أوضح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن القطاع المصرفي اللبناني متين ومستوف كل الشروط التي وضعت في مؤتمر «بازل 3». وقال إن لا إقتصاد يستطيع أن ينمو ويتطور إذا لم يكن عنده قطاع مصرفي سليم. وأشار الى أنه ليس فقط مصرف لبنان من يؤكد متانة الوضع المالي بل المؤسسات الخارجية ايضاً. وشدد على أن أحد أعمدة قوة مصرف لبنان بعده عن السياسة. وأكد أن «عندنا مؤسسات مالية سليمة والنظام المالي لا يعاني قلة سيولة أو مخاطر مالية معينة». وقال سلامة إن مصرف لبنان متحكم بسعر صرف الليرة وإن كل كلام عن خطر يصيب سعر الصرف، لا يستند الى أسس رقمية مطمئناً بالتالي الى أن الليرة اللبنانية ثابتة وثابتة باستمرار. وأشار الى «أننا لا نتكلم عن شيء، غير مدعم بالأرقام سائلاً: علام يرتكز الذين يتكلمون عن إنهيار الليرة أو التراجع في سعر الصرف؟
وتحدث حاكم البنك المركزي عن أزمة الإسكان قائلاً إن العملية تحتاج الى تنظيم ووضع أهداف وسياسة للإسكان موضحاً أن هذا ليس من صلاحية مصرف لبنان (…) لكنه لا يدير ظهره لهذا الموضوع بل هو موجود ولكن عليه أن يكون منطقياً مع نفسه، ومع حماية الصورة المالية الأكبر. وقال: «ثمة رزمة مالية لمصرف لبنان لم تحدد قيمتها بعد فنحن سنبقى داعمين للوضع الإقتصادي وهذا من ضمن سياستنا لضخ السيولة وسنرى في ضوء موازنة الدولة للعام 2019 كم يمكننا ضخ سيولة من دون أن تخلق تضخماً».
زار وفد من نقابة الصحافة ضم النقيب عوني الكعكي وجورج صولاج وجورج بشير وفيليب ابي عقل، الحاكم سلامة، وكان عرض للأوضاع المالية والاقتصادية.
النقيب الكعكي
بداية ألقى الكعكي كلمة قال فيها: «نعتز بشخصية تعمل على الحفاظ على البلد، وفخر لكل لبنان ان يكون عندنا رياض سلامة، الذي قرع الجرس له في وول ستريت. واليوم نحن في اصعب المراحل، والجميع في انتظار رأيكم للاطمئنان الى الوضع العام».
الحاكم
ورد سلامة: «شكرا لأنكم تنقلون الى الرأي العام نظرتنا العلمية والموضوعية، فنحن لا ندخل في أي طرح لا يكون مدعما بالارقام والوقائع. لبنان مر خلال السنوات الاخيرة بظروف دقيقة، وبالاخص منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري ثم حرب 2006 والازمة الاقتصادية العالمية، ونعرف ان كل ذلك ترك تراكمات لا يمكننا تجاهلها، لها أثر على الاقتصاد اللبناني وعلى الوضع المالي. وهناك وضع عالمي متأثر بالوضع في المنطقة، ولبنان يتحمل نتائجه من خلال قوانين العقوبات التي صدرت، وكلكم تعرفونها».
وقال: «امام كل هذا الواقع مهمة مصرف لبنان هي الحفاظ على استقرار صرف الليرة واستقرار التسليف وسلامة القطاع المصرفي والمساهمة في ملاءة الدولة. وتعرفون ان 69% من الودائع في المصارف اللبنانية هي بالعملات الاجنبية واساسا بالدولار. والجزء الاكبر من التسليفات، اي 80% بالعملات الاجنبية. ولا يمكننا عندما نقوم بمقاربة للاوضاع المالية والاقتصادية ان نتجاهل التاريخ، لان هذه الامور تؤثر على معنويات المستثمر والمستهلك.والبنك المركزي عندما يضع سياساته واهدافه يرتكز على الواقع اللبناني، والواقع النقدي ليس معزولا عن الوضع العام للبلد».
