بالتزامن مع اعلان الرئيس الاميركي دونالد ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الذي أبرمه سلفه باراك اوباما مع ايران عام 2015، كانت واشنطن تدعو جميع الأطراف اللبنانية «الى الحفاظ على سياسة النأي بالنفس عن النزاعات الخارجية». ففي بيان صادر عنها خصصته لتهنئة اللبنانيين على اجراء الانتخابات النيابية، أعلنت السفارة الأميركية في بيروت أن «في الوقت الذي يتطلع لبنان إلى تأليف حكومة جديدة، نحضّ جميع الأطراف على احترام التزامات لبنان الدولية، بما في ذلك تلك الواردة في قرارَي مجلس الأمن 1559 و1701، بالاضافة الى سياسة «النأي بالنفس» عن النزاعات الخارجية»، آملة «في أن تستمر الحكومة اللبنانية المقبلة بالسير على طريق بناء لبنان مستقرٍ وآمِن، ملتزم بالسلام ومستجيب لاحتياجات الشعب اللبناني».
صفحة تشدّد جديدة
وبحسب ما تقول مصادر سياسية، فإن واشنطن فتحت منذ الامس، صفحة تشدد اضافي مع ايران، ستكون لها بلا شك ارتداداتها على المنطقة عموما وعلى الدول التي للجمهورية الاسلامية نفوذ فيها خصوصا، ومنها لبنان حيث الحضور الفاعل لـ»حزب الله». والمطلوب من بيروت أميركيا في هذا الوقت، تضيف المصادر، أن تمنع تحويل أراضيها صندوق بريد أو ساحة تستخدمها طهران لتصفية حساباتها مع واشنطن وتوجيه الرسائل الى الاقليم والعالم. وهذا هو الغرض الاول من النداء الذي كررته واشنطن أمس لناحية ضرورة التزام الحياد والنأي بالنفس.
تطويق ايران في المنطقة
في الموازاة، تتابع المصادر، وعلى خلاف التباعد في النظرة الى الاتفاق النووي، تتفق الولايات المتحدة، مع الاوروبيين (وأيضا العرب)، على ضرورة تطويق الحضور الايراني في المنطقة وتحجيمه، وذلك عبر استهداف أذرعه في المنطقة. ويبدو ان اصرارهم على تحقيق هذا الهدف سيزداد صلابة في قابل الايام. وبالتالي، فإن على لبنان في هذه المرحلة، واجب ملاقاة الجهود الدولية هذه، عبر الوفاء بالتعهد الذي قطعه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون للمجتمع الدولي، بدرس استراتيجية دفاعية تستوعب سلاح «حزب الله» وتحوّله من ميليشيا مسلّحة، الى حزب سياسي أعزل.
الحوار الوطني ودور المجلس
ويبدو ان العماد عون ذاهب في هذا الاتجاه. فهو اشار أمس، خلال تحديده الاولويات الرئاسية لمرحلة ما بعد الانتخابات النيابية، الى ان الاستراتيجية ستكون مدار بحث. وقد أكد أنه سيسعى مع رئيسي المجلس النيابي والحكومة «كي يستعيد المجلس العتيد دوره الرقابي والتشريعي، فيكون بذلك مساحة اللقاء الطبيعية لعرض القضايا التي تهمّ اللبنانيين ومناقشتها، ولا سيما تلك التي ستكون محور حوار وطني يعتزم الدعوة إليه، بهدف «استكمال تطبيق اتفاق الطائف بكل مندرجاته الواردة في وثيقة الوفاق الوطني، ووضع استراتيجية دفاعية تنظم الدفاع عن الوطن وتحفظ سيادته وسلامة أراضيه».
«المناخات الملائمة»
وفي وقت تشير الى ان هذا الموقف يرسل اشارات مطمئنة ومريحة للخارج، فإن المصادر تلفت الى ان يبقى ترقّب ما يمكن ان ينتج عنه النقاش المنتظر. فاذا كان «حزب الله» سيشارك في الحوار، وقد أبدى انفتاحا على درس استراتيجية دفاعية، فإنه في المقابل لا ينفك يؤكد ان «المقاومة ستستمر حتى زوال اسرائيل» وقد رأى امينه العام غداة الانتخابات ان «النتائج أمّنت الشرعية والحصانة لسلاح الحزب». فكيف سينتهي الحوار العتيد؟ وهل يفرط الحزب عقدَه إن شعر ان سلاحه مهدد فعلا؟ وايضا، هل ينحصر دور «الطاولة» بتهيئة المناخات الملائمة لمواكبة التطورات الاقليمية، على ان يأتي الحل للسلاح من ضمن التسوية الكبرى للمنطقة، كون لبنان عاجزا عن القيام بهذه المهمة وحده؟