على أهمية الأبعاد التي اكتسبتها زيارة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع لمعراب امس معطوفة على ارجاء الرئيس المكلف سعد الحريري زيارته للخارج، افساحا في المجال امام المزيد من الاتصالات بين القوى السياسية، بدا المأزق التشكيلي على حاله من الرتابة مع انعدام المعطيات الحسيّة حيال الشلل المتصاعد الذي يسود اجواء محاولات تذليل العقد لاسيما المسيحية والدرزية.
واذا كان اتصال رئيس القوات بوزير الخارجية جبران باسيل في اعقاب لقاء بعبدا، مساء وما تسرب منه عن طلب الاخير ايفاد وزير الاعلام اليه، شق القناة الاولى في اتجاه ترتيب لقاء الرجلين، فإن مثل هذا اللقاء قد لا يعقد قريبا ما دام رئيس التيار الوطني الحر سيغادر بيروت في الساعات المقبلة في اجازة عائلية الى احدى دول اوروبا. الا ان المساحة الزمنية الفاصلة عن الموعد المفترض قد تشكل فرصة لترسيخ مناخات التهدئة الضرورية للانطلاق في رحلة التشكيل وقد احتلت المرتبة الاولى في خريطة الطريق التي رسمها عون وجعجع.
ليس في المدى المنظور
الاكيد حتى الساعة استنادا الى المعطيات المتجمعة في الافق التشكيلي، ان لا حكومة في المدى المنظور، او على الاقل قبل نهاية الشهر الجاري، كما قالت اوساط سياسية مواكبة لـ»المركزية»، ذلك ان الامور عادت الى المربع الاول المتمثل بتحضير المناخات المناسبة لبدء التفاوض حول العقد الثابتة، خصوصا ان بعضها لا يبدو في وارد الحل، لاسيما الدرزية، في ضوء اصرار الحزب الاشتراكي على الحقائب الثلاث «مهما كان وتحت اي ظرف»، وانكفاء حركة الوساطات الفاعلة على هذا الخط، وغياب معظم المسؤولين عن البلاد، علما ان رئيس المجلس النيابي نبيه بري الموجود مع عائلته في جنوب ايطاليا منذ اسبوع، سيعود الى بيروت قبل مطلع الاسبوع المقبل.
إحياء التواصل
اذا أردنا النظر الى النصف الملآن من الكوب، فإن الحركة التي سُجّلت أخيراً على ضفة الحكومة «المنتظرة»، جيدة وإيجابية، شكلا ومضمونا. فاللقاء الذي شهده قصر بعبدا عصرا وضم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، أنتج تفاهما على إحياء التواصل بين معراب والتيار الوطني الحر، بما يساعد في تذليل عقدة التمثيل المسيحي في الحكومة العتيدة، ويسهّل تاليا، إبصارَها النور… أما لقاءات بيت الوسط، وأبرزها جمع الرئيس المكلف سعد الحريري الى وزير الاعلام، موفدا من جعجع، قبل ان ينضم اليهما عضو اللقاء الديموقراطي النائب وائل ابو فاعور، موفدا من رئيس التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وما تخللها من مكالمات هاتفية بين الحريري وعون والحريري وجعجع، والاخير وأبو فاعور، فتصب في الخانة نفسها ايضا، حيث فعّلت التواصل بين المعنيين بعملية الولادة الحكومية، عموما، وبالعقبات التي تعترض إنجازها، خصوصا.
غير ان الجانب الآخر من «الصورة»، والذي لا يدفع الى كثير من التفاؤل، بحسب ما تقول مصادر سياسية متابعة، هو ان هذه الحركة أكدت ان لا ولادة حكومية في المدى المنظور، وأن مساعي التأليف لا تزال في الخانة الاولى، هذا إن لم نقل أنها لم تبلغها بعد! فحصيلة المباحثات التي دارت أمس، تبين أنها تقف عند حدود الاتفاق على ضرورة تعزيز مناخات التهدئة بين الاطراف السياسية المتنازعة في ما بينها، ولا سيما المسيحية منها، للانكباب بعد ذلك، على النظر في التركيبة الوزارية المنشودة لناحية حصص وأحجام كل فريق. تشير المصادر الى جملة محطات سيتعين على قطار التشكيل، المرور بها، قبل الانطلاق فعليا نحو وجهته الرئيسية.
اللقاء الموعود
أبرز هذه المحطات، اجتماع يفترض ان يضم رئيس القوات ورئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، علما ان اللقاء المرتقب ستسبقه سلسلة اجتماعات ولقاءات تحضيرية بين قياديي الحزبين المسيحيين، ستعد الارضية المناسبة لاجتماع جعجع – باسيل. وتلفت المصادر الى ان مسار ترميم «هيكل» العلاقات بين الجانبين، التي ترنّحت قواعده بقوة في الاسابيع الماضية، لن يكون سهلا حيث سيتطلب رأب الصدع تنازلات متبادلة. فهل الطرفان جاهزان لها؟ حتى الساعة، القوات ملتزمة «هدنة» مع التيار، ولا تعلن سوى رفضها تحجيمها. أما على جبهة «الوطني الحر»، فيواصل مسؤولوه القنص على «القوات» في حين يؤكدون ان «على كل طرف ان يأخذ حصته التي تعكس حجمه لا أكثر، وان التيار لن يتنازل عن ايّ من حقوقه لصالح اي طرف، ولن يعطي «هدايا من كيسه».. فما المدة الزمنية التي يمكن ان يستغرقها «مشوار» إعادة الروح الى تفاهم معراب من جهة، والتوصل الى صيغة وزارية «مسيحية» مرضية لطرفيه من جهة ثانية؟ المنطق يقول، تضيف المصادر، إن «الورشة» هذه يجب الا تتأخر او تطول، بل يجب ان يوضع سقف زمني محدد لها، خصوصا انها ستؤثر مباشرة على مدة مخاض «التأليف».
وما يجب الا ننساه في هذا المجال أيضا، هو ان العقدة الدرزية لا تقل معالجتها صعوبة، حيث ان أبو فاعور أكد للحريري مجددا أمس، اصرار الاشتراكي على الحصول على 3 وزراء دروز في الحكومة العتيدة احتراما لنتائج الانتخابات النيابية.
لازلنا اذا في مرحلة تحضير الارضية المناسبة التي، متى باتت صالحة، ستسمح للحريري باستئناف جهوده للتشكيل. فهل هذا يعني ان المشوار الى الحكومة سيكون طويلا؟ أم ان الضغوط الدولية المستعجلة التأليف واطلاق الاصلاحات ستفعل فعلها؟