IMLebanon

ازمة رفع الحد الادنى للاجور تتفاعل ولجنة المؤشر غدا

كتبت ميريام بلعة:

بعد انتظار طويل، اتخذت «لجنة مؤشر غلاء الأسعار» من يوم غد موعداً لاجتماع يضمّ ممثلي الهيئات الإقتصادية والإتحاد العمالي العام برئاسة وزير العمل سجعان قزي، للبحث في إمكان زيادة الحدّ الأدنى للأجور، والآمال بتحقيقها تتوقف عند تقاطع أرقام الإتحاد العمالي التي تظهر الغلاء الخيالي لمؤشر الأسعار من جهة، وتعثر الإنتاجية والجمود الإقتصادي اللذين يتمسك بهما أركان القطاع الخاص بشراسة، ما يضع الطبقة العمالية بين «بور» اندفاعة الإتحاد إلى الزيادة، و»فلاحة» مطالبة أصحاب المؤسسات والشركات بتأجيلها حتى إشعارٍ آخر.

رئيس الإتحاد العمالي العام غسان غصن تحدث إلى «الشرق» عشية هذا الإجتماع، فقال: إن موضوع مسألة تصحيح الأجور تعود إلى مجلس الوزراء مجتمعاً، أما «لجنة المؤشر» فهي مولجة تحديد نسبة الغلاء ورفع تقرير بها إلى مجلس الوزراء المولج بقرار الزيادة. وكانت للإتحاد العمالي العام مراجعة دائمة لمطالبة الهيئات الإقتصادية بالتزامها الإتفاق الرضائي المشترك لتصحيح الأجور دورياً، لاعتبارنا أن ذلك يحافظ أولاً على القيمة الشرائية، ومن جهة أخرى ينعكس إيجاباً على الأسواق والحركة الإقتصادية وبالتالي يمنع الإنكماش. كما يؤمّن إلى حدّ بعيد، نوعاً من التوازن بين الأجور والقدرة الشرائية للمواطنين.

ورأى أنه «الوقت المناسب اليوم لزيادة الحدّ الأدنى للأجور، كردة فعل عفوية تلقائية لصرخة المواطنين والتي تحمل أنينهم من تآكل قدرتهم الشرائية بفعل ارتفاع الأسعار، انطلاقاً من الهمّ الإجتماعي الذي هو من مسؤولية الإتحاد العمالي العام، والسعي الدؤوب إلى تلبية احتياجات المواطنين، خصوصاً أن الحركة السياحية هذا الصيف لم تكن على قدر الآمال التي عقدها أصحاب المؤسسات السياحية ولم تعوّض بالتالي خسائرهم وخسائر القطاعات الإقتصادية المختلفة».

وأكد غصن رداً على سؤال «إلحاح الإتحاد على المطالبة بهذه الزيادة، في ضوء نتائج مؤشر الغلاء»، وقال: سنعرض في خلال اجتماع غد، تطورات غلاء الأسعار التي بلغت بحسب مؤشر الإتحاد العمالي، حدود الـ37 في المئة وهو رقم يقارب إلى حدّ بعيد أرقام مديرية الإحصاء المركزي المحددة بـ 34,5 في المئة.

وشدد في هذا السياق، على وجوب «ألا يقل الحدّ الأدنى للأجور عن مليون و200 ألف ليرة لبنانية، مع تأكيدنا ضرورة رفعه إلى حدود المليون و500 ألف مقارنة بنسبة غلاء المعيشة المسجلة لغاية اليوم».

وعما سيكون موقف الإتحاد العمالي العام في حال تمسكت الهيئات الإقتصادية  برفضها زيادة الحدّ الأدنى للأجور، قال غصن: نبدأ أولاً بالتفاوض ثم ندخل في لعبة الأرقام، وفي ضوء النتائج نقرر الخطوات التالية.

وعلّق على سؤال عن عدم توفر الإمكانات لدى القطاع الخاص بزيادة الأجور في ظل الجمود المستشري في حركة الإنتاج، بالقول: نتحلى بكثير من الإدراك والوعي والمسؤولية، يجعلنا نؤكد بما لا يقبل الشك، أنه الوقت المناسب لزيادة رواتب وأجور الموظفين والعمال، في ضوء الإنكماش الحادّ الممسك بالأسواق المحلية بفعل انعدام القدرة الشرائية، وآن الأوان لدفع عجلة الأسواق من خلال عامليْن اثنين: تصحيح الأجور وزيادة التقديمات من جهة، وخفض الضرائب وتحديداً تلك غير المباشرة من جهة أخرى.

عجاقة: لا يجوز اللعب على أعصاب العمال

من جهته، لفت البروفسور جاسم عجاقة في حديث إلى «الشرق»، إلى أن «اللعب على أعصاب العمال عبر إعطائهم وعوداً لا يمكن تحقيقها، يضرّ بالإقتصاد لأن الإحباط سيصيب العامل اللبناني وبالتالي سيكون هناك تراجع في القدرة الإنتاجية».

وكشف أن الاقتصاد اللبناني «يبدأ بالإنكماش إبتداءً من العام المقبل كما يظهر جلياً بحسب التضخم السلبي الذي بدأت تُسجّله أرقام مؤشر الإستهلاك، حيث إذا ما دخلنا للأسف في هذه المرحلة، لن يكون من السهل بعدها العودة إلى وضع إقتصادي ومالي مقبول».

