توقيع اتفاقيتي الاستكشاف والتنقيب يضع لبنان في مسار الدول المنتجة
ياغي لـ «الشرق» : لإنتهاز الفرصة لتثبيت سيادتنا على كامل المنطقة الاقتصادية
كتب المحرر الاقتصادي:
دخل يوم الجمعة 9 شباط 2018 تاريخ لبنان المعاصر مع توقيع أول اتفاقيتي استكشاف وتنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية اللبنانية مع تحالف الشركات الثلاث «توتال» الفرنسية، «نوفاتيك» الروسية، و»إيني» الإيطالية، برعاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحضوره، في حفل رسمي جَمَعَ الشخصيات الرسمية كافة، في إشارة واضحة إلى الموقف اللبناني الرسمي الموحّد لجبه الأطماع الإسرائيلية بالمياه الإقليمية اللبنانية، وإيصال رسالة إلى المجتمع الدولي بتمسّك لبنان بحقه في ثروته النفطية.
وإثر هذه الخطوة، أعلنت شركة «توتال» أنها تعزز تواجدها في منطقة شرق المتوسط عبر دخول منطقتيّ امتياز للتنقيب البحري في لبنان. وأضافت أن الـ»كونسورتيوم» الدولي الذي تقوده الشركة الفرنسية وقع اتفاقيتين للتنقيب والإنتاج مع حكومة لبنان، حيث ستتولى «توتال» تشغيل المشروع الذي تبلغ حصتها فيه 40 في المئة مقابل 40 في المئة لـ»إيني» و20 في المئة لـ»نوفاتيك».
وقالت «توتال» إن «الاتفاق يشمل رقعتيّ الامتياز 4 و9 الواقعتين قبالة سواحل لبنان في الجزء الشرقي من البحر المتوسط، أن أولوية التحالف تتمثل في حفر أول بئر استكشافية في المنطقة رقم «4» في 2019. وأوضحت أنها وشركاءها على دراية كاملة بالنزاع الحدودي بين لبنان وإسرائيل في الجزء الجنوبي الذي لا يغطي سوى منطقة محدودة للغاية من الامتياز رقم»9»، وأن التحالف أكد أن البئر الاستكشافية في الرقعة رقم «9» لن تتداخل على الإطلاق مع أي حقول أو مكامن محتملة تقع جنوبي المنطقة الحدودية.
وفي معرض دحض الأقاويل الإسرائيلية أن الرقعة «9» تتداخل مع الحقوق النفطية الإسرائيلية، شرحت مصادر متابعة أن «بعد العام ٢٠٠٧ ، تم ترسيم جديد للمياه الإقليمية اللبنانية تولته لجنة وزارية عام ٢٠٠٩ والتي تألفت من وزارات الطاقة والمياه والخارجية والجيش اللبناني ممثلاً وزارة الدفاع الوطني، المجلس الوطني للبحوث العلمية الى جانب ممثل عن رئاسة مجلس الوزراء برئاسة وزارة الاشغال العامة والنقل، أظهر أن النقطة الثلاثية الأبعاد التي تحدّد الحدود البحرية الجنوبية تقع على مسافة ١٧١٦٠ متراً جنوبي النقطة واحد. وخلقت اسرائيل منطقة نزاع مساحتها ٨٦٠ كلم2 تتواجد داخل المياه الوطنية اللبنانية وهي حق للبنان».
وأضافت أن «اللجنة الوزارية رفعت نتائج عملها الى الحكومة وأصدر مجلس النواب قانون 163 /2011 حدّد بموجبه الحدود البحرية اللبنانية استناداً الى اتفاقية قانون البحار ونتيجة اعمال اللجنة الوزارية، والتي وثقت لدى الامم المتحدة». ورأت أن الحل يكمن في الاحتكام الى وساطة دولية جديدة بين لبنان واسرائيل تتولاها جهة ثالثة مقبولة من الطرفين كالأمم المتحدة او احدى الدول الكبرى». في هذا السياق، اعتبر الخبير النفطي ربيع ياغي في حديث إلى «الشرق»، أن التهديدات الإسرائيلية الأخيرة في خانة الضغط على تحالف شركات النفط الأجنبية لتتراجع عن اتفاقات الاستكشاف والتنقيب عن النفط في المياه الإقليمية اللبنانية، بعد إعلان موعد توقيع العقد بين الدولة اللبنانية وتحالف شركات «توتال» الفرنسية و»إيني» الإيطالية و»نوفاتيك» الروسية، وبالتالي امتناعها عن ممارسة نشاطها النفطي في الـ»بلوك 9» على الحدود معها، مذكّراً بأن مساحة المنطقة الاقتصادية اللبنانية الخالصة هي في حدود 23 ألف كلم2 تضمّ 10 بلوكات كان حدّدها لبنان قانوناً إلى جانب الإحداثيات المطلوبة لكل «بلوك».
واعتبر أن على لبنان انتهاز هذه الفرصة لتثبيت سيادته على كامل المنطقة الاقتصادية الخالصة «لأن عملية التنقيب والإنتاج من «بلوك 9» هي مجرّد تثبيت للسيادة اللبنانية».
وقال رداً على سؤال: يعود التهديد الإسرائيلي إلى أنه في مقابل الحقل «9» في الجنوب هناك حقل «كاريش» في إسرائيل الذي يبعد نحو 5 كيلومترات عن لبنان، قد يكون امتداده في بلوك «9» وبلوك «8» لأن الحقل لا ينحصر في مساحة جغرافية صغيرة بل تمتد لعشرات الكيلومترات، وكي لا يستفيد لبنان من استثمار الجزء من الحقل المشترك افتراضياً، تكون إسرائيل التي تطوّر حالياً هذا الحقل، المستفيدة الوحيدة من هذه الثروة النفطية طالما لبنان لا يمارس نشاطه النفطي في الوقت الراهن.
وأكد «أهمية وضع الأولويات في ترسيم خريطة الطريق اللبنانية قبل المباشرة بالعمل، وهي تحديد مساحة البلوكات للتمكن من التصرّف فيها، في حين وضع لبنان السلّم في المقلوب»، ودعا إلى «التحرّك اتجاه التهديدات الإسرائيلية بعيداً من ردات الفعل «العالية النبرة»، بل المهمّ أن تتحرّك الديبلوماسية اللبنانية لتضع حداً لمثل هذه التهديدات المقصود فيها لبنان عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن والدول التي تنتمي إليها هذه الشركات، كي نتعاون معاً على لجم التهديدات الإسرائيلية.
وأوضح ياغي أن «الشركات الثلاث تعلم جيداً الفوضى السياسية والأمنية القائمة في المنطقة، ورغم ذلك رغبت في الاستثمار في لبنان بمليارات الدولارات، فهي بالتالي ليست متردّدة أو خائفة من التهديدات الإسرائيلية، بلد لديها كل المعطيات الإيجابية، وعلينا ترسيخ تلك المعطيات والتخفيف من بيروقراطيّتنا التقليدية كي تكون مهمّتها سهلة، وفي الوقت ذاته نطلب أقصى درجات التعاون الديبلوماسي مع حكومات تلك الشركات حتى نستطيع وقف إسرائيل عند حدّها، لأنه في حال نجحت في إيقاف تلك الشركات لمرة واحدة عن الاستثمار في الـ»بلوك 9» فلن نستطيع أن نستفيد من كل الشريط البحري الذي يشمل البلوكات الثلاثة 8 و9 و10، لا في المستقبل القريب ولا في الأمد البعيد».