يواصل الرئيس المكلف سعد الحريري مساعيه، من باريس، لاخراج التركيبة الحكومية المنتظرة الى الضوء، ضمن المهلة التي حددها لمهمّته والتي تمتد الى الخميس المقبل، كحدّ أقصى. حتى ان انتقاله من بيروت الى باريس “في زيارة عائلية قصيرة”، لم يحل دون استمراره في مشاوراته، حيث ان وجوده في العاصمة الفرنسية شكّل مناسبة للتباحث عن قرب في كيفية كسر المراوحة السلبية، مع كل من وزير الخارجية جبران باسيل ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع اللذين التقاهما هناك كلاً على حدة.
ولا يمكن الحسم في مصير اتصالات الحريري، فحظوظ نجاحها وفشلها تبدو متساوية، وفق ما تقول مصادر سياسية مراقبة. اذ فيما بات معروفا ان المباحثات تدور على خطّين هما “تبادل بعض الحقائب” من جهة، و”تمثيل اللقاء التشاوري” من جهة ثانية، تردد في الساعات الماضية ان شبه اتفاق تبلور في شأن “المقايضة” اذ يبدو ان “البيئة” ستؤول الى التيار الوطني الحر بموافقة من الرئيس نبيه بري، على ان تنتقل “الصناعة” من الحزب “التقدمي الاشتراكي” الى “التنمية والتحرير”. أما الحقيبة البديلة التي ستحصل عليها “المختارة”، فلا يزال البحث جاريا عنها (خاصة وأن القوات رفضت التنازل عن الثقافة) وقد قيل ان “اللقاء الديموقراطي” أبلغ المعنيين أنه لن يقف حجر عثرة امام الاتفاق، اذا ما نضج.
الصعوبة الكبرى
الا ان الصعوبة وفق المصادر، لاتزال تتمثل في ايجاد حلّ لمعضلة تمثيل “التشاوري”. فأي جديد لم يسجّل على هذا الصعيد. “اللقاء” يصرّ على توزير شخصية تمثّله حصرا ومن ضمن الاسماء التسعة التي قدّمها، ويرفض اللعب على وتر “انتماء الوزير السياسي والتصويتي” في مجلس الوزراء، ويريده وفيّاً، قلبا وقالبا، له، ولو كان أعضاؤه يقولون ان التنسيق بين الوزير المختار ورئيس الجمهورية، أمر “بديهي” انطلاقا من مبدأ “التضامن الوزاري”.
“صيغة تسووية”
أما التيار الوطني الحر، فلم يعلن “صراحة” بعد، تخلّيه عن حصة الـ11 وزيرا في الحكومة الثلاثينية العتيدة، ما يعني انه لا يزال يبحث عن صيغة “تسووية” يتقاسم فيها الفريق الرئاسي مع “التشاوري”، الوزيرَ السني السادس.
والحال انه، ما لم يتدخّل “حزب الله” لدى حلفائه السنّة لتليين موقفهم، فإن العقدة ستبقى عصية على الحل (الا اذا قرر باسيل القبول بصيغة العشرات الثلاث). ولا مؤشرات حتى اللحظة توحي بنية “الضاحية” التحرّك للتسهيل، بل على العكس. فقد حكي في الساعات الماضية، عن “نقزة” تركها لديها التقاربُ المفاجئ بين رئيس التيار والرئيس المكلف، حيث تخشى ان يكون الرجلان يحاولان رسم “تسوية” سياسية جديدة للمرحلة المقبلة، لا يعرف “الحزب” تماما قواعدها، قد يكون عمودها الفقري لجم وزير الخارجية اندفاعته نحو التطبيع مع دمشق، مستمعا بذلك، الى النصائح الديبلوماسية العربية والغربية الكثيرة التي وردت الى بيروت في الآونة الاخيرة. الامر الذي، بطبيعة الحال، لن يعجب “حزب الله” الساعي الى حكومة تعتمد خياراته وشروطه، في ظل التقلبات الاقليمية وعشية مؤتمر وارسو الذي دعت اليه اميركا والذي سيكثّف الضغوط الدولية على ايران ومتفرّعاتها في المنطقة.
بوصلة المشاورات
وتلفت المصادر الى ان المشاورات التي ستستمر في الساعات المقبلة، والتي سيضطلع بها الحريري وباسيل وستشمل الاطراف كافة، بما فيها حزب الله، ستشكل مؤشرا الى مسار الامور. فإما تتوصّل الى طمأنة “هواجس” الجميع، فتُذلل عقدة “التشاوري” بعد “الحقائب”، أو لا تنجح، فيستمر التشدد في المطالب، في انتظار ظروف اقليمية اخرى وأكثر ملاءمة”.