أضاف: «الاقتصاد اللبناني يمول بعملة غير عملة لبنان، والمقاربة التي يقوم بها مصرف لبنان للمحافظة على الاستقرار النقدي يجب أخذها في الاعتبار. فكل من يتكلم عن تصحيح يجب أن يعرف أنني مهما قمت بتصحيحات في موضوع النقد، اذا لم نستطع استقطاب دولارات الى لبنان فلن نستطيع الوصول الى الغاية التي نرتجيها، أي أننا سنصل الى وضع لن نغير شيئا في كلفة الانتاج في البلد لانها مدولرة. وسترتفع الفوائد لان المخاطر زادت، ويكون الوضع الاقتصادي ازداد سوءا ولم نكتسب شيئا. فالكل يحسبون معاشاتهم ومصروفهم وتكلفتهم بالدولار، والتسعير للبيع بالدولار».
سعر الصرف
واضاف: «وامام هذا المشهد، هناك مطلب وطني ورسمي يؤيده مصرف لبنان للمحافظة على استقرار سعر صرف الليرة، لان معظم اللبنانيين مداخيلهم بالليرة اللبنانية، وأي تغير في سعر صرف الليرة او اضعافها يفقر هؤلاء المواطنين، ولا تتحقق مكاسب اقتصادية في المقابل. ومصرف لبنان يعمل دائما ليكون عنده احتياطات بالدولار الاميركي، ولذا لا يكون استقرار صرف الليرة شعارا، انما يكون مبنيا على وقائع وأرقام».
وأشار الى أن «البنك المركزي عنده 44 مليار دولار موجودات بالعملات الاجنبية، والسوق اللبنانية ليس فيها عملات لبنانية، اذا اردنا تحويلها كلها الى الدولار فكل المصارف اللبنانية قيمة الموجودات فيها بالليرة اللبنانية حتى 2020 لا تتعدى 15 الى 16 مليار دولار. لذلك ترون في هذه المعادلة ان مصرف لبنان متحكم بسعر صرف الليرة، وكل الكلام عن خطر يصيب سعر صرف الليرة، هو كلام لا يستند الى اسس رقمية، ومن هنا اعود لاقول اننا هنا اليوم ليس لنساير، وان الليرة اللبنانية ثابتة، وثابتة باستمرار. نحن لا نتكلم عن شيء غير مدعم بالارقام، والذين يتكلمون عن انهيار الليرة او التراجع في سعر الصرف على ماذا يرتكزون؟».
وأوضح أن «مقاربة مصرف لبنان للاوضاع النقدية تستند الى نمط السوق ايضا، وقد ارتفعت الفوائد في لبنان، لكنها ارتفعت بشكل مقبول، ولم يكن ممكنا ألا ترتفع لانها ارتفعت عالميا وفي المنطقة كلها. واذا أراد لبنان ان يتجاهل ويقف ضد هذا الجو يخسر جاذبيته في استقطاب الودائع، واليوم كل المؤسسات الدولية تؤيد هذه المقاربة لانها تعتبر أن عنصر القوة هو الاستقطاب، ونحن عندنا قطاع مصرفي متين ومستوف كل الشروط التي وضعت في مؤتمر بازل 3، وقد طبقنا معايير المحاسبة الدولية كليا، ولدينا سيولة مالية مرتفعة، ما يعني انه عندنا مؤسسات مالية سليمة، والنظام المالي عندنا لا يعاني قلة سيولة او مخاطر مالية معينة، وإذا أخذنا التسليفات نجد ان القطاع المصرفي قد سلف القطاع الخاص 60 مليار دولار، أي أكثر من الناتج المحلي، غير ان الديون المشكوك في تحصيلها ما زالت بالنسبة نفسها التي رأيناها في السنوات الماضية، وهي 3.5 في المئة من المحفظة الائتمانية، وفي أسوأ الحالات يمكنها الوصول الى 4%، وهي نسبة يستطيع القطاع ان يسيطر عليها».
