اكد رئيس الجمهورية ميشال عون خلال حفل الإفطار الذي أقيم في القصر الجمهوري أمس ان «انجاز قانون انتخابات خلال الايام الآتية سيكون بداية استعادة الثقة لأنه سيبرهن عن ارادة تحسين التمثيل الشعبي وجعله اكثر توازنا». وتابع «يسرني أن نجتمع اليوم مع انطلاقة الشهر الفضيل، شهر الخير والبركة، حول مائدة الإفطار الرمضانية، بكل ما تحمل في وجداننا وفي ذاكرتنا من قيم ومحبة وتلاق، تعيدنا الى أيام الزمن الجميل، حيث كان تشارك الخبز والملح يربط الناس أكثر مما يربطهم عقد موقع. فأهلا بكم في بيتكم، هذا البيت الذي أريد له أن يكون جامعا لكل أبنائه ومفتوحا لهم ساعة يحتاجونه».
لمحة تاريخية
وأضاف «يقول نابوليون «إن السياسة هي ابنة التاريخ، والتاريخ ابن الجغرافيا، والجغرافيا ثابتة لا تتغير»، وقدر وطننا أن يكون جغرافيا وسط منطقة بركانية، إن استكانت حممها لفترة فلتثور لفترات، وما بين استكاناتها وثوراتها يخط تاريخنا، مثقلا بأحماله، مثخنا بجراحه، وأيضا فخورا بإنجازاته. في العام 1967 بدأت موجة قاسية من تلك الحمم، لا نزال نعاني من تداعياتها حتى اليوم، مع الحرب الإسرائيلية واحتلال ما تبقى من فلسطين وتهجير أهلها، ثم الاتفاقيات التي افتقرت الى بعد النظر فأسست الى صدامات مع الفلسطينيين بدأ على إثرها التشلع يضرب جسم الوطن، وأخذ يتسع ويتعمق بدعم من الخارج، حتى سقط لبنان في أتون حرب على مدى 15 عاما، كلفته أغلى الأثمان، بشرا وحجرا واقتصادا». وقال: «في العام 84، عندما تسلمت قيادة الجيش كان تشلع الوطن في ذروته، كان هناك خمسة لبنانات، وكل منها مرتبط بدولة ما، ولا وجود للبناننا بينها، وأي عمل أمني نقوم به كان يصنفنا في خانة فريق ضد آخر. يومها توجهت الى العسكريين بالقول «عليكم أن تختاروا بين أن تكونوا مرتزقة للعبة دولية أو جنودا للوطن والهوية. خيارنا الوطن والهوية».
وأوضح «لقد استعدت للحظات تاريخنا المؤلم لأقارن اليوم بالأمس، ليس لإثارة المشاعر لكن لأخذ العبر، فجغرافيتنا ثابتة ولا نزال في قلب البركان إياه، إلا أن لبنان هذه المرة استطاع أن يحمي نفسه منه ولم يسقط في أتونه، لأن ذاكرتنا التي حملت أحداث السبعينات وما تلاها، قد أعطتنا المناعة، وعلمتنا أن وحدتنا الوطنية هي صمام أماننا. نختلف في السياسة، نعم، نتجادل، نتنافس، نعم، ولكن سقفنا وحدتنا، ولا يجب أن نسمح لأي حدث أن يهددها. ومن غير المقبول ولا المسموح أن نسمع عند كل استحقاق سياسي أصواتا تهدد، تصريحا أو تلميحا، بالعودة الى الحرب، جميعنا جربنا الحرب، عشنا مآسيها ونزفنا من جراحها، وبعضها لم يختم حتى اليوم.. وجميعنا نعرف أن لا حل يأتي من خلالها سوى المزيد من التدمير. لذلك، يجب على ذاكرتنا أن تبقى حية كي لا تتكرر الأخطاء، وما سبق وقلته أول أيام حرب تموز أعيده اليوم: «سنوات من الحرب مع الخارج ولا ساعات من الاقتتال في الداخل». ولتعزيز هذه الوحدة يجب سد الثغرات في نظامنا السياسي، وذلك من خلال إرساء حال التوازن فيه، فنغنيه بجمع الإيجابي في خصائصنا بدلا من أن نفقره بطرحنا السلبي منها».
لبنان نموذجا
وقال: «بعد سقوط الأحاديات المجتمعية، الدينية منها والسياسية والعرقية، وبعد ما نشهده في العالم اليوم من تطرف متبادل، حيث الغرب يعمم على الإسلام تهمة الإرهاب والإسلام يتهم الغرب بإطلاق وتغذية الإسلاموفوبيا، يبرز دور لبنان، وأيضا الحاجة الى هذا الدور. فلبنان، بمجتمعه التعددي، الذي يجمع كل الأديان والمذاهب، لا يزال محافظا على توازن النظام وميثاقيته، حتى وإن كانت الانقسامات السياسية فيه تفسد هذه الصورة أحيانا عندما تتموه بطابع ديني بينما هي سياسية في مضمونها وحقيقتها، ما يسمح له أن يكون النموذج لكل المجتمعات التي تلفظ الأحادية وتتلمس طريق التعددية».
