كتبت ميريام بلعة :
بعدما عاد ملف النفط إلى الواجهة مجدّدًا يبدو أن المضي فيه صعب للغاية مع التعقيدات الداخلية والإقليمية والدولية، من دون أن يقتل الآمال في إمكان إقرار مراسيم النفط في أيلول المقبل، خصوصاً أن 80 في المئة من المياه اللبنانية مُسحت بأبعاد ثنائية وثلاثية، فيما شملت القوانين كل ما يمكن أن يواكب فورة النفط والغاز من البيئة إلى الاموال وصولاً إلى السلامة العامة، مع التشديد على أن مسائل التدقيق والمحاسبة والمراقبة ستترافق مع بداية الإنطلاق في عمليات الإستكشاف والتنقيب.
فالزيارة الثانية التي قام بها وزير الخارجية جبران باسيل إلى رئيس مجلس النواب نبيه برّي في عين التينة لمتابعة الملف النفطي، بعدما خرج من الزيارة الأولى باتفاق مفاجئ على تسريع خطوات الإستكشاف والتنقيب …. بقيت نتائجها سرية.
ومعوقات المباشرة بالخطوات اللازمة في هذا المجال، تعود إلى أسباب عدة يتمحور أهمها حول مرسومي النفط اللذين يتضمنان مرسوم تقسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة إلى رقع بحرية (بلوكات) ومرسوم شروط التلزيم إضافة إلى الصندوق السيادي. ومرسوما النفط في حاجة إلى إقرار من قبل مجلس الوزراء كي تبدأ المناقصات وبالتالي يتم تلزيم الشركات. لكن هذا الأمر يواجه رفضاً من جانب رئيس مجلس الوزراء تمام سلام الذي يفضّل إخضاع هذا الملف لمزيد من الدرس والتمحيص من قبل اللجنة الوزارية التي يترأسها والمولجة بهذا الموضوع، قبل إدراجه على جدول أعمال مجلس الوزراء.
أما في ما يخص الصندوق السيادي، فنصّ قانون النفط في البحر الذي أقرّ في العام 2010 على أن تذهب مداخيل النفط والغاز إلى صندوق سيادي. هذا الأخير لم يتمّ إنشاؤه حتى الآن لكونه يستلزم استصدار قانون في شأنه. وبحسب هيئة إدارة قطاع البترول، تمّ إرسال مشروع قانون لهذه الغاية إلى مجلس الوزراء لكنه واجه مصير مرسومي النفط ذاته، ووُضع على قارعة الإنتظار.
وبما أن مشكلة الحدود مع إسرائيل تبقى العائق الأول لبدء استخراج النفط والغاز من المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للبنان، سبق أن تلقى الرئيس بري في الفترة الأخيرة عبر السفيرة الأميركية في بيروت إليزابيت ريتشارد رسالة من مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوكشتاين، حول العرض الذي كان تقدّم به رئيس المجلس لمعالجة مسألة ترسيم الحدود البحرية المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل، ومعاودة المباحثات في هذا الشأن.
وحملت هذه الرسالة نظماً عامة حول مسألة الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، حيث تقترح فيها الولايات المتحدة أن يبدأ لبنان بـ»البلوكات» التي ليست موضع خلاف.
الخبير في قطاع النفط الدكتور ربيع ياغي اعتبر في حديث إلى «الشرق»، أن «الطلب الأميركي هذا ينقل رؤية إسرائيل للموضوع أكثر من أي شيء آخر، ويعكس الموقف الأميركي الرسمي الذي يدعو إلى التهدئة في ملف النفط ما يحتّم إرجاء العمل في النقاط التي هي موضع خلاف وتحديداً «البلوكات» الجنوبية وصرف النظر عنها حالياً، والمباشرة بـ»البلوكات» الواقعة شمال لبنان أو «البلوكات» الوسطى.
وعن ردّ بري على الرسالة، أوضح أن «رئيس المجلس يتمسك بموقفه الواضح بتشبث لبنان بكل متر مربّع من مياهه الإقليمية، ولا يقبل بالتالي بأن يُفرض عليه نقاط البدء بالإستكشاف والتنقيب، فالمصلحة الوطنية هي التي تقرر ذلك».
ولفت ياغي إلى أن «المباشرة عملياً بالإستكشاف والتنقيب عن النفط اللبناني في البلوكات الجنوبية العائدة إلى سيادة الدولة اللبنانية بحسب القانون الدولي، هي خير ردّ على الوساطة الأميركية والموقف الإسرائيلي من هذا الموضوع»، مشدداً على «وجوب البدء بهذه البلوكات لقطع الطريق على أي أطماع إسرائيلية أو محاولاتها التمدّد في اتجاه البلوكات اللبنانية».
وعن الحيثيات التي طرأت على ملف النفط وخففت من وتيرة الحماسة السياسية التي سرعان ما تراجعت لاحقاً إلى درجة البرودة القارسة، قال ياغي: «الكرة اليوم في ملعب مجلس الوزراء، فالملف ينتظر أن تقرّ الحكومة اللبنانية مراسيم النفط التطبيقية التي على أساسها تتقدّم الشركات الأجنبية إلى المناقصة. لكن على ما يبدو أن موضوع المراسيم أصبح كأزمة رئاسة الجمهورية، بحاجة إلى توافق سياسي. المشكلة في لبنان تكمن في صعوبة توفر القرار السياسي بسبب وجود الكثير من الكيدية والأنانية، فكل فريق سياسي في البلد لديه خلفيات أو قناعات معينة يقارب من خلالها ملف النفط. لكننا نأمل في تحقيق الإجماع التوافقي على هذه المراسيم، للإنتهاء بالتالي من العمل الإداري والبدء بالعمل الفعلي على الأرض».
تجدر الإشارة إلى أن حجم الثروة النفطية في لبنان يبلغ بحسب منظمة الـUSGS نحو 1689 مليون برميل من النفط، و122378 بليون قدم مكعّبُ من الغاز و3075 مليون برميل من الغاز السائل كمعدّل وسطي. كما أن الآبار الغازية المُتواجدة في البلوكات 5، 8، و9 تتميّز بأحجام تفوق الـ5 تريليون قدمّ مُكعب. وتقدّر هذه الثروة بأرقام خيالية تتخطى الـ200 مليار دولار كعائدات صافية للدولة اللبنانية. لكن الأسباب المذكورة آنفاً، تبقي أحلام اللبنانيين بالإفادة من هذه الثروة، لهم ولأولادهم وللأجيال المقبلة، بين كفتيّ كماشة «الدلَع» السياسي و»الطمع» الإسرائيلي.