كتب عبد الامير بيضون:
وسط تطورات اقليمية هزّت وجدان الشعوب كافة… دفعت مرجعيات دينية رفيعة المستوى الى التحذير من «الارهاب الذي يتوغل في العالم باسم الدين…» واعلان «براءة الاسلام من أي عمل اجرامي ضد أي انسان…» ودعوات الى «ضبط الخطاب الديني وترشيده…».
وفي وقت كان الجيش اللبناني يصد هجمات مسلحين في جرود عرسال والقاع بالاسلحة الصاروخية وقذائف المدفعية ويستعد في المقابل لاستلام 72 مدفعاً من نوع M198 و15 مستوعب ذخيرة ضمن برنامج المساعدات الاميركية المخصصة للجيش… كانت بيروت وبعض المدن – (صيدا وطرابلس) – تشهد انتقال حوار «المستقبل» – «حزب الله» من الاطار النظري الى المرحلة التطبيقية مع إزالة الشعارات والاعلام واليافطات الحزبية… التي كما رفعت «بقرار سياسي» أزيلت «بقرار سياسي»، كأحد السبل لتنفيس الاحتقانات التي بلغت ذروتها على مدى الأشهر الماضية…
سلام وباسيل الى ميونيخ وبروكسل
فقد غابت، في المشهد السياسي، أية اشارات تدل على ان لبنان دخل في مرحلة انضاج التوافقات لانجاز الاستحقاقات الداهمة، خصوصاً الاستحقاق الرئاسي، الذي أعيد الى الملعب اللبناني، مع دعوة مدير دائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في الخارجية الفرنسية فرنسوا جيرو، مغادراً بيروت الى ضرورة «لبننة هذا الاستحقاق…» وذلك بالتوافق مع سفر رئيس الحكومة تمام سلام الى المانيا للمشاركة في «مؤتمر ميونيخ للأمن» الذي يحضره أكثر من أربعين رئيس دولة وحكومة حيث يتوقع ان يلتقي الرئيس سلام مع عدد منهم…
بدوره يعد وزير الخارجية والمغتربين لزيارته على رأس وفد من كبار موظفي الخارجية الى بروكسل للمشاركة في اجتماعات مجلس الشراكة اللبناني – الاوروبي على مستوى وزراء الخارجية الذي سيعقد في 9 شباط الجاري… وأفيد «ان باسيل سيناقش مع نظرائه الاوروبيين الوضع اللبناني من جوانبه كافة بما فيه الملف الرئاسي وضرورة تعزيز قدرات الجيش اللبناني في مواجهة الارهاب والتكفير…».
جيرو: للبننة الاستحقاق الرئاسي
إلى ذلك، فقد غادر مدير دائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية جان فرنسوا جيرو بيروت، بعد سلسلة لقاءات عقدها، على مدار الأيام الثلاثة التي قضاها في بيروت، مع مسؤولين وقيادات سياسية وحزبية… من دون ان يظهر في المعطيات المتداولة، أي خرق ذي جدوى في جدار الأزمة الرئاسية، حيث دخل لبنان يومه الثامن والخمسين بعد المئتين، على رغم تزايد الحديث عن «التداعيات السلبية» التي يحدثها هذا الشغور على عمل المؤسسات كافة…
خلاصة ما آلت اليه زيارة المسؤول الفرنسي هي «النصيحة» التي وجهها الى كل الذين التقاهم، بوجوب «لبننة الاستحقاق الرئاسي وحسم الخيار داخلياً مادامت القوى الكبرى التي تولت المهمة الرئاسية اللبنانية طوال عقود خلت منشغلة بملفات تعتبرها أكثر أهمية في منطقة الشرق الاوسط وغيرها، ولم تحسم تالياً موقفها بالنسبة الى انتخاب الرئيس اللبناني، لا بالاسم ولا حتى بالموعد… فالأهم في أجندة هذه القوى يأتي قبل المهم…» وفي قراءة مصادر واكبت زيارة جيرو فإن «الرئاسة في لبنان أصبحت أسيرة القرارات الدولية تتخبط في مهب المصالح وتتأرجح في بورصة المفاوضات النووية (مع ايران) وطروحات التسويات لأزمات المنطقة…» مؤكدة «ان الحل لا يمكن إلا ان ينتج من الداخل عن طريق اتفاق اللبنانيين… وجل ما يستطيع (الراعي الفرنسي) ان يقدمه راهنا هو محاولة تقريب وجهات النظر من أجل اقناع المتمترسين خلف مواقفهم بوجوب العودة الى مدار لبننة الاستحقاق وإلا والى ان تتبدل المعطيات المتحكمة بأزمات المنطقة…»؟!
