بعد تثبيت التسوية السياسية الجديدة أرجلها في الارض اللبنانية، وتحصينها بقرار حكومي واضح وصريح يقضي بالتزام المكونات السياسية كلّها سياسة «النأي بالنفس»، مرفقٍ بموقف صارم من الرئيس سعد الحريري عن ان «هذا الالتزام يجب ان يكون فعلا وقولا» و»أن من يخرق الاتفاق ستكون مشكلته معه شخصيا»، ارتاح المجتمع الدولي للانطلاقة اللبنانية الجديدة، وفق ما تقول مصادر ديبلوماسية لـ»المركزية»، الا ان عينيه لا زالتا تراقبان حسن تطبيق الدولة للنأي من جهة، ومدى استعدادها لتنفيذ القرارات الدولية كلّها كالـ1701 والـ1559، من جهة ثانية، وهذا ما أظهره تباعا البيان الذي صدر في ختام اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان في باريس الشهر الماضي، وكلام الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد فيديريكا موغيريني من بيروت منذ أيام.
في الموازاة، انطلقت الاستعدادات الدولية بجهد فرنسي، لمؤتمرات الدعم للبنان واقتصاده وجيشه التي وَضعت اجتماعات باريس خريطة طريقها. وفي السياق، تكشف المصادر عن رغبة لبنانية بعقد مؤتمر باريس 4 المرتقب، في لبنان وليس في فرنسا، فيحمل اسم مؤتمر «بيروت 1»، مشيرة الى ان الدولة باشرت تحريك قنواتها الديبلوماسية المعنية بهذا الملف، على خط «الكي دورسيه»، للبحث في أفضل السبل لتحقيق هذه «النقلة».
واذ تشير الى ان احتمالات نجاح لبنان في مسعاه «كبيرة جدا»، تتحدث المصادر أيضا عن جهود لتقريب موعده الذي كان مرتقبا بعد الانتخابات النيابية في أيار 2018، لينعقد قبلها، وربما في نيسان المقبل، بالتزامن مع الزيارة التي ينوي الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون القيام بها الى بيروت، على أن يرأس رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ونظيره الفرنسي المؤتمر العتيد.
وتقول المصادر ان اصرار بيروت على هذه الخطوة «الشكلية»، ينبع من كونها ستشكّل حافزا اضافيا للمستثمرين الذين يفترض أن يعيدهم المؤتمر الى لبنان، اذ ان انعقاده فيه، وحضور ممثلي الدول المانحة الى بيروت، سيشكّل في حد ذاته، رسالة مشجّعة تدل الى مدى متانة واستقرار وأمان الوضع في البلاد.
في الاثناء، يُفترض – بحسب المصادر – أن تنكب مؤسسات الدولة، على إنجاز «فروضها» للخروج من مؤتمر الدعم بأفضل «غلّة»، وهذا ما يبدو أنها في صدده. ففيما يُفترض أن تبصر موازنة 2018 النور مطلع العام، وفي وقت يعمل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على ايجاد سبل التمويل لتفعيل الاقتصاد (وفق ما قال من قصر بعبدا أمس) قد تكون جزءا من خطة وطنية أوسع للنهوض بالاقتصاد، فإن حكومة الحريري، بدأت منذ الان بوضع لائحة بالمشاريع التي تعتزم تنفيذها في شتى المجالات لا سيما في البنية التحتية، لتقديمها خلال المؤتمر.
وتفيد المصادر ان المبالغ التي ستتمخض عنه كبيرة وقد تتراوح بين 10 و15 مليار دولار، موزّعة على خمس سنوات، آخذة في الاعتبار ضرورة تعويض لبنان عن الخسائر الثقيلة التي تكبّدها جراء أزمة النزوح السوري اليه والتي فاقت العشرة مليارات دولار.
من جهتها، تؤكد أوساط مقربة من بعبدا لـ»المركزية»، ان العهد يراهن كثيرا على المؤتمر ونتائجه وما سيتمخض عنه من مساعدات، وهي ترى أنه سيشكل تزخيما قويا للعهد خصوصا انه سيترافق مع انتخابات نيابية تحصل للمرة الاولى بعد تمديدين، مشيرة الى ان لبنان سيكون على موعد مع زيارات لمسؤولين فرنسيين ودوليين، سياسيين واقتصاديين، تحضيرا للمؤتمر العتيد والذي يرجح ان يعقد في بيروت الا اذا طرأت مستجدّات حتّمت ابقاءه في باريس.