وقال: في ضوء هذا الواقع، نستغرب كيف دعا وزير العمل إلى رفع الحد الأدنى للأجور إلى 102 مليون ليرة مُستنداً بذلك إلى أرقام الإحصاء المركزي الذي يُستخدم كمرجع للحدّ الأدنى للأجور وغلاء المعيشة. ومطالبة غصن من جهة أخرى، بزيادة الأجور إلى مليون و500 ألف ليرة ليكون السبب الرئيسي للفارق مع رقم الوزير هو احتساب بدل النقل، التعليم، والتعويضات العائلية.

ورداً على سؤال عن كيفية تمويل هذه الزيادة في حال أقرّت خصوصاً أن وزير المال علي حسن خليل سبق أن أطلق جرس الإنذار عن أوضاع المالية العامة، قال عجاقة: القطاع الخاص يواجه معضلة التراجع الإقتصادي الأمر الذي يدفعه إلى استبدال العمالة اللبنانية بالعمالة السورية الأقل كلفة.

وأبدى اعتقاده بأن تمويل الزيادة «سيتمّ عبر آليتين أساسيتين هما: الأولى رفع الضرائب والرسوم لا سيما الضريبة على القيمة المضافة TVA، والثانية عبر إصدار سندات خزينة»، مؤكداً «وجود مشكلة في هاتين الحالتين». إذ أوضح أن «في حال رفع الضرائب التي في مجملها ضرائب على النشاط الاقتصادي، وهو مُتردٍّ، فإن ما يُحتسب على الورق لن يتحقق بأي شكل من الأشكال. فالضرائب لها تأثير على النشاط الإقتصادي لجهة الإستهلاك الذي سيتقلّص بنتيجتها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الإستثمار الذي سيضمحل مع غياب الربحية.

وتابع: من هذا المُنطلق نرى أن إمكان تمويل هذه الزيادة من الضرائب غير مُمكن، فضلاً عن الضرر الذي ستشكّله الضرائب على النمو الإقتصادي الضعيف أصلاً ولا يتجاوز الـ1 في المئة.

أما في حال إصدار سندات خزينة، فقال: التداعيات على الخزينة العامة ستكون كارثية لكونها سترفع من خدمة الدين العام الذي يستهلك أصلاً من مداخيل الدولة. أضف إلى ذلك أن هذه الزيادة ستطال بشكل أساسي القطاع العام لأن القطاع الخاص عاجز اليوم عن تسديد أي زيادة على الأجور ما سيؤدّي إلى تراجع الفارق بين أجور كل من القطاع العام والقطاع الخاص وما له من تداعيات على طلب الوظائف العامة في دولة تدفع نصف مدخولها للأجور.

وأضاف: من هنا، ستكون لزيادة الأجور تداعيات سلبية على الإقتصاد. فالمعروف أن الشق الأساسي من الإستهلاك في لبنان هو مُستورد، وهذا نتج عنه عجز في الميزان التجاري تقلص في العام الماضي نتيجة إنخفاض أسعار النفط إلى حدود المليار دولار. وبالتالي فإن زيادة الأجور سترفع من استهلاك البضائع والسلع المستوردة ما يعني زيادة في عجز الميزان التجاري وميزان المدفوعات الذي يُستخدم كعامل أساسي من قبل وكالة التصنيف الإئتماني «ستاندرد أند بورز» في عمليات تقييم التصنيف الإئتماني للدول. وهذا يعني أن لبنان سيتعرّض بدون أدنى شك، إلى تراجع تصنيفه الإئتماني. هذا إلى جانب مشكلة العمالة السورية التي لن توفرّ الشركات الفرصة في صرف العمالة اللبنانية لصالحها. وبالتالي سنرى أن البطالة التي تجاوزت منذ فترة عتبة الـ 35%، سترتفع ميكانيكياً وكل هذا في غياب قدرة الدولة على الرقابة على هذه العمالة.

كذلك اعتبر أن «رفع الحدّ الأدنى للأجور سيكسر التوازن القائم بين القطاعين الخاص والعام، ما يترك تداعيات على النمو الإقتصادي لأن النمو الإقتصادي تحققه الشركات وليس القطاع العام. فرفع الأجور سيجذب اليد العاملة الكفوءة إلى القطاع العام وسيحرم القطاع الخاص من القدرات البشرية الكفيلة برفع إنتاجية القطاع الخاص وبالتالي زيادة النمو الإقتصادي.

الحل بتحريك الماكينة الإقتصادية لا الضرائب

وعن الحل، قال عجاقة: الحل يكمن في حفظ حقوق العمال مع مفعول رجعي، وفي المقابل تقوم الدولة بالشراكة مع القطاع الخاص، بتحديد عشر سلع يستوردها المواطن اللبناني وتعمد إلى إنتاجها محلياً. الأمر الذي سيدفع بالعجلة الإنتاجية إلى العمل أكثر وبالتالي زيادة الأجور والأرباح للشركات. ونستنتج من ذلك، أن الزيادة يتم تمويلها من الماكينة الإقتصادية وليس من الضرائب أو الإستدانة.