الإستقرار التسليفي
وشدد على «أن مصرف لبنان موجود في القطاع المصرفي، وهذه واجباته، ان يحافظ على قانون النقد والتسليف، وعلى المصارف حتى يلبي مهمته المحددة في المادة 70 من قانون النقد والتسليف، والتي هي للمحافظة على الاستقرار التسليفي. وما من اقتصاد يستطيع ان ينمو ويتطور اذا لم يكن عنده قطاع مصرفي سليم. كما تكلمنا عن العملة، وإذا لم يكن هناك عملة ثابتة تتراجع الثقة وترتفع الفوائد. فإذا لم يكن القطاع المصرفي سليما، من أين يأتي بالاموال حتى يمول الاقتصاد؟ نحن سياستنا واضحة ولن نقدم على إفلاس مصارف، ولأجل ذلك هذه السياسة مدعومة بقرار رسمي، عبر قانون موجود في المجلس النيابي هو قانون دمج المصارف، وهذا القانون قد أقر لان هناك قرارا رسميا في لبنان بأننا لا نريد ان نرى افلاسات».
ولفت الى أنه «منذ ظهور سياسة عدم افلاس المصارف، نمت الودائع بشكل لافت وصارت تساوي أكثر من ثلاث مرات ونصف مرة الناتج المحلي. وعلى صعيد الدولة، على مصرف لبنان ان يقيس دائما مداخلاته مع الدولة تبعا لاهدافه واداراته للسيولة التي يضعها في السوق، وهنا نؤكد أن السيولة التي نطرحها في السوق لا يمكنها ان تكون مفتوحة على كل الجهات، فعندما يضطر مصرف لبنان الى أن يضخ سيولة يكون مساهما في ملاءة الدولة نظرا الى العجز في الميزانية، فلا يعتبر ذلك حدثا عابرا ويضخ سيولة في غير اماكنها».
الأزمة الإسكانية
وتناول أزمة الاسكان، فأشار الى «أننا وضعنا رزمة مالية في 2018 ولكن حصل طلب على الاموال اكثر بكثير مما وضعنا، فقد وضعنا مبلغ 500 مليون دولار وكان الطلب بقيمة 800 مليون دولار كقروض سكنية، واتفقنا مع المصارف على تلبية الـ800 مليون دولار، على ان تتحمل هي كلفة مبلغ الـ 300 مليون، وفي الوقت نفسه يعود مصرف لبنان ويدخلها في رزمة 2019، وصدر تعميم في هذا الامر وتمت تلبية كل الطلبات، كما ان الطلب يتوقع ان يرتفع أكثر، لذلك تحتاج العملية الى تنظيم ووضع اهداف وسياسة للاسكان، وهذا ليس من صلاحية مصرف لبنان.
القروض المدعومة الباقية مستمرة ولم تنته، اي القروض التي لها علاقة بدعم السياحة والزراعة والصناعة والبيئة والقطاعات المنتجة ما زالت قائمة، ولا يزال السوق يستعملها. فالقطاع المصرفي في لبنان وخارج لبنان، اذا لم يكن عنده مصارف في الخارج تعمل معه يتعطل، ونظام الامتثال الذي وضعناه لاقى قبولا وارتياحا عند المصارف المماثلة. وثمة رزمة مالية لمصرف لبنان لم تحدد قيمتها بعد، فنحن سنبقى داعمين للوضع الاقتصادي، وهذا من ضمن سياستنا لضخ السيولة، وسنرى في ضوء موازنة الدولة للعام 2019 كم يمكننا ضخ سيولة من دون ان تخلق تضخما».
وتابع: «القصة تعود للامكانات، ونحن نتمنى ان يكون لكل لبناني منزل خاص به، وفي الاساس من خلال الدعم الذي قدمناه لقطاع الاسكان، ولد 130 الف منزل للبنانيين، وكل ذلك حصل من خلال السياسة النقدية التي قمنا بها، وفي آخر 13 شهرا تم دعم ما يساوي مليارين و300 مليون دولار من القروض السكنية. مصرف لبنان لا يدير ظهره لهذا الموضوع، بل هو موجود، ولكن عليه ان يكون منطقيا مع نفسه ومع حماية الصورة المالية الاكبر. فالعملية تحتاج الى انضباط في هذا القطاع ومقاربة واقعية اكثر من ناحية الفوائد».
