اعتبارا من ظهر اول امس، انكشف المشهد التشكيلي الحكومي على فصل جديد من فصول «مسرحية عرقلة ولادة الحكومة» وعقدها المتناسلة منذ 24 ايار الفائت. سقط القناع الذي تلطى خلفه بعض القوى السياسية جالسا في مقاعد المتفرجين على مدى الاشهر الخمسة المنصرمة وانفضح مكمن العقدة الجوهرية التي جاءت غبّ الطلب لحظة فضح سيناريو التعطيل المبرمج، في محاولة قد تكون الاخيرة لاشاحة الانظار عن الحقيقة، بعدما نفدت الذرائع وانتهت الحجج المرفوعة سواتر ترابية في وجه خروج حكومة الرئيس سعد الحريري الى النور.
تحت هذا العنوان، تقرأ مصادر سياسية متابعة ما يدور على الحلبة التشكيلية من صراع قوى خفي، فتقول ان كل ما يثار حول عقد تمنع التشكيل ليس سوى غبار في صحراء قرار اتخذه حزب الله ويجاريه فيه بعض اصحاب المطامع والحسابات الشخصية الآنية يقضي بعدم السماح بالانتقال الى مربع التأليف، إما رهانا على تطورات خارجية ابرزها العقوبات والانتخابات الاميركية بحيث قد تصبح معها الامور اكثر وضوحا او لحمل الرئيس الحريري على تشكيل «حكومتهم» فاقدة التوازن، التي توافق الحزب في مشروعه العابر للحدود وتناسب رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل في طموحاته الرئاسية. من هنا تضيف المصادر كانت محاولة تحجيم حزب القوات اللبنانية الى الحد الاقصى بهدف احراجه لاخراجه، الا ان تلقف رئيس الحزب سمير جعجع كرة نار مشروع التعطيل وتصديه للمخطط المشار اليه، حال دون بلوغ مرمى تشكيل حكومة «حزب الله» كما تسميها المصادر، حيث «لا حول ولا قوة ولا سند للرئيس الحريري فيها»، من خلال اعلان «المشاركة في الحكومة ولو ظلما». وليس ادلّ الى ذلك، وفق ما تشير من الحملة الاعلامية المنظمة التي شنها اعلام الحزب أمس على القوات، اثر قرارها الذي تعتبر المصادر انه قد يكون فاجأه، ما اضطره الى استخراج ارنب عقدة تمثيل سنّة المعارضة من قبعته التي ما تزال فيها على الارجح عقد اخرى جاهزة للاستخدام حين تدعو الحاجة.
وتوضح المصادر في هذا المجال، بأن الحزب حينما اشتم رائحة تذليل العقدة القواتية منذ نحو اسبوعين وقت تبلغ الحريري من الرئيس عون قبوله التنازل عن حقيبة العدل لصالح القوات وبلغ التفاؤل أوجه بولادة الحكومة خلال ساعات، أطّل امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله ليبدد التفاؤل داعيا الى عدم تحديد مواعيد للتشكيل لان هناك عقدا لا تزال عالقة، ما اثار آنذاك موجة استغراب واسعة سرعان ما تبددت مع عودة التصلب اثر زيارة الوزير باسيل الى بيت الوسط والاعلان عن عدم التنازل عن حقيبة العدل. وتضيف: ولما بلغت الامور ما بلغته ازاء الحصة القواتية واعلن جعجع قرار المشاركة سحب حزب الله ورقة سنّة المعارضة من جيبه التي نامت فيها طوال الفترة الماضية ليمنع التشكيل الذي كادت مراسيمه تصدر أمس لولاها. وفي هذا المجال تسأل المصادر اين كانت عقدة تمثيل السنة خلال الاشهر الخمسة التي كانت تعالج خلالها سائر العقد المسيحية والدرزية، ولماذا اطلت فجأة باعتبارها امّ العقد، فلا حكومة من دونها، وحزب الله لن يسلم اسماء وزرائه للحريري اذا لم يوزّر هؤلاء، بعدما كان حتى الامس القريب اكثر المسهلين والداعين الى تأليف في اسرع ما يمكن لانقاذ البلاد من الانهيار الوشيك الذي تحدث عنه الرئيس نبيه بري مرات عدة؟
امام هذه المعطيات، وازاء رفض الحريري القاطع لتوزير نائب سني معارض من حصته، محصناً اقليميا بجرعة دعم سعودية ودوليا بمؤتمرات الدعم ومحليا في شارعه السنّي، تعرب المصادر عن اعتقادها بأن حزب الله يضغط بورقته هذه على رئيس الجمهورية الذي يريد التشكيل قبل مساء الغد، ذكرى انتخابه الثانية، لحمله على تبني وديعة الوزير السني من حصته، وهو يعرف انه ليس من محبذي «الوزراء الودائع»، فهل من صراع خفي في مكان ما اظهر مسار التشكيل اول غيثه؟.