المشكلة على الساحة المسيحية
وفي هذا، قال وزير الثقافة روني عريجي «ان التوافق المسيحي على رئيس قد يقطع أشواطاً كبيرة في انجاز انتخابات رئاسة الجمهورية، لكن من غير المؤكد ان الافرقاء الاخرين في البلد سيوافقون على الخيار المسيحي…» إضافة الى «ان هناك مشكلة على الساحة المسيحية في ظل الخلاف الجاري بين بعض الاطراف المسيحية…» لافتاً الى «ان لا شيء ملموساً في مسألة الاستحقاق الرئاسي، ولا نرى حاليا امكانية انتخاب رئيس للجمهورية في المدى القريب…».
وفي السياق عينه فقد أكد عضو «تكتل التغيير والاصلاح» النائب فريد الخازن «ان زيارة جيرو استطلاعية ولا شيء استجد بين الزيارة الأولى والثانية…» مشيراً الى ان «حصة القرار الداخلي في شأن ملف رئاسة الجمهورية توازي حصة القرار الخارجي… فالحركة السياسية الداخلية والحوارات القائمة لها مضامين أهم بكثير من زيارة جيرو او غيره…».
حوار جعجع – عون فقد زخمه
إلى ذلك، وان جرت ايضاحات كافية لما آلت اليه جولة الحوار الخامسة بين «المستقبل» و«حزب الله» ووجدت ترجمة أولية بحملة ازالة الشعارات والصور في مناطق بيروت وهي «خطوة كان يجب حصولها من دون حوار او لقاء بين الاحزاب السياسية» على ما قال عضو كتلة «المستقبل» النائب عاطف مجدلاني، الذي سأل «ما هذا الانجاز الكبير بإزالة شعارات وصور تشوّه الجدران…»؟! فإن الأنظار تتجه من جديد باتجاهين:
– الأول: ما ستؤول اليه جلسة الحوار السادسة وأية موضوعات ستناقشها وتعالجها؟
– الثانية: الحوار – او اللقاء – الموعود بين النائب (الجنرال السابق) ميشال عون ورئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع الموجود خارج لبنان، والذي تردد أنه سيعقد قبل عيد مار مارون الاثنين المقبل في 9 شباط الجاري. لكن شيئاً من ذلك لم يتضح نهائياً بعد، فقد أوضح عضو «التكتل» النائب فريد الخازن «ان الحوار قائم لكن لم يعد بالزخم الذي انطلق به… وكي يكون الحوار مثمراً يجب ان يتوج بلقاء بين عون وجعجع، وهذا لم يحصل حتى الآن…»؟!
أما بشأن الحوار بين «المستقبل» و«حزب الله»، فقد أوضح عضو «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب كامل الرفاعي ان «برنامج الحوار محدود ولا يتعرض الى القضايا الخلافية الكبرى»… مستبعداً «وضع النقاط الخلافية على طاولة البحث في المرحلة الراهنة…».
دريان لترشيد الخطاب الديني
من جهته فقد استكمل مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان زيارته الرسمية الى مصر، والتقى مفتي جمهورية مصر الشيخ شوقي علام، ووزير الاوقاف محمد مختار جمعة، والأمين العام لمجمع البحوث الاسلامية محي الدين عفيفي… حيث أوضح دريان «ان الأوضاع في لبنان لن تستقيم إلا بالحوارات الصادقة، والشفافة والتي ندعمها». آملاً «من خلالها انجاز الاستحقاق الرئاسي بانتخاب رئيس عتيد للجمهورية يعمل على حفظ كيان الوطن ودستوره وسيادته وأمنه واستقراره ويعيد العمل الفعال لجميع مؤسسات الدولة…» كما كان اتفاق على «ضبط الخطاب الديني وترشيده وتطويره بما يتناسب مع تعاليم الاسلام السمحة…».
تعديل آليه عمل الحكومة
على صعيد مختلف، فقد حط الحديث عن اعادة النظر بآلية عمل الحكومة، بقوة في التداولات والمشاورات والنقاشات التي يقوم بها رئيس الحكومة تمام سلام، شخصياً او عبر آخرين… وفي هذا فقد كشف وزير الثقافة روني عريجي أنه «خلال الممارسة تبين ان هذه الآلية تتخللها بعض العيوب فلا يجوز ان يعطل أي وزير أحد الملفات من دون وجود سبب جدي… وهذا موضوع أزعج رئيس الحكومة نتيجة تراكم تعطيل البحث في الملفات وقرر ان يطرح هذا الأمر على القوى السياسية إفرادياً حتى الوصول الى نتيجة…».
وفي هذا، دعا عضو «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب كامل الرفاعي، الى «اعادة النظر في هذه الآلية… حتى لا يبقى هناك أربعة وعشرون رئيساً للجمهورية في مجلس الوزراء…» لافتاً الى أنه «كان من واجب الرئيس سلام رفض آلية الاجماع الوزاري المعمول بها حاليا…».
أما عضو «تكتل التغيير والاصلاح» النائب فريد الخازن، فلفت الى «ان المواضيع الميثاقية الكبيرة هي التي تحتاج الى اجماع… لكن الملفات الأخرى ليست بحاجة الى توافق كامل…» مشيراً الى «ان الرئيس سلام لم يطرح هذا الموضوع في جلسة مجلس الوزراء وسننتظر…».