وأكد «أننا استطعنا ايجاد الآليات المناسبة التي لا تضر لبنان ولا اللبنانيين وتتوافق مع القوانين التي تصدر خارج لبنان من قوانين عقوبات وغيرها، وبهذه الطريقة استطعنا ان نحافظ ليبقى لبنان منخرطا في الصيرفة العالمية. وانتم تعرفون اليوم ان ذلك عمل يتطلب جهدا كبيرا، والضغوطات المالية والاقتصادية هي التي تقرر الحرب الحقيقية، على الرغم من كل هذه الصعوبات استطاع لبنان بفضل هذا النظام الامتثالي الموجود وبشهادة الجميع ان يبقى مستمرا». وقال: «ثمة مؤسسات دولية تتابع وضع لبنان وتعطي رأيها ونظرتها المستقبلية للبنان، وتقول إن الوضع ثابت وتعلل ذلك الثبات بوجود وضع نقدي متين، وتطالب بإصلاحات حتى يكون عندنا وضع مالي متين، ومن هنا نقول ليس فقط مصرف لبنان من يؤكد متانة الوضع المالي، بل المؤسسات الخارجية أيضا».
دور الإعلام
وعن دور الاعلام لفت سلامة الى انه «دور اساسي يساهم في تكوين نظرة الرأي العام وتدعيم الثقة بالبلد، والمواضيع الاخرى لا يمكنني ان اتطرق اليها حتى لا ندخل في التجاذبات الموجودة في لبنان، ومصرف لبنان احد اعمدة قوته بعده عن السياسة، وأي كلام في أي موضوع يتم تفسيره على اننا نتدخل في الامور السياسية، ونحن نعمل لمصلحة كل اللبنانيين، وهيئة التحقيق الخاصة بمكافحة تبييض الاموال تكافح الفساد عندما يمر في القطاع المصرفي، وقد اتخذت مبادرات قام بها مصرف لبنان منها الغاء مصارف وتجميد حسابات لمصارف مشتبه فيها.
نحن لسنا متجاهلين لهذا الوضع، وهذا من ضمن ما تكلمنا عنه، اي نظام الامتثال الذي وضعناه والذي يأخذ في الاعتبار موضوع الفساد، فإذا أردنا الحفاظ على الاستقرار التسليفي وعلى التحويلات، يجب أن نأخذ ذلك في الاعتبار. ونحن نعتبر مؤتمر سيدر مفيدا للبنان، لانه وضع اموالا بكلفة منخفضة من اجل اعادة تكوين البنية التحتية، فمن دون بنية تحتية لا اقتصاد منتجا ولا نمو اقتصاديا».
الدين
وأشار الى أن «دور مصرف لبنان غير محدد بالنسبة الى المؤتمر، والدور الاساسي للحكومة اللبنانية، اذا كانت الحكومة تريد لمصرف لبنان ان يقوم باي دور، هي من يحدد ذلك. وإذا نظرنا الى الدين الموجود في السوق، نرى أن ما يحكى عنه رسميا هو بحدود 80 مليار دولار، لكن الدين السوقي يجب ان تحسموا منه ما هو خارج السوق، فيكون دين لبنان اقل من هذه القيمة، وربما يصل الى 50 مليارا، كما ان الناتج المحلي في لبنان لا يعبر تماما عن النشاط الاقتصادي لانه ليس كل الاعمال تخضع للفوترة. فالناتج المحلي هو أكثر من 53 مليار دولار، وثمة تقديرات تراوح بين 60 و70 مليار دولار، واذا حافظنا على جو من الثقة تتدنى الفوائد».
وأكد الحاكم سلامة أن «لبنان يستطيع تمويل نفسه ولكن بكلفة أعلى، وليس هناك انهيار، بل المطلوب حسن الادارة لمصلحة لبنان».