لم يسجّل أولُ أسبوع من العام الجديد، أي تطور يمكن البناء عليه للحديث عن «انطلاقة موفّقة» لعربة الحكم، بل على العكس. فالخلاف على مرسوم أقدمية الضباط لا يزال يراوح مكانه، حتى أن رقعته توسّعت بحيث أوحت مواقف عين التينة في الساعات الماضية أن كباشها مع بعبدا تجاوز الاطار العسكري – القانوني، ليتخذ بعدا ميثاقيا «وجوديا» صرفاً يتعلّق بدور المكونات اللبنانية الطائفية والمذهبية في اتخاذ القرارات وادارة البلاد. أما إعلان الحكومة أواخر الشهر الماضي، احترامَها القرارات الدولية وابتعادها عما يعكر العلاقات مع الدول العربية والخليجية، فتعرّض أيضا لانتكاسة قوية في الايام الماضية بفعل مواقف الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله التلفزيونية الاخيرة، التي وجّه فيها سهامه الى السعودية، ملوّحا بجهوزية مقاتلين من حركات المقاومة كافة في المنطقة، للانتقال الى «بوابة فاطمة» اذا قررت اسرائيل فتح مواجهة مع حزب الله.
لا وساطة فعلية بعد
وفيما أعلن رئيس الحكومة سعد الحريري الخميس بعيد مشاورات اجراها مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ووزير المال علي حسن خليل على هامش جلسة مجلس الوزراء في بعبدا ان «جهودا تُبذل لمعالجة موضوع المراسيم»، أشارت مصادر سياسية مطّلعة لـ»المركزية» الى ان أي خطوة فعلية نحو الحلحلة لم تسجّل بعد، معتبرة ان المهمّة التي سيضطلع بها الحريري للتوفيق بين رؤيتي بعبدا وعين التينة من «الأقدمية»، تبدو معقّدة وشاقة حيث ان ايا منهما لا يبدو مستعدا حتى اللحظة، لاضافة «بعض المياه الى نبيذه». فرئيس الحكومة لم يسمع في بعبدا أمس الا مواقفها التي باتت معروفة: مرسوم «الأقدمية» لا يرتب أعباء مالية لذا لا داعي لتوقيع وزير المال عليه. أما رئيس مجلس النواب نبيه بري، فيرابض بدوره على المخرج الذي اقترحه «ويبدأ أوّلاً بإعادة المرسوم إلى وزير المال ليوقّعه»، على حد تعبيره.
الكباش يتجاوز الترقية
السقوف ترتفع: ويعقد الامور أكثر أمام رئيس الحكومة، ويصعّب الحلول، أن الخلاف بين رئيسي الجمهورية ومجلس النواب، تجاوز على ما يبدو، المرسوم بحد ذاته، وأحقيةَ الضباط في الاقدمية، ليتحوّل الى كباش حول نظام حكم البلاد وإدارتها وكيفية اتخاذ القرارات فيها. فرئيس المجلس رفع السقف عاليا أمام زواره أمس وصوّب مباشرة على رئيس الجمهورية، متهما اياه بمحاولة إطاحة «الطائف» الذي نص بين سطوره على اشراك المكونات السياسية كافة في الحكم، والعودة الى النظام الرئاسي الذي كان سائدا قبل الاتفاق المذكور، لـ»وضع قرار الدولة في يد شخص واحد»، كما قال.
وليّن بري نوعا ما، نبرته امس، معلنا أمام المجلس العام الماروني «أن لا نية لديه بالتصعيد ولكنه يتمسك بمعارضته لما يحصل في ملف أقدمية الضباط»، رئيس الجمهورية رد في شكل غير مباشر على الاتهامات التي وجهت اليه، لافتا الى ان «هناك مرجعين للمؤسسات: الدستور والقوانين، وعلى الرغم من حصول بعض المشاكل الا اننا نحتكم الى المرجعين المذكورين، ولا يمكن تجاوز المؤسسات، وعند حصول اي خلاف يجب الاحتكام اليها والى القضاء الذي شهدنا تحسين ظروف عمله»(…)
إعادتها الى حجمها
وذكّرت أوساط سياسية مراقبة بمراسيم أقدمية عدة صدرت عام 2017 من دون توقيع وزير المال بل حملت فقط تواقيع رئيسي الجمهورية والحكومة ووزير الدفاع، و»مرّت بلا ضجيج»، وقد استند اليها العماد عون في اصدار مرسوم ضباط 1994، تقول المصادر إن رئيس الحكومة سيعمل قبل أي شيء آخر، على إعادة الأزمة الى حجمها الأساسي وحصرها في الاطار القانوني المؤسساتي البحت، عبر طمأنة رئيس مجلس النواب خلال لقاء يفترض ان يجمعهما في الايام القليلة المقبلة، الى ان اتفاق الطائف، ثابت ومتين، وان أيا من المكونات السياسية لا يطمح الى تعديله ولا يعمل للانقضاض عليه. وتتوقع المصادر ان تأتي نهاية الازمة على قاعدة «لا غالب ولا مغلوب»، وعبر إضافة توقيع وزير المال الى مرسوم الاقدمية لكن من ضمن صيغة حل «شاملة» سيتحرّك «حزب الله» أيضا لتسويقها لدى حليفيه.