز، ترافقت مع إجراءات أمنية مشددة اتخذها الجيش الذي كان طلب تأجيل مراسم الدفن من الأمس، خوفا من استهدافها.

جعجع: لمساندة القوى الشرعية

في المقابل، وفي حين سارعت القنوات الرسمية السياسية والعسكرية الى لملمة مظاهر «الامن الذاتي» التي برزت في الساعات الماضية في معظم القرى البقاعية الحدودية، أكد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أمس في رسالة وجهها الى أهالي القاع «أن سيف الحق الذي أُجبرتم على امتشاقه عندما دق خطر الظلم والإرهاب باب بلدتكم، هو لمساندة القوى الشرعية في صد الاعتداء ليس إلاّ»، مضيفا «عندما دعا داعٍ او داعش كنتم فعلاً للمقاومة جاهزين ولم تموتوا إلاّ واقفين»، وختم «عاش الجيش اللبناني والمؤسسات الشرعية درعاً للوطن، يحيا لبنان».

الغاية زرع الرعب؟!

وفيما القراءات في أهداف عملية القاع مستمرة من دون الوصول الى أي استنتاجات واضحة في شأنها حتى اللحظة، لم تستبعد مصادر سياسية مراقبة أن يكون الغرض الرئيسي مما شهدته القاع، يتمثل في زرع الرعب في نفوس مكونات النسيج اللبناني التي ظنّت نفسها بمنأى عن الموجات الارهابية كونها لا تنتمي الى طائفة معينة، بما يوسّع تاليا رقعة الفوضى الداخلية. وهذا ما حصل فعلا في البلدة الحدودية التي سرعان ما امتشق رجالها والنسوة أسلحتهم ولو الى جانب الجيش اللبناني، في وقت سجّل انتشار مسلح علني لعناصر «حزب الله» و»سرايا المقاومة» في معظم قرى البقاعين الشمالي والاوسط تحسبا لاي طارئ. وعليه، حذرت المصادر من ظواهر «الامن الذاتي» هذه، ورأت انها تكشف لبنان أكثر أمام الاخطار المحدقة به، فيما الاجدى إسناد المهمّة الى الجيش اللبناني والقوى الامنية الشرعية وتأمين الدعم السياسي والمعنوي واللوجستي لهما وتركهما يتصرفان خصوصا وأن الاجهزة أثبتت كلها جدارة وتفوقا في الحرب على الارهاب. في المقابل، توقفت المصادر عند استنفار عسكري مسيحي – شيعي مشترك برز في عدد من القرى الحدودية، على حد تعبيرها، تزامن مع ارتفاع بعض الاصوات معلنة أن ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة» هي وحدها الكفيلة بحماية لبنان من الخطر الارهابي. وقد رأت المصادر أن «حماية المسيحيين تكون بالاقتراب من الدولة لا من «حزب الله» أو النظام السوري، فخطوات مماثلة لا تحصّن أمننا ولو بالحد الادنى بل تعرّضنا أكثر للاستهداف من قبل الارهابيين».

نمارس الانتحار

وبقيت الحركة السياسية المحلية تدور في فلك تطورات القاع. وفي السياق، شدد رئيس مجلس النواب نبيه بري على أهمية «وحدة الصف اللبناني في مواجهة الخطر الارهابي التكفيري»، معتبرا ان «من نقاط الضعف التي يعاني منها لبنان هو هذا التشتت الذي نشهده، والازمة السياسية المتمثلة بغياب وشلّ مؤسسات الدولة». ورأى في لقاء الاربعاء النيابي أن «في مقابل الاستهداف الانتحاري الارهابي لأمن واستقرار لبنان نحن نمارس انتحارا منذ أكثر من سنتين ونصف من خلال الشغور الرئاسي وتعطيل المؤسسات». واذ حذر من «الاستمرار في الدوران في الازمة، لان ذلك سيؤدي بنا الى الفراغ والمجهول»، استغرب «ما قيل ويقال عن سلة الحل التي ليست سوى بنود الحوار المطروحة منذ البداية، فأنا لم اخترع شيئا جديدا ولا ادري من اين يأتون بالتوصيفات الجديدة لهذه البنود».

ضغط دولي

وتترافق مواقف بري عن ضرورة ملء الشغور الرئاسي، مع حركة ديبلوماسية دولية يرجح أن يشهدها لبنان في المرحلة المقبلة، مع وصول وزير الخارجية الفرنسية جان مارك ايرولت الى بيروت في 11 و12 تموز المقبل، كما السفيرة الاميركية الجديدة اليزابيت ريتشارد في مطلع تموز المقبل حيث سيشددان على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية بارادة لبنانية، كمدخل لتحصين الاستقرار الداخلي، وسط مخاوف كبيرة على الواقع الامني والاقتصادي والسياسي.

مجلس الوزراء والهم الأمني

في غضون ذلك، يعقد مجلس الوزراء جلسة قبل ظهر اليوم من المقرر أن يحتل الهمّ الامني الحيز الاوسع من مباحثاتها، بعدما كانت الحكومة أعلنت أمس حال استنفار مواكبة للتطورات الامنية.