وتابع «ان لبنان لم يكن يوما أرضا لصراع الحضارات والثقافات والأديان، بل على العكس، كان دائما أرض لقاء وتفاعل وحوار، لذلك هو الأقدر أن يكون في هذه المرحلة مركزا لحوار الأديان وأن يلعب دورا محوريا في إعادة وصل ما انقطع. وكلنا على يقين أنه إذا تشوه وجه الإسلام ينتهى الشرق، وإذا هجر المسيحيون منه تندثر الروح المشرقية القائمة على التعددية والانفتاح والتسامح الديني، وتنتصر الأحادية العنصرية المدمرة. لذلك علينا أن لا نستهين بدورنا أو نتهاون فيه، وهو الأقرب الى الرسالة منه الى الدور».
بناء دولة قوية
وأكد ان «الهدف الأساسي لهذا العهد هو بناء دولة قوية، واستعادة الثقة كما يقول شعار الحكومة الحالية. فالشعب اللبناني مقتنع أن الدولة فاسدة بجميع إداراتها، وهو لا يوليها أي ثقة.
إن الدولة القوية التي تتمتع بثقة المواطن والتي نتطلع إليها هي الدولة الصادقة بوعودها، التي إن وعدت وفت، وإن التزمت نفذت، الدولة التي تكرس عملها لشؤون المواطن والوطن، فتبني اقتصاده، وتحفظ كيانه وسيادته واستقلاله، وتحمي حرياته. وإنجاز قانون الانتخابات، خلال الأيام الآتية، سيكون بداية استعادة الثقة لأنه سيبرهن عن إرادة تحسين التمثيل الشعبي وجعله أكثر توازنا، أفقيا بين مكونات الشعب اللبناني كافة، وعموديا داخل كل مكوّن بحد ذاته».
وختم ان «الدولة لا تبنى بين ليلة وضحاها، ولا تبنى أيضا بإرادة فردية. الدولة لن تقوم، والثقة لن تستعاد إلا بتضافر الإرادات الطيبة واجتماع النوايا الصافية لما فيه مصلحة الوطن. وكل خطوة على هذا الطريق هي نجاح لنا جميعا، وأي تراجع هو فشل لنا جميعا، هي دعوة صريحة للجميع، أن تتقدم مصلحة الوطن على كل المصالح الأخرى، فتسهل عند ذاك كل الحلول».
وكان سبق حفل الإفطار اجتماع ثلاثي بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، تبعه أداء بري والحريري وكبار المدعوين الصلاة خلف مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان.
الحضور
شارك في الإفطار رئيس مجلس النواب نبيه بري، رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، نائب رئيس مجلس الوزراء غسان حاصباني، الرئيس امين الجميّل، الرئيس ميشال سليمان، الرئيس حسين الحسيني، رؤساء مجلس الوزراء السابقون: نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة وتمام سلام، وزراء ونواب، البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بطريرك الروم الكاثوليك المونسنيور جان كليمان جانبار، بطريرك الارمن الكاثوليك كريكور بيدروس العشرون، بطريرك الارمن الارثوذكس آرام الاول كيشيشيان، بطريرك السريان الارثوذكس مار اغناطوس افرام الثاني، رئيس الطائفة الكلدانية في لبنان المطران ميشال قصارجي، النائب الرسولي لطائفة اللاتين في لبنان المطران سيزار اسابان، رئيس المجمع الأعلى للطائفة الانجيلية في سوريا ولبنان القس سليم صهيوني، رئيس الطائفة القبطية في لبنان الاب رويس الارشليمي، مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، المفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد عبد الامير قبلان، شيخ عقل الطائفة الدرزية نعيم حسن، نائب رئيس المجلس الاسلامي العلوي محمد خضر عصفور، رئيس جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية الشيخ حسام قراقيرة، وعدد من المطارنة من مختلف المذاهب المسيحية، والسفير البابوي في لبنان المونسنيور غابريال كاتشيا ورؤساء البعثات العربية والاسلامية، رؤساء وأعضاء السلطات القضائية، حاكم مصرف لبنان، قادة الاجهزة العسكرية والأمنية، السلك الاداري، المحافظون، نقيبا الصحافة والمحررين، لجنة الحوار الاسلامي المسيحي، عدد من ممثلي الهيئات الاقتصادية والمالية ورؤساء الجامعات اللبنانية والخاصة، ممثلو نقابات المهن الحرة، مدراء وأمناء عامون، كبار موظفي القصر الجمهوري، إضافة الى فعاليات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية.
صدور مرسوم العقد الاستثنائي
صدر في السادسة مساء أمس المرسوم الرقم 786 تاريخ 1 حزيران 2017 القاضي بدعوة مجلس النواب الى عقد استثنائي، وذلك بعدما وقعه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، وفي ما يلي نص المرسوم:
«إنّ رئيس الجمهورية،
بناء على الدستور لا سيما المادة 33 منه،
بناء على اقتراح رئيس مجلس الوزراء،
يرسم ما يأتي:
المادة الأولى: يدعى مجلس النواب الى عقد استثنائي يفتتح بتاريخ 2017/6/7 ويختتم بتاريخ 2017/6/20 ضمناً.
المادة الثانية: يحدد برنامج هذا العقد حصرياً بإقرار قانون جديد لانتخاب أعضاء مجلس النواب.
المادة الثالثة: ينشر هذا المرسوم ويبلغ حيث تدعو الحاجة».